زِنزانَة / علي نصوح مواسي
|علي نصوح مواسي| لأسرانا البواسلِ في سجونِ الاحتلال، […]
زِنزانَة / علي نصوح مواسي
|علي نصوح مواسي|
لأسرانا البواسلِ في سجونِ الاحتلال،
لوليد وأمير..
>
أسودكِ اللّيلُ يُطِلُّ من يدي قمرًا،
يكتبُ الأشياءَ سيرةً أولى عن بسمةِ الضّوءِ في شفةٍ
يبّسَها الغياب،
لي فيكِ صمتٌ مستحيلُ الملامحِ، يشرحُ اللاّ حِسَّ صورًا أعلّقُها على متنِ الفراغِ الفراغ،
منها أَسُلُّ الاغنياتْ:
زغرودةُ الشّايِ في صُبحِ الحقولْ / هديلُ نجمةٍ في ليلِ عيدْ / سربٌ فراشٌ يمرُّ بي،
يدورُ بي وجنةً ترنّمها العطورْ / سورةُ يوسُفَ تستبقُ فجرَ الأذانِ / دمعةٌ تئنُّ حينَ يلقاها الوداعْ / “لبيروتْ.. من قلبي سلامٌ لبيروتْ..
وقبلٌ للبحرِ والبيوتْ..”،
وترٌ أُخبّئهُ في جيبِ النّشيجِ، يرُدُّ لي شكليَ البكرَ خمرًا في كأسٍ مجازْ /
أصبو، أدوخُ، أعدو إلى غصنٍ في حجرِ أمّي
ممتلئًا كنارْ /
أَهزّهُ، يهزّني،
أفيقُ
على بردٍ يوشوشُ في زواياكِ الظّلام،
يسترقْ سَمْعًا على دفءٍ في ثنايايَ يجولْ،
يحاصرُ في جسدي أجنحةَ الخيالِ
يرتجفُ.. أرتجفُ
يُحيلُني للشّمسِ تسكبُ حبرَ الحرارةِ في موجِ رملٍ
يغسلُ أقدامَ المدينةِ الحزينةِ
بي
تلكَ الّتي عشقُها مهّدَ الدّربَ إلى هُنا،
إليكِ؛
أمامي ولا أمامي الآنَ سوى وقتٍ مُرَبَّعٍ ضَيِّقٍ يخنقُ
تقطفهُ يَدي من شللِ الدّقائقِ
تُكوّرُ
قطرةً فقطرةً
زَمني
تصنعُ البنانيرَ لألهو بما تبقّى من نبضٍ في “كانَ” و”سوفْ”
.
.
.
زمني..
ما زمني؟
زمني لا شيءَ من حقيقيَّةِ الزَّمنِ مذ جمّدهُ الرّوتينُ وعلّبهُ في تنكِ الانتظار،
زمني علاماتٌ تدلُّ عليهِ
مجرّدُ علاماتٍ:
ساعاتٌ لا معنى لها
سوى أنّ لها عقاربَ تسيرُ عكسَ الطّبيعة
تحسبُ الوقتَ تنازُليًّا
تعُدُّ كم تبقّى لي خارجَ العاديّةِ..
زمني
ورقٌ كثيرٌ، مُكدّسٌ تحتَ وسادةٍ قلقٍ
يَساقَطُ من يُبسِ الأَجِنْدَةِ كالخريف،
تهمّني في ظهرهِ النّصوصُ، لا الرّقمُ الهنديُّ في الجبين،
أقرأ:
هنا سقطَ قلمٌ في ضبابِ لُندُنَ دونَ أن يديرَ وجهَ الإيابِ إليّ
بقيَ في وجعِ المنافي طفلاً، وفي صورِ الرّصاص، يحلم بالسّجرة /
هنا المغوليُّ انحنى أمامَ مملوكٍ في عينِ جالوتَ / هنا
تفتّحت خيمةٌ من طينِ جُرحٍ، مدّتِ الظّلّ على شعبٍ شريدْ /
هنا كلّمَ اللهُ إبراهيمَ يذبحُ طفلهُ، فكانَ عيدْ /
هنا قبرُ “ستّي” الّتي ظلّتْ تراجعُ دروسَ شعري حتّى لا تنسى النّعومَةَ إلى أنْ أعودْ / هنا عرسُ حمامَةٍ يزفُّها الأبيضُ إلى نايِ الجليلْ /
هنا فصحٌ معلَّقٌ في قبّةِ القُدسِ على صدرٍ سماويٍّ هلال / هُنا غزّة.. هُنا اللاّ جوابُ للاّ سؤالْ / هُنا ثورَةٌ تفتَحُ الرّئتينِ على كُلّ احتمالاتِ العبيرِ،
هُنا ينايرْ وفبراير
هنا مارس،
مولدي، موتي، وبعثي،
هنا الحضورْ
هُنا الحُلولُ والنّشورْ
قزحٌ من الألوانِ
نورْ..
