المثلية الجنسية في نصوص شعرية
مقتطفات وأمثلة من أبو النؤاس إلى ابن الرومي…
المثلية الجنسية في نصوص شعرية
|علاء العبادي|
يكاد موضوع المثلية الجنسية يغيب عن الشعر العربي الحديث، بكافة أشكاله وتنويعاته، غياباً تاماً، وبالكاد نعثر على تلميحة من هنا أو إشارة من هناك لهذا الموضوع الحساس والمدرج بدون شك في باب التابوهات الشعرية والأدبية، رغم أنه في الواقع الاجتماعي ليس قليل الشيوع والانتشار، ولكن الرواية العربية قد حاولت مؤخراً اختراق هذا التابو عبر بعض الروايات التي أشار إليها الأستاذ محمد ديبو في مقالته “المثلية الجنسية في الرواية العربية”. وبالإضافة إلى الروايات أشار الأستاذ ديبو في نفس المقالة إلى قصيدة معروفة للشاعر نزار قباني يقول فيها:
مطرٌ.. مطرٌ.. وصديقتها معها، ولتشرين نواحُ
والباب تئنّ مفاصله ويعربد فيه المفتاحُ
شيءٌ بينهما.. يعرفه اثنان أنا والمصباحُ
وحكاية حبٍّ.. لا تحكى في الحب يموت الايضاحُ
الحجرة فوضى فحليٌّ تُرمى.. وحرير ينزاحُ
ويغادر زرٌّ عروته بفتورٍ، فالليل صباحُ
الذئبة ترضع ذئبتها ويد تجتاح وتجتاحُ
ودثار فرَّ.. فواحدة تدنيه، وأخرى ترتاحُ
وحوار نهودٍ أربعةٍ تتهامس، والهمس مباحُ
كطيورٍ بيضٍ في دغل تتناقر.. والريش سلاحُ
حبات العقدين انفرطت من لهوٍ، وانهدّ وشاحُ
ولعلّ هذا النص الشعري يعتبر أكثر النصوص الشعرية العربية المعروفة جرأة ووضوحاً في التعبير عن موضوع المثلية الجنسية، وخاصة في جانبه الأنثوي الذي لم يتطرق إليه الشعر العربي سابقاً، على الرغم من أن كتب التراث والدواوين الشعرية القديمة تعج بمئات الأمثلة عن نصوص شعرية تتعلق بالمثلية الجنسية في جانبها الذكوري. ولكن في المقابل يكاد موضوع المثلية الجنسية يغيب عن الشعر العربي في العقود الأخيرة، إذ من الملاحظ أن معظم تلك النصوص ـ إلا ما ندر كما سنرى لاحقاً ـ تعود بالدرجة الأولى إلى العصرين العباسي والأندلسي، وهما بلا شك عصرا الازدهار الحضاري والتقدم العلمي اللذين أديا إلى جو من الحرية والتسامح لم يعرفه العرب قبلاً ولا بعداً، منذ عصورهم الجاهلية حتى أيامنا هذه.
ويسجل هنا مثلاً أن الأشعار الجاهلية لم تتطرق إلى موضوع المثلية الجنسية، أو على الأقل لم يصلنا منها ما يتطرق إلى هذا الموضوع، ولا بد أن لهذا الأمر دلالات مهمة على صعيد القيود الاجتماعية والحريات الفردية والقوانين الدينية والأخلاقية. ولا بد أن هذا الأمر يحتاج إلى دراسات واسعة لتمحيص أسبابه وتشخيص دوافعه وتبيان مظاهره، وهو ما لا يتسع المجال له في هذه المقالة الموجزة التي سنقتصر فيها على ذكر بعض (وليس كل) الأمثلة والشواهد الشعرية التي تتعلق بموضوع المثلية الجنسية، وهي في معظمها تعود كما ذكرنا إلى العصرين العباسي والأندلسي، حيث بلغت النهضة الحضارية العربية ذروتها، وبموازاتها بلغت فسحة الحرية بما فيها حرية اللهو والمجون، حدها الأقصى، مع ملاحظة أن هذه الأشعار لا تعبر بالضرورة عن مثلية جنسية لدى قائليها، فلعلهم ـ وربما هذا هو المرجح ـ كانوا يحاولون أن يعكسوا في شعرهم صورة المجتمع الذي يعيشون فيه، لإعطائنا فكرة واضحة عنه وعن سلوكياته وميوله وعلاقاته، دون أن يكونوا يقصدون أنفسهم، حتى وإن جاء شعرهم في كثير من الأحيان بصيغة ضمير المتكلم.
