ظاهرة التدين البديل: التناقض الفاحش بين المظهر والجوهر
إذا كان ممثلو الحزب الحاكم يحرصون على الإسلام إلى هذا الحدّ، ألم يفكروا قط في أنّ تزوير الإنتخابات واعتقال الأبرياء وتعذيبهم وهتك أعراضهم ونهب أموال المصريين وإفقارهم، وغيرها من الجرائم التي يرتكبها النظام الذي يمثلونه، لا يمكن أن تتفق مع مبادئ الإسلام؟
ظاهرة التدين البديل: التناقض الفاحش بين المظهر والجوهر
|علاء الأسواني|
هل نزل الإسلام فقط من أجل تغطية شعر المرأة؟
في العام الماضي هاجم الوزير فاروق حسني الحجابَ، فوقف أعضاء الحزب الوطني في مجلس الشعب يدافعون بضراوة عن الحجاب والمحجبات، وبلغ الحماس بأحدهم أن صاح في وجه فاروق حسني “أنت فتنة على الإسلام”، ثم سقط مغشيًا عليه من فرط الإنفعال.
ووجدتني أتساءل: إذا كان ممثلو الحزب الحاكم يحرصون على الإسلام إلى هذا الحدّ، ألم يفكروا قط في أنّ تزوير الإنتخابات واعتقال الأبرياء وتعذيبهم وهتك أعراضهم ونهب أموال المصريين وإفقارهم، وغيرها من الجرائم التي يرتكبها النظام الذي يمثلونه، لا يمكن أن تتفق مع مبادئ الإسلام؟
من المعروف أنّ كثيرًا من ضباط أمن الدولة ملتزمون دينيًا، يؤدّون الصلاة في أوقاتها ويصومون ويحجّون إلى بيت الله، لكن ذلك لا يمنعهم أبدًا من ممارسة عملهم اليوميّ في التعذيب والضرب واستعمال الكهرباء في صعق المعتقلين. وفي نفس السياق تربطني علاقة مصاهرة بمسؤول بارز في الحكومة إشتهر بتزوير الإنتخابات والإعتداء على استقلال القضاء وهو معروف في محيط الأسرة بتديّنه العميق، حتى إنه يعطي أقاربه دروسًا في الدين والفقه.
المتدين البديل لا يعتقد أساسا أنّ له حقوقا سياسية كمواطن وفكرة الديمقراطية لا تشغله
الأمثلة لا تحصى– كثير من المصريين يؤدّون فرائض الدّين بإخلاص لكنهم في حياتهم اليومية يتصرفون بطريقة أبعد ما تكون عن الدين؛ ففي شهر رمضان الماضي نشرت جريدة “المصري اليوم” تحقيقا ممتازا عن المستشفيات العامة ساعة الإفطار، لنكتشف أنّ معظم الأطباء يتركون المرضى من دون رعاية حتى يتمكنوا من أداء صلاة التراويح! والذين يفعلون ذلك ليسوا جهلاء، بل هم أطباء متعلمون، لكنهم ببساطة يعتبرون أنّ صلاة التراويح أهم بكثير من رعاية المرضى، حتى ولو كانت حياتهم في خطر.
المسألة إذًا ليست مجرد نفاق أو جهل، وإنما وعي فاسد بالدّين، يؤدّي إلى نوع من التديّن الظاهريّ الذي يشكل بديلا عن الدين الحقيقيّ، وهذا التديّن البديل مريح وخفيف ولا يكلف جهدًا ولا ثمنا لأنه يحصر الدين في الشعائر والمظاهر. فالدفاع عن مبادئ الإسلام الحقيقية، التي هي العدل والحرية والمساواة، مسألة محفوفة بالمخاطر في مصر ستؤدّي بك حتمًا إلى السّجن وقطع الرزق والتشريد. أما التديّن البديل فلن يكلفك شيئًا، وهو يمنحك إحساسًا كاذبًا بالطمأنينة والرضا عن النفس.
النظام المصري يرحّب تمامًا بالتدين البديل لأنه يُعفيه من المسؤولية
الذين يتبنون التديّن البديل يصومون ويصلون ويحيون الناس بتحية الإسلام ويلزمون زوجاتهم وبناتهم بالحجاب والنقاب، وربما يشتركون في مظاهرة ضدّ الرسوم الدنماركية أو منع الحجاب في فرنسا أو يكتبون إلى بريد “الأهرام” مُندّدين بالكليبات العارية. وهم يعتقدون بعد ذلك أنهم قد أدّوا واجبهم الدينيّ كاملا غير منقوص. كما أنهم لا يكترثون إطلاقا للشأن السياسيّ ولا يهتمون بموضوع التوريث (توريث السلطة)، بل أنّ بعضهم لا يرى بأسًا في أن يورث البلد من الأب إلى الابن وكأنه مزرعة دواجن.
