المنهجُ الْمُدَبْلَج: منهج العربيّة لرياض الأطفال العرب في الدّاخل
هذه بعضُ آثار النّكبة، وهذه هي سمات العجز والتّبعيّة، أو مظاهر قوّة السّلطة، تتضافر جميعا لتصبّ في كذبة واحدة منبنية على دونيّة الآخر
المنهجُ الْمُدَبْلَج: منهج العربيّة لرياض الأطفال العرب في الدّاخل
|د.إلياس عطا الله|
قديتا.نت
تقديم
بعد أن نشرت جمعيّة الثّقافة العربيّة (النّاصرة) (1) تقريرها حول الأخطاء في كتب تدريس طلبة الصّفّين الأوّل والثّاني في المدارس العربيّة، وهي كتب صادرة عن وزارة المعارف و/ أو بتصديق منها، وما تبع هذا التّقريرَ من نشرٍ وبحثٍ مع إدارة المعارف العربيّة في النّاصرة، ولجنة المعارف في الكنيست الإسرائيليّ، ادّعى المسئولون في إدارة المعارف العربيّة أنّ المناهج قديمة، وأنّ بديلا لها قد أُعِدّ، واتُّخِذت جملةٌ من الإجراءات لتحسين الوضع، برأيها، وكانوا يتغنَّون بمكرمة الوزير الّذي يحضن العربيّة وقضايا العرب بين ضلوعه- برأيهم- بزيادة حصّة أسبوعيّة إلزاميّة على موضوع العربيّة ( أربع وحدات كحدٍّ أدنى بدلا من ثلاث) في امتحانات البجروت، وإذا هي كذبة كبرى تراجع عنها الوزير ووزارته، ثم عجّلوا في فرض امتحان في اللّغة العربيّة لكلّ مَن أراد/ ت الانضمام إلى سلك التّعليم في الوسط العربيّ، وبهذا أساءوا فهم مقولة” كلّ معلّم عربيّ معلّم للعربيّة”، وكنت ذكرتها عام 2004، وأوضحت في توصيات محاضرة لي عن واقع العربيّة في إسرائيل رؤيتي لهذه المقولة قلت فيها : (2)
“فرض تدريس المواضيع الأخرى بلغة عربيّة سليمة، وهذا يتطلّب إعداد المعلّمين كافّة لإجادة العربيّة. من الخطل والخطأ أن يُحَمَّل معلّم/ة العربيّة همومَ القوم جميعا وهمومَ لغتهم، ولو افترضنا أنّ كلَّ معلّم للعربيّة هو مزيجٌ من الفراهيديّ والمتنبّي والمعريّ، فما تراه صانعا وسط هذا المحيط من اللاّحنين المجيدين للعامّيّة أو المجيدين للعبريّة؟ يخرج من الدّقائق الّتي خُصّصت له ثلاثَ مرّات في الأسبوع، تاركا بقيّة ساعات الأسبوع مجالا رحبا للاّعربيّة واللاّمعياريّة، فهل شغلتْنا عربيّة معلّم الحاسوب والفيزياء والتّاريخ وعلوم الاجتماع وغيرها؟ ماذا قدّمنا لهم؟ أطلَبْنا إليهم أن يلتحقوا بدورة استكمال إلزاميّة في العربيّة؟ أقول هذا مكتفيا منهم بأن يتحدّثوا لغة عربيّة سليمة وفي منأى عن الشّكل، وأكتفي بأن ينتقوا المفردة الصّحيحة، وأن ينطقوا بوضوح، وأن يجيدوا الكتابة، أقول هذا دون تعميم، فبعضهم مجيد للعربيّة عاشق لها”.