ثمة ملاحظة أخرى لا بدّ من ذكرها، وهي أن أغلبية نصوص المثلية الجنسية الشعرية ـ إذا صحت التسمية ـ تأتي بشكل تلميح أكثر مما هي بشكل تصريح، بمعنى أنها تندرج تحت باب الغزل في شقه الذكوري، أو التغزل بالغلمان على لغة الأقدمين. وينبغي أن نعيد هنا التأكيد على أننا لم نعثر فيما وقع بين أيدينا من دواوين شعرية وكتب تراثية على نص لشاعرة تتغزل بفتاة، أو لشاعر يكتب عن علاقة بين فتاتين، ما خلا قصيدة نزار قباني التي أثبتناها أعلاه.
التغزل بالغلمان
سوف نورد في القسم الأول من هذه المختارات الشعرية بعض الأمثلة على هذا التلميح بالمثلية الجنسية أو التغزل بالغلمان، وهي غزيرة وليست قليلة في كتب التراث ودواوين الشعر العربي، ولا يسعنا إيرادها كلها هنا. ولكنها عموماً تتمحور حول غلام ذكر ذي جمال فتان، يوقع الشعراء في غرامه ويدفعهم إلى التغزل بجماله والتشبيب به.
فمن ذلك مثلاً قول أبي الفتح البستي:
خُذوا بدَمي هذا الغُلامَ فإنَّهُ / رَماني بسهْمَيْ مُقلَتَيْهِ على عَمْدِ
وكذلك قول أبي تمام:
غلامٌ فوق ما أصف / كأنّ قوامه ألفُ
وقول الشاعر الصنوبري:
من أين من أين يا غلامُ / هذا التثني وذا القوامُ؟
يا ليتنا ضمّنا التقاءٌ / أو ليتنا ضمّنا التزامُ
وقول أبي الحسن الششتري:
قولوا للفقيه عني / عشق ذا المليح فتنّي
وقول أبي نواس:
يا أبا القاسم قلبي / بك صبٌّ مستهامُ
فأبنْ لي أكعابٌ / أنت أن أنت غلام؟
وقول ابن الرومي:
أفسدتْ توبتي عليَّ غلامُ / غُصُنٌ ناعمٌ وبدرٌ تمامُ
إلى أن يقول في نفس القصيدة:
اِمزجِ الراحَ لي بريق غلام ٍ / فألذُّ الهوى المعاصي التُّؤام
وقوله في قصيدة أخرى:
كان هزلاً فعاد جِدّاً غرامي / وعذابُ الهوى غُلامُ غلام ِ
وقول محمد الهلالي:
ناديت لما أن بدا بالبشر / هذا غلام بالغواني يزري
وقول سبط ابن التعاويذي:
وَأَعشَقُ الغِلمانَ وَالجَواري / أَعيشُ في الدُنيا عَلى اِختِياري
وأخيراً قول فتيان الشاغوري:
قوامك ثم لحظك يا غلامُ / كأنهما المثقف والحسامُ
وقوله أيضاً:
وَغُلامٍ مُهَفهَفٍ مِن بَني التُركِ / جَليبٍ واهاً لَهُ مِن غُلامِ
وقوله:
فَإِنّي أَرى غَزَلي في الغلا / مِ أَحسَنَ مِن غَزَلي في الغُلامَه
إلى هنا تنتهي الأمثلة المختارة من نصوص المثلية الجنسية الشعرية التي تلمح ولا تصرح، وتكاد تشبه إلى حد ما الشعر العذري، وهي تمثل كما ذكرنا الجزء الأكبر من إجمالي تلك النصوص.
ذم اللواط
أما الجزء الثاني من هذه المختارات الشعرية التي تتعلق بالمثلية الجنسية، فيأتي في سياق انتقادي للمجتمع الذي شاعت فيه المثلية الجنسية، وتتضمن هجاء لمن يرتكبون تلك “الموبقات”، وتخويفاً لهم خاصة وللمجتمع عامة من التبعات التي قد تنجم عن أفعالهم وتصرفاتهم.
