التعددية الجنسية في العالم العربي: بين الواقع وفوضى القوانين
تناقض صارخ بين ما نقرأه ونسمعه عن بعض الدول العربية وبين ما تنص عليه القوانين المحلية
التعددية الجنسية في العالم العربي: بين الواقع وفوضى القوانين
|إعداد وجمع: مثليون ونص|
تعاني حالة التعددية الجنسية وخاصة المثلية منها في العالم العربي -وبالذات في دول الخليج تناقضًا صارخًا بين ما نقرأه أحيانا ونسمعه من الزائرين لتلك الدول، وبين ما تنص عليه القوانين المحلية التي قد لا تُطبق أو أنها تُطبق بشكل موسميّ أو ربما لإرضاء جهات سلفية ما. فنقرأ وبشكل ملّح عبر الإنترنت أنّ الزواج المثلي مُتاح في الكويت وأصبح ظاهرة وبمباركة من الأمير، بينما لا تعكس الحالة القانونية ذلك بتاتا. أما في عُمان فالدولة بمجملها (وعلى نية السياح والإنترنت أيضًا) ودّية للمثليين وهي دولة معرفة كويريًا -كدولة ثنائية الجنس- وذلك لما يحيط هوية سلطانها الجنسية من اهتمام. أما في دبي وأبو ظبي فنقرأ أنّ ظاهرة التحوّل الجنسي والـ “دراج” تنتشر بصورة لا بأس بها، ويكفي أن تتجول في الساحة الهاشمية في وسط مدينة عمّان الأردنية كي تكتشف إلى حدّ الإرهاق الطاقة المثلية والتوتر الجّنسي المثليّ المنتشر هناك. أما في القاهرة فكلّ تحرك لك، وخاصة في الأماكن الشعبية، هو مشروع لمغامرة مثلية صاخبة ومجانية، ولكن الحال في المغرب يختلف؛ فغالبا ما لا تكون هذه المغامرات مجّانية. ولا ننسى هنا انتشار مواقع التعارف المثلية كالمنجم والجاي-دار، ووسط هذا كله تضع منظمة “هيومان رايتس ووتش” المنطقة العربية في قاع الدول التي سنت قوانين تتوافق مع واقع التعدّدية الجنسية فيها وقد تنافسها على ذلك القاع مجموعة من الدول في وسط وشرق أفريقيا.
وبما أننا نعيش في خضم عواصف التغييرات، فقد تكون الفرصة قد سنحت لإلغاء هذه القوانين -الغامضة بغالبيتها- أو تعديلها بما يتلاءم والواقع الفعلي المعاش على الأرض.
نعرض فيما يلي تقارير “هيومان رايتس ووتش” ومرصد “حلم” لرهاب المثلية حول الوضع القانوني لأحرار الجنس في بعض الدول العربية ومنها السلطة الفلسطينية:
لبنان وسوريا:
تتجه بعض التشريعات العربية إلى اعتماد عبارات عامة لتكييف أو وصف الفعل المثلي. ومن ذلك أنّ 4 تشريعات عربية تستعمل عبارة أعمال أو أفعال “خلاف الطبيعة” أو “المخالفة للطبيعة” (التشريعات الجزائية لكل من لبنان وسوريا والبحرين والمغرب الأقصى).
تنصّ المادة 534 من قانون العقوبات اللبناني على أنّ “كلّ مجامعة على خلاف الطبيعة يعاقب عليها بالحبس حتى سنة واحدة”. وهي نفس المادة التي يتضمّنها قانون العقوبات السّوري. أما قانون العقوبات البحراني فيتحدث عن “الاعتداءات المخالفة للطبيعة”، فيما تنصّ المادة 489 من المجلة المغربية على عقاب الأفعال المخالفة للطبيعة مع شخص من نفس الجنس.