اعترف القائمون على التّعليم العربيّ بكلّ ما ورد في التّقرير من أخطاء، وتنصّلوا منها، وهم صادقون بهذا من ناحية، حيث إنّ المنهج، بكُتُبه، أُعِدّ قبل تعيينهم، ولكنّ ذلك، من ناحية أخرى، لا يشفع لهم في شيء، فلسنوات طويلة منذ تعيين بعضهم ظلّت الكتب الملحونة المشوِّهة معتمدَةً دون أن ينظر صاحب المسئوليّة الجديد في التّركة التي استلمها، وما كان ليتحرّك لولا التّأثير الضّاغط الذي ولّده تقرير جمعيّة الثّقافة وتناقلته وسائل الإعلام بكثافة، وكانوا، في بعض اجتماعاتنا معهم، يقولون إنّ المنهج قديم، وإنّ المناهج في موضوع العربيّة قد تغيّرت، وإنّهم بصدد إصدار كتب جديدة، وحقّا، وُضِع منهجان، أحدهما لتعليم رياض الأطفال الرّسميّة عام 2008(3)، والثّاني لتعليم المرحلة الابتدائيّة من الصّفّ الأوّل حتّى السّادس عام 2009 (4). قرأت المنهجين قراءة متأنّية فاحصة، وتمنيّت أن أعود للكتب القديمة بأخطائها ولو كانت بالآلاف… فالخطأ غير الخطيئة، فكيف إذا كانت الخطيئة مميتة أو من الكبائر بمصطلحاتنا الدّينيّة؟! وسأتناول المنهج الأوّل، مشيرا إلى فضيحيّته وبطلانه، وإلى الجريمة المنضافة بحقّ العربيّة وتدريس أطفالنا، وإلى الظّلّيّة غير المسبوقة في المنهج الجديد الّذي رأوا فيه ملاذا وخلاصا، وهو في جوهره باطل الأباطيل، وما يبنى على منهج باطل من كتب وأساليب تدريس ونظريّات باطلٌ هو أيضًا. ومن هذا المنطلق، ولأنّ كتاب الصّفّ الأوّل (المنقّح) الموجود في الأسواق الآن مبنيٌّ على هذا المنهج واستمرار وتطبيق له، إضافة إلى عوامل أخرى، فهو باطل أيضا، ولا أتحدّث على صعيد صحّة اللّغة أو اللّحن، بل على صعيد النّصّ ولاشيئيّته، واللامنهجيّة، وبخاصّة في بدعة “المقطع” البعيدة عن الإبداع، المتجاهلة للمأثور العربيّ، الجاهلة لعلوم العربيّة، والمكرّسة للعاميّة، لغة الأمّ، بديلا جاهزا بعد الاحتفال بذبح الفصيحة، لغة الأمّة، وتقديمها قربانا على مذبح الشّيطان؛
1- المنهج المدبلج
بكلمات أخرى؛ هذا منهج ناطق بالعربيّة وليس منهجا عربيّا أو للعربيّة، رغم كلّ الأسماء العربيّة التي تتصدّره موزّعة على لجنتين (5) ومستشارين علميّين ومدقّقين وقارئين، إلى ما هنالك ممّا تقتضيه الأصول العلميّة لوضع منهج تدريسيّ، حتّى أنّهم كتبوا في الصّفحة ذاتها ما يلي:” أعد المنهج التعليمي لرياض الأطفال العربية بحسب منهج” البنية الأساسية للقراءة والكتابة في رياض الأطفال الرسمية والرسمية الدينية”… من قبل لجنة برئاسة البروفسورة إيريس ليفين…”(6) ، وهذه الصّياغة فيها من التّضليل الشّيء الكثير، فقد وجب عليهم أن يكتبوا: تُرْجم المنهج التّعليميّ لرياض الأطفال العربيّة حرفيّا عن المنهج العبريّ…، ولم يكتفوا بهذا، فأوغلوا في بعدهم عن العلميّة والأكاديميّة التي تزين صدور أسمائهم، وذلك في ما يلي:
1-1 جميل أن نفيد من تجارب ودراسات الآخرين ونحن أمام وضع منهج ما، فالأمر مُثْرٍ ومُجْدٍ ولا ضيرَ منه، ولكن في موضوع اللّغة العربيّة لا يجوز لا علما ولا بنية ولا انتماءً أن أترجم منهجا عبريّا مبَهَّرا ومرَقَّعا بشيء من معايير الإنجليزيّة ليكون الأساس الّذي أنشّئ عليه أطفال العرب، فالعبريّة والإنجليزيّة غير العربيّة، فلكلّ لغة سماتها وبُِناها وأصولها ومتّكآتها الحضاريّة الّتي يجب أن تنعكس في منهج تدريسها، والأمر غير جائز ولو انضوت العربيّة والعبريّة أختين تحت شجرة ما يسمّى باللّغات السّاميّة كما شاء شلوتسر، أو اللّغات الجزريّة أو اليعربيّة أو العروبيّة أو الشّاميّة كما يشاء بعض الدّارسين العرب، فاللّغتان بعيدتان من حيث ميزة نحوهما، والعبريّة الإسرائيليّة ليست العبريّة المقصودة في المصطلح التّوراتيّ الشلوتسريّ، إضافة إلى أنّ التّرجمة والتّرقيع مهينان مفسدان في السّياق الّذي نحن فيه.
