على هامش فوز أدونيس بجائزة چُوتِه..!/ أسعد موسى عودة
هل أدونيس يبحث عن الجوائز؟ ■ فلسطين مؤنثة واليمن والسودان يُذكران وتؤنثان ■ قولوا “عاطل من العمل” ولا تقولوا “عاطل عن العمل” ■ واتبعوا قصة عمر بن الخطاب كي تعرفوا أن الصلاة في المساجد (وحدها) لا تصنع المسلم والإنسان
على هامش فوز أدونيس بجائزة چُوتِه..!/ أسعد موسى عودة
|أسعد موسى عَودة|
أعلِن -قبل أيّام- فوز الشّاعر علي أحمد سعيد (المُلَقِّب نفسَه بأدونيس؛ وأدونيس هو الاسم الإغريقيّ الّذي أُطلِق على الإله الفينيقيّ “أدون” بمعنى السّيّد -وهي كذلك في العبريّة- حيث تصفه المصادر الإغريقيّة بأنّه الفتى الّذي يموت ويُبعث للحياة بعد موته. وهو في بابلَ “تمّوز”؛ وهو الإله السُّومَرِيّ “دوموزي”؛ وهو “أوسير” المصريّ؛ و”بَعْل” الأوچاريتيّ)، المرشّح “الأبديّ” للفوز بجائزة نوبل للآداب، بجائزة چُوتِه، الّتي سيتسلّمها في يوم ميلاد الأخير، في الثّامن والعشرين من آب القادم. وهي إحدى الجوائز الأوروپيّة المرموقة جدًّا على اسم الشّاعر الألمانيّ يُوهان ڤُولْفْچانْچ ڤُون چُوتِه (28 آب 1749 – 22 آذار 1832)، والّتي تقدّمها بلديّة فْرانْكْفُورْت بشكل مُنتظِم كلّ ثلاث سنوات منذ عام 1961، بعد أن كانت قد انطلقت جائزة سنويّة عام 1927. بُورِك لأدونيس هذا الظَّفَر؛ إذ لا أحد يستطيع إنكار مكانته الشّعريّة والأدبيّة، ولكنّني -في الوقت نفسه- أربأ بأدونيس وغيره عن أن يُفنوا أعمارهم سعيًا وراء هذه الجائزة الأوروپيّة أو تلك، تخليدًا لأسمائهم العالية، بأعمال هي -في نظرنا- شعر تَكَسُّب من نوع آخَر، له مُناخُه وطقوسه، حيث يُحافظ فيه الشّاعر على قوانين اللّعبة ليفوز بالكأس في الأخير.
ومن طُرَف ما يُروى في هذا الباب، أنّ عِملاق القصّة القصيرة، الدّكتور يوسُف إدريس، وبعد أن وقع اختيار لجنة جائزة نوبل على عِملاق الرّواية، نجيب محفوظ، للفوز بجائزة نوبل للآداب، أجاب عن سؤال صِحافيّ في هذا الخصوص -بروح المبدع العبقريّ الأمين على كارِه (صناعته وحرفته؛ فارسيّة)، في نظري- قائلاً: “ليس نجيب محفوظ {ولا غيره} من يستحقّ جائزة نوبل، من يستحقّ جائزة نوبل هو أنا، وفقط، أنا.” أمّا عمّنا چُوتِه، فهو أحد أشهر شعراء وأدباء وفلاسفة ألمانيا المتميّزين الخالدين، كان شغوفًا بآداب الشّرق وعلومه، الّتي تأثّر بها أيّما تأثّر، ووظّفها في أعماله الأدبيّة الخالدة. كما كان شديد الاهتمام والتّقدير بالإسلام وللإسلام، نبيًّا وكتابًا ودينًا ودولةً وحضارةً وتاريخًا، حتّى إنّه ليُظنّ أنّه اعتنقه. وممّا يُنسَب إليه في وصف اللّغة العربيّة الخالدة، قوله: “ربّما لم يحدث في أيّ لغة هذا القدْر من الانسجام بين الرّوح والكلمة والخطّ، مثلما حدث في اللّغة العربيّة. إنّه لتناسق غريب في ظلّ جسد واحد.”
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
لمُحِبّي المعرفة.. وأهل الاختصاص: سُئِلْتُ.. فأجَبْتُ..