…..
لستُ أبغضكِ
زنزانتي
وما فيّ حقدٌ على أسودكِ المجالْ
فأنتِ مَنْ علّمني كيف أقطفُ من العَتْمِ
كرزَ الخيالْ
كيف أرسم برذاذِ نجمةٍ حلمًا طفوليًّا
فوقَ ألواحِ الظّلالْ،
كيف أَرْقُصُ دبكةً ودحيّةً
وأغنّي الميجانا
حين تسكرني اللّيالْ،
كيفَ أقارعُ بالجوعِ أساطيلَ المُحالْ،
وكيف أطهو الحرفَ على نارِ احتمالٍ يورقُ
ألفَ احتِمالْ..
لستُ أبغضكِ
وأشفقُ عليكِ مِنْ بَعْدي إِذا انكسرَ القيدُ وطرتُ
فما أنت إلّايَ
وجودُكِ بي
ومغزاكِ أنّكِ محشُوّةٌ بلحمي وحُلمي،
يدلّلُ السّجّانُ حديدَكَ لكي يحرُسَني
يعتني بأشباحِكِ
يقدّمُ لها الطّعامَ دافئًا كلّ فجرٍ
لتعتني بكوابيسِ نومي؛
سجينةٌ أنت بي
باسمي مقيّدةٌ
تسقطين جثّةً عدميّةً إذما نُزِعْتُ منكِ روحًا وانتفضتُ لتهطل الأمنياتُ من برقِ عينيّ على بلدٍ، على ولدٍ، على مَدَدٍ من نقبٍ حتّى جليل..
أشفقُ عليكِ
على حجارةِ جسدِكِ انتزعها الغريبُ من رحمِ أرضي وصيّرها أيقونةَ شرٍّ وموتيفَ بؤسٍ في أغانِيّ العَذاب،
أنظرُ في خُشونَتِها
أحلُمُها ركنَ مدرسةٍ
مقعدَ حديقةٍ
منارةَ مسجدٍ
هيكلَ كنيسةٍ
كاسرَ موجٍ
عنقَ تمثالٍ
شاهدَ مقبرةٍ
بلاطةَ دربٍ
ورصيفَ ميناءٍ يغازلُ موجَ الحنين
…..
هُنا
أنا
وأنتِ
وما بيننا رُطوبَةٌ،
وصدى بساطير يحمِلُ البعيدَ القَريبَ إليَّ
يقذِفهُ منّي عليَّ،
يهمسُ في عينِ العتمِ ضوءًا من جنوبِ الجَنوبِ:
“حزنتَ؟”
أركله جانبًا بجوعي،
“يئستَ؟”
أبصق عليهِ لا مبالاتي
وسأمي،
يصرّ:
“من أنتَ؟”
أفكّرُ.. أتوجّسُ
أقلقُ.. أعرَقُ
أغرَقُ
بي..
من أنا؟
هل “للأنا” خارجَ الحيّزِ
مسلوخةً من مدى الأشياءِ الّتي تنمو وراء هذه الحيطانِ معنًى؟
هل للأنا هُويّة
بلا جناحِ طيرٍ يبعثرُ بياضَ غيمٍ في سما الحرّيّة؟
من أنا
يا زمنًا شقيًّا تسيّرهُ أصابعٌ شقيّة؟
من أنا؟