1-2 دأبوا لأسباب تتعلّق بمسئول/ ة في اللّجنة على الخوض في المقطع وأنواعه- ولم يخض الأصل العبريّ في الأمر-، وأوردوا دراسات ومراجع تشمل آراء بعضهم المنشورة، وهي مجانبة لنظريّة المقطع العربيّ، ومجانبة لمعياريّة العربيّة، موردين عمدا تقسيمات المقطع في العامّيّة، غير أمناء في نقل ما أورده بعض الدّارسين العرب الّذين اعتمدوا أبحاثهم، ومغفِلين، عن غفلة أو جهل، المصادر العربيّة الأولى التي شرّحت المقطع العربيّ وبيّنت بنيته، ولكنّهم جاءوا بما يرد في بنية المقطع في الإنجليزيّة، وإضافة إلى تجاوزهم عمالقة الفكر العربيّ الّذين علّموا الدّنيا التّقطيع والتّنغيم والنّغم، فإنّهم لم يلتفتوا إلى أنّ ما يصحّ في الإنجليزيّة لا يصحّ في العربيّة بالضّرورة، وعليه خلقوا مقاطع تنبذها العربيّة لأنّها تخالف أقْيِستَها، وراحوا يعلّمون عن المقطع في العامّيّة، ولا أعرف لمَ على الطّفل العربيّ أن يتعلّم العامّيّة على مقعد الدّراسة! وسأتناول قضيّة المقطع في دراسة منفصلةٍ.
1-3 وقع المترجمون في جملة من الأخطاء تتمثّل في عدم تنبّههم إلى أنّ المطابقة في العربيّة بين المسند إليه والمسند واجبة، كما هي الحال في العبريّة، ولكنّ ما كان مؤنّثا في الأصل العبريّ صار مذكّرا في التّرجمة العربيّة، ممّا يتطلّب إجراء تعديلات قواعديّة، وعليه نقرأ نماذج ملحونة كالتّالي، كتبوا:
أ- ” منذ سنوات كثيرة هناك إجماع واسع على أن التمكّن من القراءة والكتابة بمعناهما الواسع، أي فهم المقروء والقدرة على التعبير الكتابي في مختلف النصوص، هي بشكل عام شرط…” ( النّصّ العربيّ، ص. 7)، والتّمكّن المخطوط تحته يُخبَر عنه بهو لا بهي كما يرد في التّرجمة، والسّبب في ذلك أنّ مقابل كلمة التّمكّن ( المذكّرة في العربيّة) كلمة عبريّة مؤنّثة (השליטה) يستقيم معها الضّمير المؤنّث (هي= היא)، وهذا هو الأصل العبريّ: ” זה שנים רבות קיימת הסכמה רחבה כי השליטה בקריאה ובכתיבה במשמעותן הרחבה, דהיינו הבנת הנקרא ויכולת הבעה בכתב של מגוון טקסטים, היא בדרך כלל תנאי…” (תשתית לקראת קריאה וכתיבה, ע’ 5)، والقضيّة نفسها تعاد في الجملة التّالية المماثلة؛
ب- ” تقصّي الإمكانات الكامنة في نص الكتاب تمكّن من التفكير سلفا…”( النّصّ العربيّ، ص. 90)، والتّقصّي يُمكّن لا تمكّن، ولننتبه إلى الأصل العبريّ المعياريّ حيث نجد المخبر عنه مؤنّثا وخبره مؤنّثا أيضًا: ” בחינת האפשרויות הגלומות בטקסט של ספר מאפשרת לחשוב מראש…”( תשתית לקראת קריאה וכתיבה, ע’ 58)؛
ج- لا أظنّ أنّ المترجمين كانوا موفّقين في استعمالهم “تقدّم” مقابلا للعبريّ (מקדמת) رغم كونهما من أثل واحد، ومن الوزن الصّرفيّ الثّاني(فعّل)، فالكلمة العربيّة لها معان تختلف عن شبيهتها العبريّة وفق سياقات استعمالهما، وأظنّ أنّ استعمال ” تُحسّن”، ” تُعلي”، ” تدفع قُدُما” وما إليها، أدقّ، يقولون:” من المهم أن تختار المربية أهدافا تعليمية تثير التحدي لكن يمكن إحرازها، وفي التعليم الناجع تُقدم المربية، بشكل تدريجي، مستوى أداء الأطفال وفق قدراتهم”.( النّصّ العربيّ، ص 17)، وفي الأصل العبريّ:” חשוב שהיא תבחר יעדי למידה מאתגרים ועם זאת יעדים שאפשר להשיגם. בלמידה יעילה הגננת מקדמת בהדרגה את רמת התפקוד של הילדים בהתאם ליכולותיהם.( תשתית לקראת קריאה וכתיבה, ע’ 21.)