عَوْدًا إلى سؤال صديقي المؤجَّلِ جوابُه من الأسبوع الفائت، حيث جاء: “سؤالي بالنّسبة إلى الدّول؛ فكيف يُمكنني معرفة ما إذا كانت الدّولة مذكَّرة أم مؤنَّثة، ولماذا؟ وهل “فِلَسطين”، تحديدًا، مذكَّر أم مؤنَّث؟”. وإليكم الجواب: تندرج أسماء البلاد والمُدن في علم الصَّرْف العربيّ -كأسماء عَلَم- ضمن درس المذكَّر والمؤنَّث، وهي، غالبًا، مؤنَّثات معنويّة (كمصر والشّام، مثلاً)، حيث المؤنَّث المعنويّ هو ما دلّ على مؤنَّث وليس فيه علامة التّأنيث: لا تاء مربوطة (كفاطمة)، ولا ألف مقصورة (كسلمى) ولا ألف ممدودة (كحسناء). وقد قلنا “غالبًا”، لأنّها غالبًا ما تؤوَّل بمؤنَّث مُضمَر: مدينة أو دولة أو جمهوريّة أو مملكة أو إمارة. إلاّ أنّها تؤوَّل، أحيانًا، بمذكَّر مُضمَر؛ حيث تعود تسمية هذه الدّولة أو تلك إلى مذكَّر، كتذكيرنا “لبنان”؛ نسبة إلى جبل لبنان، وتذكيرنا “الأردنّ”؛ نسبة إلى نهر الأردنّ، وتذكيرنا “العراق”؛ حيث العراق هو -من جملة معانيه- شاطئ النّهر من أدناه إلى مُنتَهاه. فالبُلدان الأجنبيّة، إذًا، مؤنَّثة عندنا، بإضمار كلمة “دولة” أو “جمهوريّة” أو “مملكة” أو “إمارة”؛ أمّا البُلدان العربيّة فتحتمل -كما ترَوْن- التّذكير كما تحتمل التّأنيث باعتبار ما سلف، وهي مؤنَّثة كلّها (يأتي تأنيث “الجزائر”، أيضًا، لكونها جمع “جزيرة”؛ وكذلك “جُزُر القمر”)، ما عدا: اليمن؛ بإضمار “البلد” فيُذكَّر، أو بإضمار “الدّولة” أو “الجمهوريّة” فيؤنَّث؛ وقد عُرف -في ما مضى- باليمن السّعيد، أو بلاد العرب السّعيدة؛ حيث هو مهد حضارات متقدّمة، ومصدر قبائل العرب. وكذلك “السُّودان”؛ حيث “السُّودان” جمع أسود، وهو جيل من النّاس أسود اللّون، فيُذكَّر باعتبار ذلك أو باعتباره “بلدًا”، أو يؤنَّث باعتباره “دولة” أو “جمهوريّة”. وكذلك “لبنان” و”الأردنّ” و”العراق”، فمذكَّرة كلّها؛ لما سلف. ومن أسماء مدننا ودولنا العربيّة ما أصوله غير عربيّة، فتُختَم بألف قائمة، أحيانًا: هيروغليفيّة (مصريّة قديمة)، مثل “ليبيا”؛ أو إغريقيّة – فينيقيّة، مثل “سوريا” (وهناك من يكتب “سوريَة”)؛ أو بربريّة، مثل “تونُس”، وهذه كلّها مؤنَّثة.
