أخي جوليانو/ محمد بكري
كم منا أتى ليشاهد مسرحياتك ويدعمك روحيا؟ كم منا نظر إليك تلك النظرة التي يشوبها الشكّ في مصداقيتك وصدق رسالتك؟ لماذا لم نكتب عنك ونؤازرك عندما كنت حيًا؟ لماذا أصبحتَ وطنيًا وغاليًا وفلسطينيًا، فقط بعد أن قتلتك أخوّة الظلام؟
أخي جوليانو/ محمد بكري
جوليانو مير-خميس (تصوير: مقبولة نصّار)
|محمد بكري|
محمد بكري
أخي جوليانو،
أتمنى أن تسمعني فأنا أومن بأن روحك ما زالت هنا بيننا. ولأنك تحب الصراحة وكان “اللي بقلبك عراس لسانك”.
لذلك قتلك الأوغاد الكاذبون والدجالون الذين لم يرضعوا حليب أمهاتهم بل حليب كلبة مسعورة؛ أعداء الحقيقة والحرية، هؤلاء الذين قتلوا جملة شاعرنا المُحبّ صاحب “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”- فقتلوا الحياة.
أريد أن أنقل إليك مشاعري في هذه اللحظات: إنّ من قتلك ليس فلسطينيًا وإن كان لأمّ وأب فلسطينييْن.
لقد أتيتك مباشرة من نيويورك إلى المقبرة ومشيت مع من مشى معك إلى مثواك الأخير. مشكورين نحن جميعًا، طبعًا، على هذه الوقفة!! فهذا أضعف الإيمان، ولكنني أسألنا: أين كنا منك عندما كنت حيًا؟ ألم نشتمك من وراء ظهرك ونطلق عليك الشائعات والأكاذيب؟.. “مشي مع هاي، طلع مع هذيك”؟ كم من البذاءات والافتراءات أطلقنا عليك حيًا؟ كم منا زار مسرح الحرية في جنين؟
كم منا أتى ليشاهد مسرحياتك ويدعمك روحيا؟ كم منا نظر إليك تلك النظرة التي يشوبها الشكّ في مصداقيتك وصدق رسالتك؟ لأنّ أمك يهودية لها تاريخ صهيوني هجرَته مبكرًا؟ لماذا لم نكتب عنك ونؤازرك عندما كنت حيًا؟ لماذا أصبحتَ وطنيًا وغاليًا وفلسطينيًا، فقط بعد أن قتلتك أخوّة الظلام؟ كم منا شاهد فيلم “أولاد آرنا” قبل قتلك؟ الفيلم الذي يوصل للعالم قبح الاحتلال ويضيء الأطفال الأبرياء الفلسطينيين بشموع مقدّسة؟
لماذا -وفجأة بعد قتلك- صحّ علينا القول: “بنموت عَ الواحد لما يموت”؟!
ودعني أخبرك بأنّ الذين بكوك حقا -ولا أدّعي أنني من بينهم- كان من الممكن عدّهم على أصابع اليد الواحدة. وكانت أكثرهم تعبيرًا عن الحبّ الحقيقيّ ابنتك ميلاي ابنة التاسعة، التي ختمت كلمتها: “ستبقى دائما في قلبي يا أبي”. نعم يا جوليانو، لقد أبكتنا جميعًا من القلب في تلك اللحظة.
لا أريد أن أتاسّف لك على ما أكتب فأنت تعرفني وأنا أعرفك؛ لقد نمنا على فراش واحد وأكلنا من صحن واحد ولا داعي للأدب الزائف بيننا كما كنا دائمًا، أحياءً أو أمواتًا.
لقد أجرت جريدة “معريف” الموقرة والديمقراطية في أحد الأيام استفتاء بين قارئيها حول من هو العدوّ الثقافيّ الأول والثاني لإسرائيل، ففزتُ بالمرتبة الأولى وكنتَ أنتَ في المرتبة الثانية، وثارت ثائرتك يومها واتصلت بي لنقوم بتقديم شكوى ضدّ هذا التحريض الدمويّ علينا. لم تكتب عن ذلك أية جريده عربية. فقد كنا حيّيْن غير مُهميْن.