1-4 سيرًا على نهج الأخطاء، اخترعوا مصطلحات هجينة كالمنهج نفسه، فأقحموا في العربيّة ما ليس منها، ووضعوا قواعد لا يعرفها الخليل وسيبويه، وعرّفوا علوم العربيّة بحدود مرادفاتها أو مقابلاتها في الإنجليزيّة، بكلمات إجمال؛ لم يبقوا هدما إلاّ ومارسوه، وهذه حصيلة تفتّق القرائح، أوردها بالأمثلة من الأخفّ إلى الأثقل من حيث الخطأ:
أ- يقولون: “يستعملون جملا مركّبة من نوع جمل العلاقة”.( النّصّ العربيّ، ص. 13)، ولم أفهم ما المقصود بقولهم “جمل العلاقة”، ووجدتني مضطرّا إلى العودة إلى الأصل العبريّ كي أفهم لغتي: “משתמשים במשפטים מורכבים מסוג משפטי זיקה”، (תשתית לקראת קריאה וכתיבה, ע’ 70). إنّ العبارة الاصطلاحيّة משפטי זיקה الواردة في الأصل العبريّ تقابلها في المصطلح العربيّ: جمل الصِّلة، ولا أعرف من أين أتوا بهذا المصطلح” العلاقة”، ولو استعملوا العبارة الاصطلاحيّة ” جمل الرّبط” لكان أيسر وأصوب؛
ب- ويقولون بعد عنوان مدّوا تحته خطّا:” ظروف المكان: أمام، خلف، قبل، بعد، بين، الأوّل، الثاني. الأخير”. (النّصّ العربيّ، ص. 13)، ولم أفهم كيف اندرجت أسماء الأعداد التّرتيبيّة في موضوعة ظروف المكان في العربيّة، وثانية عدت إلى منهلهم، فوجدت: ” מילות יחס מרחביות: קדימה, אחורה, לפני, אחרי, בצד, בין, ראשון, שני… אחרון”،( תשתית לקראת קריאה וכתיבה, ע’ 70)، وإذا بهم ينقلون عن العبريّة ألفاظا لا أعرف لها علاقة بالعربيّة؛
ج- ويكتبون- والخطّ الممدود من الأصل-:” كلمات تمثل الإضافة، العكس، المقارنة، الشرط: أيضا، لكن، إذا، مثل، أو”.(النّصّ العربيّ، ص. 13)، ولم أعرف ماذا يقصدون بقولهم “الإضافة”، فالمصطلح معروف ومحدّد في النّحو العربيّ، ولكنّي لا أجد داعيا لذكره هنا، وكذا شأن” العكس”، حيث أُرْتِجَ عليّ فعدت إلى المصدر العبريّ حيث كتبوا: ” מילים שמציינות הוספה, ניגוד, ברירה, השוואה, ותנאי: גם, אבל, אם, כמו, או”،( תשתית לקראת קריאה וכתיבה, ע’ 70)، اتّضح لي المرادُ من العبريّة، فقد جعلوا الإضافة بمعنى الزّيادة، وإن كان الأمر صحيحا على صعيد الدّلالة، ولكن كان عليهم الحذر من استعمال الإضافة لأنّهم يتحدّثون في مجال النّحو، وفي هذا المجال تكتسب الكلمة المعجميّة دلالتها المصطلحيّة، وهي بعيدة عن المراد هنا، أمّا “العكس” – وهو التّرجمة التي اختاروها لـ ניגוד العبريّة- فيعنون به الإضراب والاستدراك وفق ما مثّلوا به، ونراهم لسبب لا أعرفه لا يترجمون موضوعًا واردا في الأصل العبريّ، ولكنّهم يمثّلون له رغم عدم ذكره، وهو موضوع الـ ברירה وأداته العبريّة “או”، وتقابلها الأداة العربيّة المترجمة المثبتة: “أو”، والمصطلح العبريّ معروف بمقابله العربيّ: التّخيير، وهو وظيفة أساسيّة من وظائف”أو” النّاسقة/ العاطفة.
