في بلد الولاد
“ثقافة تقبل الآخر لازم تكون موجودة في المجتمع مهما كان الآخر ده مختلف عني وعنك. المثليين أمر واقع موجودين في كل مكان”
في بلد الولاد
ننشر في “مثليون ونص” فيما يلي أجزاء من كتاب “في بلد الولاد” لمصطفى فتحي، وهو صحفي ومدون مصري شاب. الكتاب -وخلافا لما تم تصنيفه على أنه “رواية”- هو عبارة عن تحقيق ميداني مطوّل حيث عاش مصطفى فتحي لمدة أربعة أشهر تجربة حقيقية في أوساط المثليين في القاهرة وقام برصد هذا العالم وأماكن التجمعات والملامح الخلفية والأحلام والمخاوف الفطرية. لذلك لا يمكن الحكم على قيمته الأدبية بقدر أهمية الحضور المجتمعي له.
(المحرر)
|مصطفى فتحي|
القاهرة- جاردن سيتي- أحد مراكز حقوق الإنسان
وصلتني على الفيس بوك دعوة لحضور ندوة في أحد مراكز حقوق الإنسان. كان موضوع الندوة تقبّل الآخر في الثقافة العربية، وكان الموعد مناسبًا لي ولصديقي محمد فقررنا الحضور.
في جاردن سيتي كان مقر المركز الذي ستعقد فيه الندوة. جلست مع محمد. كان عدد الحضور معتبرًا، وكانت ورشة عمل أكثر منها ندوة. كان المحاضر شابا في العقد الثالث من العمر. بدأ الورشة بمقدمة أثبت فيها أنّ الثقافة المسيطرة على العقول العربية ترفض الآخر دائمًا ولا تتقبل من يختلف معها.
شعرت برغبة في المشاركة. رفعت يدي بخجل لكن نظرة المحاضر الذي كان اسمه حسام كانت مشجعة جدا:
- اتفضل.. بس يا ريت تعرفنا بنفسك الأول!
- أنا اسمي عصام.. حضرتك عمال تتكلم عن تقبل الآخر وأنا عايز أسألك سؤال: هتعمل إيه لو اكتشفت إن أقرب أصدقائك شاذ جنسيًا؟!
رمقني الحضور بنظرات كالأسهم وشعرت بخجل شديد لكن إجابة حسام كانت رائعة:
- أولاً متقولش شاذ جنسيا لأنه مش شاذ هو طبيعي! والأفضل نسميه مثلي وليس شاذًا. أحب أعرّفك إن عندي أصدقاء كتير مثليين، وبحبهم وبحترمهم جدا، وبحترم كمان حريتهم الجنسية، مع العلم بأن في منهم ناس من أهم الشخصيات في المجتمع المصري. أنا شخصيًا مبعتبرش المثلية مرض، وشايفها أمر عادي موجود في كل المجتمعات، إحنا بس محتاجين نظرة جديدة لهذه الفئة، إيه المشكلة إن يكون عندي صديق مثلي؟ المثلية الجنسية مش عدوى ولا مرض قاتل!
شجعتني إجابته على مواصلة الحوار معه:
- كلام حضرتك جميل.. بس المثليين صعب يعلنوا عن نفسهم لأنهم هيتعرضوا لمضايقات كتير جدًا في المجتمعات العربية.. ممكن توصل لحدّ القتل!
- ومين مبيتعرضش لمضايقات في المجتمعات العربية؟.. التيارات الدينية، الأحزاب السياسية، المدوّنين، أي حد عنده فكر مختلف. المجتمعات العربية نموذج متميز لرفض الآخر من خلال القمع والتعذيب والرفض.
- طب والحل؟
- أنا مش غاندي اللي حرر شبه الجزيرة الهندية من الاستعمار الإنجليزي، ولا مارتن لوثر كنج اللي كان السبب في القضاء على كافة أشكال التمييز ضد السود في أمريكا، يعني باختصار الحلّ مش هقدر أحطه أنا. ممكن نحطه أنا وأنت وغيرنا. ثقافة تقبل الآخر لازم تكون موجودة في المجتمع مهما كان الآخر ده مختلف عني وعنك. المثليين أمر واقع موجودين في كل مكان. ممكن أقرب الناس ليك يكون مثلي وإنت متعرفش.. ليه ممكن شخص يسيب أصحابه لمجرد إنهم مثليين.. ليه ممكن أب يقتل ابنه لمجرد إنه مثلي.. ليه الفئة دي تتعرض لنبذ وعنف وتجريح وإهانات؟ المفروض إننا كلنا بشر، واحترامي ليك مش بحدده بمدى اتفاقك أو اختلافك معايا، لكني بحدده لأنك إنسان قبل كل شيء!
“إحنا مش جايين هنا نتكلم عن الشواذ”- صرخت إحدى المشاركات في الندوة بغضب.
أجابها حسام بهدوء: إحنا هنا عشان نتكلم عن الآخر.. والمثلي مجرد آخر لازم نتقبله!
تكلم أحدهم بغضب:
- يا أستاذ العالم كله بيرفض المثليين وإنت عايزنا نقبلهم؟
بهدوء أجاب حسام:
- الكلام ده مش صحيح، العالم المتقدم بيتجه في الوقت الحالي لإقرار وثيقة دولية بتحمي حقوق المثليين في العالم كله، من خلال مبادئ يوجياكارتا، وهي مبادئ بتجبر الجميع على تطبيق القانون الدولي لحقوق الإنسان في الأمور المتعلقة بالميل الجنسي والهوية الجنسية. وبكرة مصر كنظام هتكون ملزمة باحترام الحرية الجنسية!
“دي قلة أدب”.. قالت إحدى المشاركات وخرجت من القاعة وسط همهمات الحضور، وبدأ أكثر من شخص يعترض على تقبل حسام للمثليين واختلطت الأصوات “ده ضد مبادئنا”.. “الكلام ده ضد عادتنا وتقاليدنا”.. “ده الغرب الكافر عايز ينشر ثقافته في مجتمعاتنا”.. وصرخ أحد الحاضرين:
“دي أجندة محطوطة عشان تدمير شبابنا وحضرتك بتشارك فيها”!
تعامل حسام مع المختلفين معه بهدوء، كان مقتنعا تمامًا بما يقوله، واعترض على كلام أحد المشاركين الذي أكد أنّ إقامة الحد الشرعي ضد المثليين هو أفضل حل لإنقاذ المجتمع من “سرطان” هؤلاء “الشواذ” على حد تعبيره. حينها وضّح حسام أن تجريم السلوك المثلي الطوعي بين البالغين ينتهك تدابير حماية حقوق الإنسان لخصوصية الأفراد وحرية الفرد في بدنه بموجب القانون الدولي، وهذا ما أثار عاصفة من النقد في الورشة!
كان “حسام” أول نموذج أقابله في حياتي يتكلم عن المثليين بكل هذا الحماس والإنسانية والاحترام، جعلني لا أخجل من وضعي كشاب مثلي يعيش في مجتمع شرقي يجرم مشاعري ويجرم وجودي في الحياة!
أضافت هذه الورشة معلومات وخبرات مهمة لرصيدي في الحياة، كانت ورشة “إنسانية” في الأساس لن أنساها بسهولة!