كما أراد سامي/ إياد برغوثي
|إياد برغوثي| خذله قلبه، بعد عراك طويل، ورحل. احتفل بال […]
كما أراد سامي/ إياد برغوثي
سامي مطر. خانه قلبه
|إياد برغوثي|
خذله قلبه، بعد عراك طويل، ورحل. احتفل بالحياة، ظلّ يرقص ويرقّص حتى النغمة الأخيرة للآلة، حتى الخط المستقيم، مثله.
أعرف منذ بدأت صداقتنا المتقطعة في يافا أنّه يعيش في الزمن الضائع، في شوط فرضه على مباراة خسرها، في وصلة موسيقية إضافية لحفلة داهمتها شرطة الوجود، كنت أعرف أنّ قلبه يجلب له المتاعب ويهدّده بالموت، وأنه نقيض قلبه، لا يهدّد ولا يتوعّد ولا يؤذي أحدًا. صادر سامي من القلب كلّ معانيه ودلالاته وأبقى له بالكاد وظيفته الفيزيولوجية ليتدبّر أمرها قدر المستطاع، صادر منه الطيبة والمحبة والمشاعر والرقّة وأهداها لروحه، لأنّ الروح تبقى، فبقي معنا أكثر.
لم أتفاجأ من خبر وفاته، لكن لا علاقة بين المفاجأة وحزن الفقدان؛ المفاجأة تصادق الصدمة، أما الفقدان، وإن خففته مقولات الروح والراحة، فلا يقبل صديقًا إلا الحزن. لكن، كيف تحزن على إنسان لا تذكره إلا مبتسمًا وفرحًا؟
عرفته في الزمن الضائع، ولم أسأله عن الماضي. لكني بعدما شاهدت في الأمس فيلمًا قصيرًا عنه، أنتجه أصدقاؤنا „الصغار”، أدركت عمق تجربته. في أولى مشاهد الفيلم يبحث سامي عن بيت طفولته المهدّم في منطقة وادي السياح الجميلة عند قاع الكرمل، بجانب مقبرة „كفر سمير”، رغم الخراب وجد البيت تحت شارة „خطر” ونزل بروية على جدار رفيع متهاوٍ، ورأى أمه تجلي هناك وجدّه يزرع الشجرة التي رغم يباسها تذكّر فيه.
حكى سامي أنّ عائلته كانت تعمل هناك في المقبرة، تحفر القبور وتزرع الورود، وتحدث بلكنته الحيفاوية الجميلة عن التناقض بين طفولته الهادئة وشبابه الصاخب: „طفولتك بمحل اللي هو كتير هادي وكتير محزن، تقابل كتير ناس تعيّط وتبكي على الناس اللي فقدتها، الناس العزيزة عليها، وبعد أكمن سنة وأكمن مرحلة، بمرحلة تانية بالحياة، تفوت على إشي موسيقي ومضجّ عكس تام للمقبرة، فيه حياة فيه ضجة فيه احتفال وفي رقص”.
بعد قليلٍ، سأذهب إلى حيفا، لنبقي جسده في ثرى كفر سمير، وسأبحث عن طفل يأخذ منا حزننا ودموعنا ليمزجها نغمات فرحة بالحياة، كما أراد سامي.
..
• تشييع سامي مطر: كلّ هذا الحبّ!