الأردن:
في الاردن، وبالرغم من خلو القانون الأردني من مادة تجرّم صراحة وبصفة مباشرة الأفعال المثلية، لكنه منذ أكتوبر 2008 بدأت الأجهزة الأمنية في عمان بتنفيذ حملة تستهدف “الشاذين جنسيا”، وذلك بعد أن تأكد لهذه الأجهزة تجمّعهم والتقاؤهم في إحدى الحدائق القريبة من مستشفى خاص في عمان. وتم القبض على 4 منهم بعد الإيقاع بهم بواسطة كمين خُصّص لهذه الغاية، وبإيقافهم تم إيداعهم بمركز إصلاح وتأهيل ومنع محافظ عمان تكفيلهم إلى حين اتخاذ ضمانات تكفل عدم تكرارهم هذه التصرفات الشاذة، خاصة وأنهم “يبحثون عن ممارسة الرذيلة مما سيؤدّي إلى انتشار الانحلال الأخلاقي في المجتمع”.
الإمارات وقطر:
بالرجوع إلى المادتين 201 من المجلة الجزائية القطرية الصادرة سنة 1971 وإلى المادة 193 من قانون العقوبات الكويتي، وكذلك المجلات الجزائية الإماراتية (سواء القانون الجزائي الفيدرالي لسنة 1987 أو المجلات الجزائية لدبي بينما يعاقب نفس الفعل في إمارة دبي إلى حدود 10 سنوات من المجلة وإلى 14 سنة سجنا في إمارة أبو ظبي (المادة 80)).
أبو ظبي والشارقة ورأس الخيمة تجرم فعل اللواط (من دون التعرض للسحاق) دونما تحديد للمقصود بهذا الفعل أكان الجماع (الفعل الجنسي) أو غيره من الأفعال المثلية ذات المنحى أو الغاية الجنسية. هذا الإطلاق من شأنه أن يفتح المجال أمام قراءات عديدة من شأنها أن تشكل مخاطر على حقوق والوضع الاجتماعي والمهني للشخص.
البحرين:
التكييفات القانونية نصادفها أيضا في بعض القضايا التي شهدتها البحرين فيما يعرف بالعمالة الفيليبينية المثلية. حيث تم طرد قرابة 2000 عامل فيليبيني بتهمة الأفعال المخالفة للطبيعة وغلق 500 محل من محلاتهم المعدة للتزيين والحلاقة والتمسيد (الماساج).
تونس (2010):
تذكّر المادة 230 من المجلة الجزائية التونسية ما يلي: “اللواط أو المساحقة إذا لم يكن داخلا في أي صورة من الصور المقررة بالفصول المتقدمة يعاقب مرتكبه بالسجن مدة ثلاثة أعوام”. (الصور السابقة للمادة 230 تتمثل في المادة 227: اغتصاب أنثى باستعمال العنف، 227 مكرر: اغتصاب أنثى بدون عنف، 228: الاعتداء بالفاحشة على شخص ذكرا كان أو أنثى بدون عنف- 228 مكرر: اعتداء بالفاحشة على طفل دون 18 سنة، مادة 229: تشديد عقوبات المواد السابقة إذا كان الفاعل من أصول المجني عليه، أو كانت لهم السلطة عليه أو كانوا معلميه أو خدمته أو أطباءه أو جراحيه أو أطباءه للأسنان.)
هذا التدقيق الوارد بالمادة 230 من المجلة الجزائية التونسية يكاد يكون الأكثر وضوحا وإلماما بالأفعال المثلية سواء بين الذكور (اللواط) أو بين الإناث (السحاق أو المساحقة).
الجزائر:
يطبق ايضاً ما هو معمول به في تونس، ويعتبر كذلك من القوانين الاكثر وضوحاً في تحديد الفعل الجنسي كونه يشمل الافعال بين الذكور والاناث.
السعودية:
تكاد تكون المملكة السعودية البلد العربي الوحيد (والثاني إسلاميا في منطقة الشرق الأوسط- مع إيران) الذي يُطبّق فيه حكم الإعدام على أشخاص اتهموا وأدينوا بارتكاب أفعال مثلية. في أربع حالات تعرضّت لها الصحافة السعودية والعالمية، اعتمدت التهم التالية لتوقيع العقوبة على الأشخاص (رجال) المتهمين: “ارتداء ملابس نسائية”؛ “التشبه بالنساء والتصرّف الجنسي الشاذ فيما بينهم” (حكم على الرجال التسعة المتهمين بالسجن خمس سنوات و2600 جلدة مقسمة على 50 مجموعة من 52 جلدة مرة كل أسبوعين.
