بيانُنا في البعض الآخَر من أمثالنا.. بين عامّيٍّ وفَصيح/ أسعد موسى عودة
|أسعد موسى عَودة| كنّا في حلْقة سابقة من هذه الزّاوية ق […]
بيانُنا في البعض الآخَر من أمثالنا.. بين عامّيٍّ وفَصيح/ أسعد موسى عودة
|أسعد موسى عَودة|
كنّا في حلْقة سابقة من هذه الزّاوية قد تحدّثنا عن أمثالنا -أو قلنا: لا- أمثالنا- السّيّئة السّمعة. أمّا حديثنا، اليوم، فَعَنِ التّواؤم المعنويّ أو الدّلاليّ بين العامّيّ والفصيح من أمثالنا العربيّة؛ إذ نراه بحثًا يستأهل الالتفات إليه، في حقل اللّغة والأدب والقاموس والمعنى والدّلالة وتواصل الثّقافات عِبر الزّمن والجِغْرافِيا، نرجو أن نُحقّق فيه -كما في غيره- شيئًا يُذكر، في مستقبل الأيّام، قريبًا أو بعيدًا. ونمثّل لذلك، اليوم، بمثليْن، أحدهما عامّيّ والآخرُ فصيح -من دون الخوض في مَشقّة التّأريخ لكلٍّ منهما- هما، عمليًّا، صورتان لغويّتان حرفيّتان، لمعنًى واحد أو دلالة واحدة. فقد قالت العربُ: “أَحَشَفًا وسُوءَ كِيْلَة”؛ معبّرةً عن الجمع بين خَصْلَتيْن مكروهتيْن، أو عن الظّلم من وجهيْن؛ حيثُ الحَشَفُ، لغةً -ههنا- هو أرْدأُ التّمر، أو اليابس الفاسد منه؛ والكِيْلَة اسم نوع أو مصدر هيئة، من الفعل كالَ يَكِيلُ؛ وقد نُصِبت “حَشَفًا”، مفعولاً به، و”سُوءَ”، عطفًا عليها؛ بمعنى: أتَجْمَعُ حَشَفًا وسُوءَ كِيْلَة؟!
وفي المقابل، حاملاً المعنى نفسه أو الدّلالة نفسها، يقف مثلنا العامّيّ المَحْكِيّ، اليوم: “فُوق حَقُّه دُقُّه”؛ تعبيرًا عن الظّلم من جهتيْن: هضم الحقّ من جهة، وفضلاً عن ذلك، أيضًا، دَقّ (رأس) صاحب الحقّ، من جهة أخرى!
نسأل الله القدير أن يَكْفينا شرّ أن نَظلِم أو أن نُظلَم، راضين بذلك كنّا أو غير راضين، وأن نكون من عباده المُقسِطين (العادِلين)، لا القاسِطين (الظّالمين)، اللّهمّ آمين!
بين صبيّ عربيّ.. وخليفة (مَلِك) أَمَوِيّ..!
أصابَ الباديةَ قَحْطٌ شديد في خلافة هشام بنِ عبدِ المَلِك بنِ مروانَ [71 - 125 هجريّة / 690 - 743 ميلاديّة]. فذهب وفد من رؤوس القبائل يطلبون مالاً منه. فدخل معهم غلام لم تتجاوز سنُّه الثّانيةَ عشْرةَ. فلمّا رآه هشام غضب وقال لحاجبه: لم يُرِدْ أحد الوصولَ إلينا إلاّ وصل، حتّى الصِّبْيان!
فقال الغلام: عفوًا يا أميرَ المؤمنين! إنّ دخولي عليك لا يُخِلّّ بشرفك، ولكنّه شرّفني. وإنّ القوم دخلوا عليك لأمرٍ فهابوك دونَه. وإنّ الكلامَ نَشْرٌ والسُّكوتَ طَيٌّ [النَّشْرُ، لغةً، ضِدُّ الطَّيّ؛ ما يدلُّ على بلاغة هذا الصّبيّ ودقيق معرفته باللّسان العربيّ؛ والمعنى أنّ الكلام يكشف المُراد والسّكوت يُخيفه].
فقال هشام: اُنشُرْ، لا أُمَّ لك! [إذا قالتِ العرب: لا أُمَّ لك؛ فإنّه مدْح عندهم؛ وقِيل: هو ذَمّ. أمّا في هذا السّياق، فلا يُمكن إلاّ أن يكون مدْحًا]
قال: إنّه قد مرّت علينا سُِنونٌ [بضمّ السّين وكسرها] ثلاثٌ: سنة أكلتِ اللّحم، وسنة أذابتِ الشّحم، وسنة اشتقَّتِ العظم. ولا ترى في صورنا إلاّ ما هو ماثل بين يديك. وفي يدكم فُضول أموال [يعني فَضَلات المال الزّائدة عن الحاجة]. فإنْ كانت لله -تعالى- ففرِّقوها على عباده. وإنْ كانت لعباده فرُدّوها إليهم. وإنْ كانت لكم فتصدّقوا بها عليهم؛ إنّ الله يَجْزي المتصدّقين، ولا يُضِيعُ أجرَ المُحسِنين.
فقال هشام: بَخٍ بَخٍ! [بَخْ أو بَخٍ؛ اسم فعل يعني: عَظُم الأمرُ وفخُم، ويأتي تعبيرًا عن الرّضا والإعجاب، أو عن الفخر والمدح، ويُكرَّر للمبالغة] ما ترك الغلامُ في واحدةٍ من الثّلاث عذرًا. وأمرَ للبادية بمال، ففُرِّق عليهم؛ وأمرَ للغلام بمال، فقال: ليس لي إليه حاجة دون غيري، ولكنْ أضيفوه إلى مال البادية.
فعَجِبَ هشام من ذلك وأثنى على الغلام.
تنويه.. واعتذار!
نعتذر إليكم – قرّاءنا الأعزّة! – عن خطأ طباعيّ، وقع، سهوًا، في مادّتنا من الأسبوع الفائت، تحت عُنوان “في يوم نكبتنا.. تعالَوا نرمّمْ لغتنا..!”؛ حيث جاء: “تبنّينانها”، والصّحيح: تبنّيناها.
(الكبابير/ حيفا)
22 مايو 2011
أقرؤك فأفرح..
رجاء نريد المزيد من هكذا قصص
يا رجل – لقد أفرغوا رؤوسنا بالحداثة والكلام الذي لا يٌفهم
هذه القصص تعيد حبنا للقراءة..
شكرا جزيلا لك