وأعدك يا جوليانو لو كنت أنا المغدور لما اختلفت جنازتي عن جنازتك. إنّ من أتوا إلى جنازتك من ممثلين وفنانين من الوسطيْن العربي واليهودي لم يقفوا معي في المحاكم الإسرائيلية، ولم يلبوا نداءك لمساندته عندما أحرقوا مسرح “الحرية” في جنين. المحاكم الإسرائيلية تجرجرني منذ عشر سنوات على فيلم كـ “أولاد آرنا” اسمه “جنين جنين”؛ ألأنني لم أقتل بعد؟؟ يعني هل يجب أن أُقتل كي يقف معي فنانو فلسطين وإسرائيل؟ (أستثني طبعًا عددًا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، منهم صديقي الممثل مكرم خوري وأبنائي الممثلون الذين حضروا في محكمة العدل العليا في 7 آذار الماضي)
وأخيرًا يا صديقي، وأثناء جنازتك توجّه إليّ أحد اليساريين الإسرائيليين وسألني ببسمة صفراء شامتة على مسمع من زمرة يساريين مثله:
“نو.. ماذا ستفعلون الآن؟”
قلت: “عفوا من نحن وماذا تقصد؟”
قال: “أنتم الفلسطينيون؟”
قلت: “ماذا علينا أن نفعل؟”
قال هازئا: “نو… واضح من قتل جوليانو.. الإسلاميون!”
قلت: “سننتظر ونرى نتائج التحقيق.”
قال لاغيًا ببسمة صفراء: “علينا”؟
تركته ومشيت في الجنازة احترامًا للحدث الجلل.
في الليل جاءني ولدي الممثل صالح بكري وشكا لي هذا اليساري الذي سأله نفس السؤال وبنفس الطريقة، عندما كان يبكي أحد اليساريين من أصدقاء جوليانو على صدر ولدي صالح في أثناء تأبين جوليانو في مسرح الميدان.
في النهاية أقول لك يا جوليانو: لا تجزع؛ فميلاي هنا ونحن هنا وحفنة أقرباء وأصدقاء حقيقيين لك ستبقى دائما معنا.
مع حبي،
محمد بكري
12 أبريل 2011
تشاؤم
12 أبريل 2011
لا اذكر ان احدأ كتب عنك ذمأ ولكن اذكر كيف كتبت انت ذمأ كبيرأ بحق فناني البلاد العرب يا جلالة الممثل العضيم لا تستعمل موت جوليانو مسرحا لتتباه بنفسك نو بكفي….. تكلم عن مشاعرك انت فقط
12 أبريل 2011
عزيزي محمد،
ارجو ان يتسع صدرق لما ساقول ،كانت جنازة جوليانو حقيقية وتليق به وبفكرته وقد عبرت عن حب وتقدير له واستنكار كبير لمقتله .وكان هناك وفاء من الجميع ،لراحة روحه وقد اخترع هناك وطن جميل متخيل . علينا ان لا نقلق جوليانو في غيابه .
هناك عتب ومرارة في كلامك اكثر من اللازم ، وربما ناتج عن خيبة امل او ما شابه ،وهذا كله يثير الحزن ، ارجوك . دعك من هذه الحسرة والتشاؤم لا داعي
من اجلك ومن اجل الموده ، الفقد كبير وما نحتاجه الامل … حبيبي.
12 أبريل 2011
“كم منّا زار مسرح الحرية في جنين؟”
شكراً أبا صالح..
قلال متلك اللي ضلّوا بهالزمن!
11 أبريل 2011
محمد بكري
لك تحية حب واحترام ومثلها للراحل جوليانو ولكل من يحمل هم فلسطين في الداخل انتم حقا كما قال الراحل غسان كنفاني ادباء المقاومة