الكويت:
أمّا الكويت، فقد أبقت على عقوبة السجن، حيث يعاقب قانون العقوبات الكويتي في مادته 193 الفعل المثلي بسبع سنوات. وفي حادثة وقعت في الكويت سمّتها الصحافة “العرس المثلي”، قبضت الشرطة الكويتية على شاب في الـ21 من عمره “متشبهاً بالنساء” وكان التحقيق معه على أساس ممارسته اللواط وأقرّ بذلك. الإيقاف كان لمجرد أنّ الشاب يرتدي لباسا نسائيا أما التحقيق فقد أخذ منحى تهمة اللواط على معنى المادة 193 من القانون الجزائي الكويتي. وتم إيقاف شخصين أقرّ الشاب أنه تعوّد ممارسة الجنس معهما وأحيل الجميع على القضاء بتهمة ممارسة اللواط على معنى المادة 193. وكان الحكم في هذه القضية في نيسان/أبريل 2009 بتبرئة المتهمين الثلاث لعدم توفر شروط المادة 193. وقد قرأ القاضي هذه المادة قراءة ضيقة حصرية جاعلا منها لا تنطبق إلا على “المواقعة” أو “الجماع” بمعنى الفعل الجنسي الواضح والمادي لا الافتراضي أو الأعمال التي من شأنها أن تؤدّي إلى الفعل الجنسي (التشبه بالنساء) أو القيام بأعمال وتصرفات من شأنها دعوة الآخرين لممارسة الجنس حيث تنطبق فصول أخرى على هذه الحالات وليس المادة 193.
المغرب:
في المغرب الأقصى، وفيما يعرف بقضية القصر الكبير، أو العرس المثلي، تم تكييف ظهور شخص في شريط فيديو في حفلة خاصة مرتديًا لباس العروس ماشيا أمام مجموعة من الحاضرين في أحد المنازل بفعل مخالف للطبيعة، وبني عليه قرينة ممارسة أفعال مثلية. وصدرت أحكام في حق الأشخاص الستة استنادا إلى المادة 489 من المجلة الجزائية المغربية. وصدرت بشأنهم أحكام بالسجن تتراوح بين 4 و10 أشهر.
الضفة وغزة:
في فلسطين، لا يوضّح القانون الفلسطيني تماما عقوبة الممارسات الجنسية بين أفراد الجنس الواحد، إلا أنه وفقاً لأحد التقارير، تتراوح عقوبة اللواط من 3 إلى 10 سنوات سجناً. كما تعمد السلطات إلى الإيقاع بالمثليين بنصب أشراك لهم باستعمال أعوان أو مخبرين يواعدون المثليين ثم يلقون القبض عليهم.
إنّ وضع المثليين الفلسطينيين داخل غزة والقطاع صعب جداً نظراً لأنه يمكن للمثليين في العالم العربي الاحتماء بالمدن الكبرى، والابتعاد عن عائلاتهم، إلا أنه ليس بإمكان المثلي الفلسطيني فعل ذلك نظرا لمحدودية المجال وصعوبة السفر والخوف من التخوين إن التجأ إلى إسرائيل والتي قد لا تقبله أو تشك فيه.
مصر (2010):
في مصر، هناك تطويع للقوانين الوضعية لتجريم الفعل المثلي: فمع بداية الألفية الثانية، بدأت في مصر حملات منظّمة لتتبع وملاحقة الأشخاص الذين يقومون بأفعال مثلية مما عكس توجها منظما أو سياسة أمنية للحكومة. هذه الملاحقات شهدت أبرز مظاهرها مع قضية “كوين بوت” في نهاية سنة 2001 حين تم إيقاف 50 شخصا أغلبهم كان في الملهى الليلي في النيل في العبارة المسماة “كوين بوت”. وبالرغم من أنه لم يتم إيقاف أيّ منهم متلبسا بجرم فعل مثلي إلا أنهم أحيلوا على القضاء وتمت الحملات والإيقافات سواء في الأماكن العامة كالمطاعم أو عن طريق الإيقاع بالمثليين بواسطة الانترنت أو عن طريق المخبرين والمتعاونين مع الأمن ليتم الإيقاف في الأماكن الخاصة كمحلات السكنى.