1-5 ويرتفع منسوب الأخطاء، إذ ينسبون إلى العربيّة ما ليس فيها، ففي غمرة انهماكهم بالعبريّة والترجمة عنها، ترجموا أيضًا ما مثّلوا له بالعبريّة في الأصل العبريّ- وهو صحيح في العبريّة- إلى العربيّة، والعربيّة بوجهيها الفصيح والمحكيّ بريئة منه، ومن هذا القبيل أكتفي بالعيّنة التّالية:
أ- تحت عنوان القاموس اللغوي في سن الثالثة يكتبون:” في قاموس الطفل اللغوي أفعال تدل على أعمال فيها استمرارية؛ مثل، يجلس، يأكل، يبكي، تنام، يتأرجحون، يلعبون… وأفعال تدل على أعمال قصيرة ونتائجها فورية: مثل، سقط، أنسكب( كذا)، تمزق…، وأفعال تعبّر عن رغبته وطموحه ونواياه، مثل، بدي، تعالوا، أُدخل( كذا)، خُذ…”(علامات التّرقيم كما في الأصل)( النّصّ العربيّ، ص 48). ما ورد مترجمٌ عن العبريّة(תשתית לקראת קריאה וכתיבה, ע’ 31) مع شيء من التّعديل في فعل أو اثنين، وأعجب من الأفعال الخمسة هذه؛ يتأرجحون ويلعبون التي هي من معجم ابن الثّالثة الفلسطينيّ! ومن الفعل (اِنسكب) الّذي هو أيضا من معجم ابن الثّالثة، ومن تمزّق أيضًا، وأعجب أكثر من الفعل”بدي”؟! الذي رأوه أيسر من (أريد)، ومن يعرف الأفعال الخمسة لا مشكلة له مع “أريد” على ما أظنّ، وإضافة إلى الخطأ في إدراج الكلمة في الأفعال، أتساءل عن إقحام العامّيّة في الموضوع… فهل الحديث عن العربيّة الفصيحة أو المعياريّة( ويبدو الأمر كذا) أم عن اللّغة العامّيّة؟ وما الغاية من إقحام العامّيّة في هذا السّياق وفي سياقات أخرى في المنهج؟
ب- وفي الصّفحة نفسها، يترجمون عن العبريّة ويقعون في خطأ فادح، يقولون: “… وحروف الجر مثل إلى، في، مع، لـِ…”، وهي نقل حرفيّ عمّا ورد في الأصل العبريّ: ל-, ב-, עם… وإن كان الطّفل اليهوديّ في سنّ الثّانية حتى الثّالثة يستعمل هذه الأحرف لأنّ هذا ما يوجد في لغة بيته وكتابه ومدرسته، فإنّ الطّفل العربيّ لا يستعمل اللاّم الجارّة المكسورة، وإن سُمِعَتْ منه فإنّه يلفظها مفتوحة، وعلى الغالب يبتعد عن هذا الحرف في مجال الملكيّة ليستعمل معجمه العامّيّ، هذا، إضافة إلى التّقريريّة المشكوك فيها باستعماله “إلى” الجارّة الدّالّة على منتهى الغاية زمنا أو مكانا أو غيرهما، ولا ترد عنده إلاّ مع الضّمائر لدلالة الملكيّةِ نحو: إلي إلَكْ، إِلْنا… بدلا من لي، لَكَ، لنا.
ج- وفي حديثهم عن” القدرة الصرفية في سن الثالثة” يدّعون أنّ الأطفال بين الثّانية والثّالثة:” يعرفون تصريف الأسماء مع الجنس: مذكر ومؤنث، مثلا معلم ومعلمة، والعدد: الجمع، مثلا معلمون ومعلمات”( النّصّ العربيّ، ص 50)، ورغم إحالتهم إلى (خلايلة، 1995، و לוי, 1980) أرى أنّ الطّفل العربيّ لا يستعمل ولا يدرك صيغة جمع المذكر السّالم التي أوردوها، وهو يعرف الصّيغة بالياء والنّون لا بالواو والنّون؛ مْعَلّمينْ، وما فعلوه هو أنّهم ترجموا الكلمة العبريّة מורים بمعنى( معلّمون)، والطّفل اليهوديّ لا يجد في لغته غيرَها، ويعرفها ويستعملها، فسحبوا الأمر اعتباطا على الطّفل العربيّ!
د- ويدّعون في باب القدرة الصّرفيّة أيضا أنّ الطّفل بين الثّانية والثّالثة يعرف إدراكا واستعمالا:” لـِ: لنا، لكم… وما أشبه”( النّصّ العربيّ، ص 50)، وكلّ ما في الأمر أنّ النّصّ بأمثلته منقول عمّا ورد في الأصل العبريّ( ص 31)، ولست بحاجة إلى القول إنّ الطّفل العربيّ لا يستعمل “لكم” هذه- يستعملها الطفل اليهوديّ(לכם) فهي الصّورة الوحيدة في لغته-، ففي عامّيّته وعلى لسانه تشيع الضّمّة والواو أو الضّمّة والنّون بدلا من الميم علامة الجمع، إضافة إلى أنّه يقول “إلْكُ(و)” أو ” إلْكُنْ”، وفقا للبيئة الجغرافيّة الّتي يعيش فيها.