فمن ذلك قول الشاعر الأندلسي لسان الدين ابن الخطيب عن أحد المشائخ المعروفين بحبهم للغلمان:
شيخُ رباطٍ إن أتى شادنٌ / خَلْوَتَه عند انسدال الظلامْ
أدلى وقد أبصره دلوه / وقال: يا بشراي هذا غلامْ
وقول فتيان الشاغوري عن شيخ معمم آخر:
وَمُعَمَّمٍ بهوى الغُلامِ مُتَيَّمٍ / لَكِن قَد اِنعَكَسَت بِهِ الآراءُ
فَمَتى يُحِبُّ غُلامَهُ قدامهُ / ناداهُ وَيحَك قُم وَراءُ وَراءُ
وكذلك قول أبي نواس عن أحد الشعراء:
وشاعر ٍ ما يفيق من خطلهْ / أقام من دينه على زللِهْ
يزعم أن الغلام ذو غنج ٍ / يُؤمَن من طمثه ومن حبلهْ
وقول ابن الوردي:
مَنْ قالَ بالمردِ فاحذر إنْ تصاحبَهُ / فإنْ فعلْتَ فثقْ بالعارِ والنارِ
بضاعةٌ ما اشتراها غيرُ بائعها / بئسَ البضاعةُ والمبتاعُ والشاري
يا قومُ صارَ اللواطُ اليومَ مشتهراً / وشائعاً ذائعاً مِنْ غيرِ إنكارِ
وقول أبي الفتح البستي عن واحد من الحكام الذين عاصرهم:
لنا حاكِمٌ فيه انخِناثٌ وإنَّهُ / يقولُ بأني مولَعٌ بِلُواطِ
فَتبّاً لهُ من حاكِمٍ مُتَزَيِّدٍ / وشَيخِ لُواطٍ يَستجِيبُ لِوَاطِ
وقول ابن سهل الأندلسي عن أحد أصحابه الذي مارس اللواط بداية ثم انتهى إلى ممارسة القوادة:
لي صاحِبٌ تَرَكَ النِساءَ تَظَرُّفاً / مِنهُ وَمالَ إِلى هَوى الغِلمانِ
فَعَذَلتُهُ يَوماً وَقَد أَبصَرتُهُ / يُعنى بِقَودِ فُلانَةٍ لِفُلانِ
فَأَجابَني إِنَّ اللُواطَ إِذا عَتا / قَد بَنثَني قَوداً عَلى النِسوانِ
تسمية الأشياء بمسمياتها
يبقى الجزء الأخير من هذه المختارات وهي مأخوذة من نصوص المثلية الجنسية الشعرية التي تصرح وتبالغ في تصريحها وتسمي الأشياء بمسمياتها، وهي ليست كثيرة على كل حال بقدر النصوص التلميحية، ولكنها مثلها تعود بمجملها إلى العصرين العباسي والأندلسي، وقد آثرنا أن نتركها إلى النهاية لأنها تحتوي على بعض الألفاظ والكلمات التي لا يتقبلها كثيرون، ويعتبرونها “خادشة للحياء وللذوق العام ومنافية للحشمة”، مع أن القاعدة الشهيرة تقول: لا حياء في العلم ولا حياء في الدين. وهذه الألفاظ والكلمات ترد هي أو مشتقاتها أو مرادفاتها في جميع كتب الفقه الإسلامي التي تبحث في موضوع الزواج ومتفرعاته.
ومن الأمثلة على تلك النصوص الصريحة في المثلية الجنسية أشعار أبي نواس، وهو بدون شك الأغزر إنتاجاً في هذا الباب الشعري، ويصح اعتباره رائد المثلية الجنسية في الشعر العربي، وإن كان بعض النقاد (مثل د. أحلام الزعيم في دراستها الفريدة عن أبي نواس) يرون أنه لم يكن شخصياً يمارس المثلية الجنسية، بل كان يدّعي ذلك في شعره كنوع من التحايل الفني لفضح المجتمع الذي يعيش فيه ونقل صورة أمينة عنه إلى الأجيال اللاحقة، لكي لا يتعرض للملاحقة والمضايقة من السلطات التي كانت على أيامه منغمسة في ذلك الجو حتى أذنيها.
فمن ذلك على سبيل الأمثلة قوله:
أليس مطيتي حقوي غلام ٍ / ووصل أناملي كأسٌ شمول؟!