أمّا فِلَسطينُ، تحديدًا، فهي أجمل أنثى، وتعود تسميتها الإغريقيّة غير العربيّة إلى قرون قبل الميلاد، وذلك بتعدّد رواياتها الّذي لن نخوض فيه الآن. ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
الصّيّاد
يسمعهم الصّيّاد يقولون ويقرَأُهم يكتبون: عاطلٌ عن العمل؛ والصّحيح: عاطلٌ من العمل؛ وإليكم بيانَه. العَطَل في اللّغة هو الفراغ أو الخُلُوّ؛ فنقول: عَطَلَ يَعْطَلُ عَطَلاً الرّجلُ من المال أو الأدب؛ أو القوسُ من الوتَر؛ أو الفرسُ من الرَّسَن؛ أي خلا؛ وعطَلَت تَعْطَلُ عَطَلاً المرأةُ؛ أي لم يكن عليها حَلْيٌ (وجمعها: حُلِيّ وحِلِيّ) أو حِلْيَةٌ (وجمعها: حُلًى وحِلًى)؛ أي زينة. ونقول: عَطَل عَطالةً الأجيرُ من العمل؛ أي بطَل بَطالةً من العمل؛ بمعنى تعطّل وتفرّغ؛ والبِطالة: التّعطُّل والتّفرُّغ من العمل. وفي ذلك إيضاح إضافيّ لما ذهبنا إليها في مادّتنا من الأسبوع الفائت، ضرورة إدراك ما يؤدّيه الفعل من معنًى قبل تعليقه بأحد حروف الجرّ. وقد قال مؤيَّد الدّين الطُّغرائيّ في لاميّته -”لاميّة العَجَم”: “أصالةُ الرّأيِ صانَتْني عن الخَطَلِ / وحِلْيَةُ الفَضْلِ زانَتْني لَدى العَطَلِ”. وقال أبو تمّام، حبيبُ بْنُ أوسِ الطّائيّ: “لا تُنكِري عَطَلَ الكريمِ من الغِنى / فالسَّيْلُ حَرْبٌ للمكانِ العالي”. وقد سبق منّا التّنويه -في موضع آخَر- بقوّة عبارة أبي تمّام وصعوبة تركيبه، فليُحاول كُلٌّ منكم تشريح هذا البيت، واستمراء جماله وجلاله! ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
إنّما الدّينُ المُعامَلة.. وإنّما المرءُ بأصغريْه: قلبِه ولسانِه..!
شَهِدَ رجلٌ عندَ عمرَ بْنِ الخطّاب ]رضي الله عنه [في قضيّة، فقال عمر: ائْتِني بمن يعرفُك. فأتاه برجلٍ أثنى عليه خيرًا. فقال عمر: أنت جارُه الأدنى الّذي يعرف مَدخَله ومَخرَجه؟ قال: لا. قال: كنت رفيقه في السّفر الّذي يُستدَلُّ به على مكارم الأخلاق؟ قال: لا. قال: عاملته بالدّينار والدّرهم الّذي يَستبينُ به وَرَعُ الرّجال؟ قال: لا.
قال عمر: أظُنُّك رأيته قائمًا في المسجد يُهَمْهِمُ بالقرآن، يُخفِضُ رأسَه طَوْرًا ويرفعُه أخرى؟ قال: نعم. قال: اذهبْ؛ فلست تعرفه.
(الكبابير/ حيفا)
5 يونيو 2011
إلى المعلّق كريم!
تحيّة طيّبة!
التفاتًا إلى ما قد يستأهل الرّدّ في تعليقك، أدعوك إلى قراءة متأنّية أكثر، علّك تفهم وتُحسّ وتُحسن الاستفادة!
ولا تكُن مُستَفَزًّا (بفتح الفاء) بهذه الصّورة؛ فهذا لا يليق بـ”عُمق فهمك” لما يكتبه أدونيس!ولأدونيس – إن لم تفهم بعد! – منّا التّحيّة والتّقدير، أديبًا وشاعرًا وباحثًا وناقدًا ومنظّرًا، وكفى!
أسعد عَودة
5 يونيو 2011
إلى كاتب المقال أسعد عودة: لم هذا التحامل على أدبائنا وشعرائنا أمثال أدونيس ممن يشهد العالم له بعظمة الإبداع؟ أستغرب أنه في حين يتلقى شاعرنا الكبير هذه الجائزة، تخرج أصوات نشاز من العرب كي يقذفوه بكل مثلبة. لو كان أدونيس في قوم آخرين لحُمل على الأكتاف!
لأدونيس تجربة كونية فريدة، ربما لم نصل إلى درجة من الثقافة والوعي تجعلنا نتحرر من شعراء السياسة محمري الوجنة أبدًا من الصراخ الحماسي المقيت، كي ننكشف على تجارب أهم وأعمق.
كاتبنا العزيز، هل لي أن أسالك كم كتابًا قرأت لأدونيس؟
بغض النظر عن جوابك، فيما إذا أجبت أو لم تفعل، فإنني أجزم بأن كل من لا يفهم ما يكتبه أدونيس، يلجأ إلى ذمه بسطحية فادحة.