هـ- وفي موضوع “التطور الصرفي في سن الروضة من 3- 6″ يكتبون:” يبدأ أطفال الروضة في هذه السن بملاحظة الأوزان المشتركة في كلمات مختلفة… أوزان أصحاب المهن: وزن فعّال مثل نجّار… اسم الآلة: وزن مِفعلة مثل مطرقة، مكنسة…؛ وزن مِفعال مثل منشار؛ …؛ أوزان تدل على اسم مكان: وزن مِفعل مثل مصنع، متجر، مكتب، مرسم؛ وزن مِفعلة مثل مدرسة، منجرة، ملحمة…” ( النّصّ العربيّ، ص 51)، ولا أعرف يقينا مدى صحّة ما مثّلوا به، فما أوردوه على وزن مِفعلة مكسورة الميم غير صحيح، وقد يسمع في بعض لهجاتنا، وكذا في ما أوردوه على وزنِ مِفعل مكسور الميم، وإن كان حديثهم عن العربيّة المعياريّة، فاسم المكان على وزن مَفعلة بالميم المفتوحة، وهو يدلّ على الكثرة الوجوديّة أو العمليّة على الغالب، نحو: مدرسة، مكتبة، مقبرة… مأسدة…، وتشير المراجع التي اعتمدوها إلى أنّ المبحث بأوزانه وأمثلته منقول عن العبريّة والإنجليزيّة.
و- كان بإمكان القائمين على المنهج/ المترجمين أن يكتبوا جملا عربيّة للتّمثيل، وألاّ يترجموا حرفيّا ما جاء في الأصل العبريّ، وبهذا يكونون قد سجّلوا شيئا لصالحهم، وابتعدوا عن كلمات نسبوها إلى الطّفل العربيّ- والنّاطق طفل يهوديّ- والمنهج يعجّ بهذه النّماذج المفتقرة إلى الأصالة، ومنها: “سأشرب الحليب الآن”، “سقطت حبّة البوظة”، “يحرقني الفلفل”( النّصّ العربيّ، ص 52)، والجمل منقولة عن الأصل العبريّ( ص 34)، و” إذا أخذتموني إلى البحر فسأبني قصرا من الرمل” ( النّصّ العربيّ، ص 53)، ورغم ذكر المصدر العبريّ(דורון, 2000)، كان بإمكانهم تغيير شيء في النّصّ، فـ”أخذتموني” المترجمة ليست من لغة الطّفل العربيّ ( אם תקחו אותי לים, אני אבנה ארמון בחול- ينظر النّصّ العبريّ، ص 34)، هذا، إضافة إلى أنّ الطّفل العربيّ لا يستعمل في هذه السّنّ الرّابطَ النّاسقَ” ثم”( النّصّ العربيّ، ص 53)، وإيرادهم ثُمَّ النّاسقة الرّابطة هو من إبداعهم، فهي غير مترجمة، إذ لا مثيل لها من لفظها في الأصل العبريّ كما هي الحال مع اللام وإلى والباء و ـ كُمْ والواو… أمّا تمثيلهم للأخطاء اللّغويّة الّتي يقع فيها الطّفل فكان شيئا شبه حصريّ وشائعا في العبريّة، فبعض المؤنّثات تجمع جمع السّلامة العبريّ المنتهي بـعلامة جمع المذكّر(- ים)( وهي تشبه ما يعرف في العربيّة بالملحقات بجمع المذكّر السّالم)، ويشيع وصفها أو الإخبار عنها خطأ بصيغة المذكّر أيضا، فما كان منهم إلاّ أن مثّلوا لهذه الظّاهرة كما تقع في العبريّة، فقالوا” نساء كثيرون”( النّصّ العربيّ، ص 73) ترجمة عن العبريّة(נשים רבים- بدلا من רבות)… ومن باب الإنصاف أقول إنّ اسم العلم العبريّ “أوري” صار “محمّد” في بعض الجمل، فجزاهم الله خيرا… وأكتفي بما مثّلت به في هذا المجال، ومن أراد تتبُّعَ هذه الأخطاء- وهي كثيرة- فليقرأ المنهج بروايتيه.
