مقهى Barbès: «بلديّو» الجمهوريّة
تأتي تظاهرة «مقهى برباس» في فترة تعرف فيها أوساط المهاجرين حالة غليان، بسبب المناخ المتوتّر في فرنسا. فالمعروف أن اليمين المتطرّف العنصري واصل صعوده في الإحصاءات، موسّعاً قاعدته الشعبيّة ومشروعيّته السياسيّة في بلد شرعة حقوق الإنسان.
مقهى Barbès: «بلديّو» الجمهوريّة
| سعيد خطيبي |
أكثر من نصف قرن مرّ على ميلاد الموسيقى الجزائرية في المهجر. بدايات تجارب رائدة خطّها سليمان عازم (1918 ــــ 1983) والشيخ الحسناوي (1910 ــــ 2002) لا تزال حاضرةً إلى يومنا. «كاباريه سوفاج» في باريس قرّر ردّ الاعتبار إلى الآباء المؤسسين عبر تنظيم تظاهرة انطلقت في 11 الحالي بعنوان «مقهى برباس». خلال 17 سهرة، قدم المشاركون عروض كوميديا ضمن ديكور فضاء مستوحى من مقاهي الخمسينيات، حيث كانت تلتقي الوجوه الفنية المعروفة. أما برمجة اللوحات الموسيقية، فتحمل توقيع كمال حمادي (1936) الذي كتب كلمات أشهر المغنين الجزائريين، من الحاج محمد العنقى، وفضيلة الدزيرية، إلى الشاب خالد والشاب مامي… استضاف المقهى في كل سهرة، وجهاً موسيقياً أو فنيّاً مغاربياً من الجيل الجديد، مثل آمال مثلوثي، وسعاد ماسي، ورشيد طه (الصورة)، ومحمد فلاق…. وتختتم الأمسيات غداً مع حفلة تجمع موس وحكيم وجمال علام.
يخبرنا مدير مسرح Cabaret Sauvage مزيان عزايش أن التظاهرة بدأت نوعاً من ردّ الفعل على التعاطي مع موسيقى المغرب العربي في فرنسا، والميل إلى التعتيم على الدور المهمّ الذي أداه جيل المهجر في تطويرها، وخصوصاً خلال الخمسينيات. بعد سنتين من التفكير والإعداد، أطلق عزايش على التظاهرة تسمية «مقهى برباس» نسبة إلى حيّ Barbès الباريسي الذي تقطن فيه غالبية المهاجرين الجزائريين، وهو حي يحمل الكثير من الرمزيّة والإحالات التاريخية. تأتي تظاهرة «مقهى برباس» في فترة تعرف فيها أوساط المهاجرين حالة غليان، بسبب المناخ المتوتّر في فرنسا. فالمعروف أن اليمين المتطرّف العنصري واصل صعوده في الإحصاءات، موسّعاً قاعدته الشعبيّة ومشروعيّته السياسيّة في بلد شرعة حقوق الإنسان. وإضافة إلى تأكيدها موقع الثقافة المغاربية في فرنسا، تلفت هذه المبادرة إلى حالة التشتت التي يعاني منها أرشيف تلك الموسيقى. كذلك فإن الأغنية الأمازيغية ولدت وكبرت في المهجر، بسبب منعها وفرض الرقابة عليها في جزائر الستينيات. ويُركّز «مقهى برباس» في مختلف العروض المقدّمة على أهم المراحل التاريخية التي عرفتها الجزائر: من ثورة التحرير (1954) إلى الاستقلال (1962)، مروراً بتظاهرات 17 أكتوبر 1961، وتشكّل الحركة الوطنية في الخارج.