وقوله:
وإذا أتى شهرُ الصيامِ / ففيه بالمَرض اعتلل
وإذا سُئِلتَ أجائزٌ / فيه اللواطُ فقُل أجَل
وقوله:
تمتع بالخمورِ وباللواط / ولا تخشَ المرورَ على الصراط
فذا طيبُ الحياةِ وأيُّ عُمر / لذي لهوٍ يطيبُ بلا لواطِ
وقوله:
وجمّاشٍ يلوم على اللواط / له وجهٌ كمرمرة البلاط ِ
جهولٍ باللذاذة من غلام ٍ / يظل ممدّداً فوق البساط
وقوله:
لستُ بولاّج ٍ على جارتي / لكن على ابن الجار ولاّجُ
لستُ على غير غلام أرى / أيري إذا هيجت يهتاجُ
لا يبعج الصدع ولكنه / لفقحة الأمرد يعتاج
ولا يقتصر الأمر على أبي نواس، بل ثمة أمثلة لشعراء آخرين أكثر صراحة في تطرقهم للمثلية الجنسية، مثل ابن الرومي الذي يقول:
نحب كلَّ غلام فيه مَيْعتُه / ينزو إذا ما استَنكناه بأَيرَيْنِ
ذاك الذي يُخلصُ الود الصحيح له / ونشتري نيكةً منه بألفين
وكذلك ابن حجاج الذي يقول:
غلامٌ أعجمي فيه ظرفٌ / وحذقٌ بالتلطف والتأتي
وفي باب استه زغبٌ لطافٌ / ملاحٌ مثل ورد الزاد رخت
وكان من استه كالبنت بكراً / مخدرة الخرا ففتحت بنتي
إنّ النصوص السابقة إذ تعبر أبلغ تعبير عن شيوع المثلية الجنسية في العصور التي كتبت فيها، وتقارب الموضوع كأي موضوع عادي، وتطرقه كما تطرق أي غرض شعري، بدون عقد وبدون محرمات وبدون خوف من رقيب عتيد، إلا أنها تفتقر في المقابل إلى التوسع في تبيان الأسباب والعوامل التي دفعت إلى تلك الممارسات وأدت إلى شيوعها، أو شجعت عليها، كما أنها لا تبذل أي جهد لشرح، أو حتى لمعرفة، طبيعة المثلية الجنسية وجذورها ومسبباتها. وتبقى الأهمية الأكبر لتلك النصوص إذن في أنها توضح لنا نحن عرب القرن الحادي والعشرين، كم كانت الحرية، في موضوع المثلية الجنسية وفي غيرها من المواضيع، متاحة للشعراء خصوصاً وللأدباء عموماً في تلك العصور البعيدة، وكم هي الحرية ضيقة ومقيدة ومهددة بألف رقيب ورقيب في أيامنا هذه، وإن كانت ثورة الاتصالات العالمية وبعض المحاولات الروائية العربية الجريئة المنشورة مؤخراً، والتي أشار إلى بعضها الأستاذ محمد ديبو في مقالته المشار إليها أعلاه، تبشران بتوسيع هامش الحرية للجميع، فهل يتلقف الشعراء المعاصرون أو اللاحقون الكرة، ويسيرون على نهج أبي نواس رائد المثلية الجنسية في الشعر العربي بدون منازع؟
(مدونة علاء العبادي؛ العراق)
21 ديسمبر 2016
الغلمانية ليست مثلية جنسية انما هي شذوذ جنسي، حسب ما يلاحظ أن التغزل يقتصر على الغلمان وهم الأطفال والمراهقين دون سن ١٨ عشر أو دون سن ١٥، فهذه الحالة تسمى “بيدوفيليا” وهي اشتهاء الأطفال وليست بمثالية جنسية فالمثلي جنسياً يميل لنفس جنسه من هو بالغ ومدرك مختار بعكس الغلمان الذين يشترون من اهاليهم ويباعون، والمثلية لا تعني ذلك، الغلمانية ما زالت مستمرة في جميع الدول الإسلامية المتشددة ويجاهر ويفتخر بها احيانا كثير.
20 سبتمبر 2013
هذه حقيقة لايستهان بها على وجود الحس الراقى للعرب وتديرهم للمثلية
1 نوفمبر 2012
ادب التابوهات ..كثيرا ما مورس اتجاه الكثير من التعسف والضغط والتشويه ….في مجتمعنا الشرقي واصبح ضحية الاتهام و الجلد …من كان بلا شذوذ فليرميهم بحجر ……حياة الربيع