1- 6 في موضوع تطوّر قراءة الكلمات، يقولون:” يشخّص الأطفال من سن صغيرة كتابة تجارية… مثل المكتوبات على المنتجات الغذائية (كيس البامبا… وما أشبه… أو على كتب معروفة مثل “ذرة ساخنة”(النّصّ العربيّ، ص، 33)، وأعترف بجهلي لهذا الكتاب المعروف، وكان عليّ، كالعادة، أن أعود إلى النّصّ العبريّ، فقرأت:” ילדים מזהים מגיל צעיר ‘כתב סביבתי- מסחרי’, כגון כתובות על מוצרי מזון… או על ספרים ‘תירס חם’…”(ص 21)، وإذا بالذّرة السّاخنة قصّة أطفال شهيرة في الوسط العبريّ، وكاتبتها مريم روت( מרים רות) متوفّاة سنة 2005، ولا أعرف لمَ افترضوا أن تكون قصّة معروفة( والأصل العبريّ لم يصفها كذا) للطّفل العربيّ؟ أهو استخفاف بنا وبمعلّمينا وأطفالنا؟! إلى أيّ درك سنصل بعدُ؟
1-7 في الملحق الأوّل (النّصّ العربيّ، ص 98- 101)، يعرّفون بالمصطلحات الّتي استعملوها في المنهج، ولن أدخل في كلّ ما قدّموا، وخاصّة في مجال الصّرف والاشتقاق والوحدة النّغميّة رغم عدم دقّته، وأكتفي بتعريفهم بمصطلح “النحو”، وتعريفانهم على الإجمال تعتمد الإنجليزيّة، دون أن يلتفتوا إلى الحدّ العربيّ لهذا المصطلح أو ذاك، يقولون: ” النحو (תחביר): المجال اللغوي الذي يتناول مبنى الجملة، وطرق ربط الكلمات بعضها ببعض”، وهو أيضا:” فرع من اللغة يبحث في ضم المورفيمات إلى صيغة ذات دلالة (جملة)، وعلاقة هذه المورفيمات ببعضها”( النّصّ العربيّ، ص 100). هذا هو تعريف ال syntax في الإنجليزيّة، وقد يصحّ في العبريّة أيضا، أمّا في العربيّة فهو تعريف مبتور لأنّه يتجاهل سمة النّحو العربيّ، وكأنّ المصادر العربيّة لم تعرِّف أو تحدَّ نحوَ العربيّة من أنّه علمٌ بأواخر الكَلِمِ وما يعتريها من حركات وسكنات، بناء أو إعرابا، وفق المتغيّر الوظيفيّ للمعرب من الأسماء، وبأثر العوامل في الأسماء والأفعال… العربيّة لغة تركيبيّة تأليفيّة(synthetic language) إعرابيّة، تعتمد التّصريف ودمج الزّوائد بالجذور لتبيين العلاقات النّحويّة بين مركّبات الجملة، وهي تتّسم بكونها لغة إلصاقيّة تصريفيّة، وبعلامات الإعراب الوظيفيّ(word endings- case endings)، وتختلف عن الإنجليزيّة والعبريّة وغيرهما من اللّغات التّحليليّة(analytic languages) أو العازلة(isolating languages) المتّسمة- ضمن ما تتّسم به- بنظم أو ترتيب الكلمات في الجمل(word order) الدّالّ على وظيفة الكلمة النّحويّة في الجملة، ولا يعني هذا بالضّرورة أن تكون الإنجليزيّة أو العبريّة عازلتين غير متصرّفتين، ولكنّ اعتمادهما قائم أساسا على ترتيب الأفعال والأسماء فيهما وفقا لأنماط الجمل إن كانت إسناديّة خبريّة أو إنشائيّة طلبيّة على اتّساع مباحث الطّلب، والعربيّة، وإن صحّ أن تعتمد على التّرتيب المذكور، إلاّ أنّ حركات الأواخر النّحويّة تعطيها حيّزا واسعا ومرونة في التّقديم والتّأخير لا تنعم به اللّغات التّحليليّة، وأشير من باب الدّقّة العلميّة إلى أنّ العائلة التّركيبيّة- وهي من اللّغات الكلاسيكيّة على الغالب- تتفاوت في سماتها من حيث كمّ التّركيب والإلصاق والتّصرف، فبعضها يتّسم بغنًى واسع في هذه السّمات، ويعرف بـpolysynthetic language كالعربيّة مثلا، وكذا شأن اللّغات التّحليليّة والعازلة، من حيث كمّ العزل أو الإلصاق، أو الاعتماد على المقطع أو النّبر والتّنغيم والجندرة، والبحث في سمات اللّغات ليس من غايتنا في هذه المقالة، ومن شاء توسّعا في هذا المبحث فليقرأ الدّراسات الباحثة في الأصناف أو الأنماط اللّغويّة linguistic typology، وأنبّه القارئ المهتمّ بهذا المبحث إلى عدم الاطمئنان إلى علميّة عدد من الباحثين، فمنطلقات بعضهم عنصريّة نتِنة، حيث قسموا الشّعوب من حيث التّحضّر والتّخلّف وفقا لأنماط لغاتهم.
1- 8 وأخيرًا،
هذه بعضُ آثار النّكبة، وهذه هي سمات العجز والتّبعيّة، أو مظاهر قوّة السّلطة، تتضافر جميعا لتصبّ في كذبة واحدة منبنية على دونيّة الآخر؛ ليس بين العرب الفلسطينيّين في الدّاخل مَن هو أهلٌ لوضع منهج عربيّ لأطفالنا… مليون فلسطينيّ جفّت قرائحهم جميعًا! وعلينا أن نختار بين حقيقتين موجعتين؛ إمّا العودة إلى مقولة ابن خلدون الّتي لا تموت- ما بقينا مغلوبين، أو ما بقي بيننا مغلوبون- في وصف حالة المغلوب؛” المغلوب مولع أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلتِه وسائر أحواله وعوائده”(7) ، أو التّقرير في أن تكون عربيّا سيّئا، والعربيّ الصّالح اسم آخر للعربيّ المغلوب… وحيث إنّي أدّعي أنّني” أفكّ الحرف” في العربيّة، و” أخربش” شيئا من المناهج، قرّرت أن أكون عربيّا أصْلَحَ من العرب الصّالحين أي عربيّا سيّئا جدّا، وبقيتُ ذلك الفلسطينيَّ الرّافضَ المرفوضَ.
(آب 2010؛ عن موقع “عرب 48″)
قديتا.نت
هوامش:
1- أطلِعَ جمهور الحاضرين على الأخطاء في مؤتمر” تعلّموا العربيّة وعلّموها النّاس” الّذي عقِد في النّاصرة في السّادس من تشرين الثّاني 2009، ثم تناقلته وسائل الإعلام.
2- إلياس عطا الله (2004). واقع اللّغة العربيّة وتحدّياتها، في أعمال المؤتمر الأوّل لمجمع اللّغة العربيّة. القدس، مجمع اللّغة العربيّة، وزارة المعارف. (ص 80- 111). ونشرها موقع ديوان العرب في الأوّل من حزيران عام 2005 تحت عنوان: العربيّة بين الثّنلغويّة وقسريّة الرّباعيّة اللّغويّة.
3- البنية الأساسية للقراءة والكتابة في اللغة العربية كلغة أم- منهج تعليمي لرياض الأطفال الرسميّة(2008). وزارة التربية والتعليم- السكرتارية التربوية- مركز تخطيط وتطوير المناهج التعليمية. تل أبيب: معلوت. والأصل العبريّ الّذي ترجم عنه هذا المنهج هو: תשתית לקראת קריאה וכתיבה- תוכנית לימודים לגן הילדים בחינוך הממלכתי והממלכתי דתי (2007). משרד החינוך- האגף לתכנון ולפיתוח תוכניות לימודים. תל אביב: מעלות. وكما نرى فإنّ النّصّ الأصليّ لا شأن له بالعربيّة ولم يذكر قسم التّعليم العربيّ، فهو للتّعليم العبريّ الرسميّ، وللقسم الدينيّ الرسميّ، أمّا قضيّة العربيّة كلغة أمّ فهو من صنيع اللّجنة المسئولة المترجمة، ولم أجد ما أضافته إلا ضربا من الزّيادة التي لا تجعله عربيّا، وما أورده في هذه المقالة يثبت ذلك.
4- التربية اللغويّة العربيّة: لغة، أدب، ثقافة- للمرحلة الابتدائية( الصفوف: الأوّل- السّادس)( 2009). وزارة التربية والتعليم، السكرتارية التربوية، مركز تخطيط وتطوير المناهج التعليميّة. تل أبيب: معلوت.
5- اللّجنة الأولى رئيسيّة فيها 14 عضوا، والثّانية لجنة فرعيّة منبثقة عن الأولى، وهي لجنة العمل في منهج رياض الأطفال، وتضمّ هذه اللّجنة 5 أعضاء، ومن أراد اطّلاعا على الأسماء فليراجع المنهجين، وذكر الأسماء هنا ليس ممّا يشغلني شخصيّا.
6- ألفت النّظر إلى أنّ اللّجنة المترجمة، أو بعضا من أعضائها، تتعمّد عدم وضع الشّدّة على ياء النّسبة، وكنت أشرت إلى هذا في التّقرير المقدّم إلى جمعيّة الثّقافة العربيّة، وأصحاب هذه الفعلة يسهمون- ولا شأن لي بالنّوايا- في شرعنة العامّيّة بديلا للفصيحة، وذلك بتغييب حركات الإعراب التي يوجبها التّشديد، وبهذا تُضرب سمة أساسيّة من سمات العربيّة الفصيحة.
7- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمّد(2006). مقدّمة ابن خلدون. ضبط وشرح وتقديم د. محمّد الإسكندراني. بيروت: دار الكتاب العربيّ. الفصل الثّالث والعشرون، ص 146.
18 أغسطس 2010
إلى نبيل:
أيقونة الطباعة سقطت سهوا.
سنهتم بالموضوع اليوم.
18 أغسطس 2010
كيف يمكن طباعة المقال؟ لم أجد أيقونة المطبعة