المتدين البديل لا يعتقد أساسا أنّ له حقوقا سياسية كمواطن، وفكرة الديمقراطية لا تشغله، وأقصى ما يفعله بهذا الصّدد أن يدعو الله “أن يولي علينا من يصلح”، ثم يحدثك بحماس عن الخلفاء العظام مثل عمر بن الخطاب أو عمر بن عبد العزيز. التدين البديل مرض محزن أصاب المصريين فأدّى بهم إلى السلبية والغفلة، وجعلهم قابلين للإستبداد والقمع.
لكنّ هذه لم تكن طبيعة المصريين؛ فمنذ 1919 وحتى عام 1952 خاضت الحركة الوطنية المصرية بقيادة حزب “الوفد” نضالا عنيفا وقدمت آلاف الشهداء من أجل طرد الإحتلال البريطانيّ وتحقيق الديمقراطية. والحقّ أن إنتشار التديّن البديل له أسباب عديدة: فحتى نهاية السبعينات كان المصريون، مسلمين وأقباطا، أقلّ إهتماما بمظاهر الدين وأكثر تمسّكا بمبادئه الحقيقية، حتى جاء أنور السادات الذي استعمل الدّين لترجيح كفته السياسية ضد اليسار المعارض. ثم اندلعت الثورة الإيرانية لتشكل تهديدًا حقيقيًا على النظام السعوديّ المتحالف مع الفكر السلفي الوهابي. وعلى مدى ثلاثة عقود أنفق النظام السعوديّ مليارات الدولارات من أجل نشر الفهم السعوديّ للإسلام الذى يؤدّي بالضرورة إلى التديّن البديل.
كل من يجادل في هذه الحقيقة عليه أن يراجع التناقض الفاحش بين المظهر والجوهر في المجتمع السعودي وفي القنوات الفضائية السعودية، الذي يظهر يوميًا عشرات المشايخ الذين يتكلمون على مدى 24 ساعة عن تعاليم الإسلام، ولا أحد منهم يتكلم أبدا عن حقّ المواطن في انتخاب من يحكمه، أو قوانين الطوارئ والتعذيب والإعتقالات.
إنّ شهداء نظام مبارك فاقوا في عددهم شهداء كلّ الحروب التي خاضتها مصر
على أنّ النظام الإستبدادي في مصر قد حرص دائمًا على انتشار التديّن البديل؛ فالمتدين البديل هو المواطن النموذجي في عرف الحاكم المستبدّ، لأنه يعيش ويموت بجوار الحائط، دائمًا في حاله، لا يعترض أبدًا على الحاكم، ويقصر اعتراضاته إما على ما يحدث خارج مصر، أو على أشياء لا تزعج النظام في شيء، كرقصة أدّتها دينا أو فستان ارتدته يسرا في فيلم لها. وهناك مجموعة من المتديين البدلاء ينشطون الآن بحماس على النّت من أجل توقيع عريضة إدانة للمغني تامر حسني لأنه نظر إلى جسد بطلة فيلمه الجديد بطريقة غير لائقة.
النظام المصري يرحّب تمامًا بالتدين البديل لأنه يُعفيه من المسؤولية. ففي عرف الإسلام الحقيقي يكون الحاكم المسؤول الأول عن مشاكل المواطنين في بلاده، أما المتدين البديل فعندما يعاني الفقر والبطالة لن يفكر أبدا في مسؤولية الحاكم عن ذلك، بل سيُرجع ذلك إلى أحد احتمالين: إما أنه قد قصّر في العبادة ولذلك فإنّ الله يعاقبه، وإما أن الله يختبره بهذا الشقاء فعليه أن يصبر ولا يعترض.
إنّ شهداء نظام مبارك فاقوا في عددهم شهداء كلّ الحروب التي خاضتها مصر، ضحايا القطارات المحترقة والعبارات الغارقة والعمارات المنهارة ومرضى الفشل الكلويّ والسّرطان بفضل مبيدات يوسف وإلى وغيرهم– كلّ هؤلاء في نظر الإسلام الحقيقي ضحايا الفساد والإستبداد، والحاكم مسؤول مباشرة عن موتهم وتشريد أسرهم. أمّا التديّن البديل فيعتبر هذه المآسي جميعًا من القضاء والقدر لا أكثر، ويعتقد أنّ هؤلاء الضحايا قد انتهت أعمارهم، وبالتالي كانوا سيموتون في كلّ الأحوال، فلا معنى إذًا لأن نلوم أحدًا باعتباره متسببًا في موتهم.
إنّ الإسلام العظيم قد دفع بالمسلمين يومًا كي يحكموا العالم ويعلموا البشرية الحضارة والفن والعلم، أما التديّن البديل فقد أدّى بنا إلى كلّ هذا الهوان والشقاء الذي نعيش فيه. إذا أردنا أن نغيّر واقعنا علينا أولاً أن نتبنى منهج الإسلام الحقيقي، وليس التديّن الظاهريّ بديلا عنه.
31 أغسطس 2010
عندما لا يكون تطبيق لدولة إسلامية هذا ما سنراه !! اصلا لا
يوجد تطبيق للدين الاسلامي كنظام , والدين الاسلامي العظيم يطبق بالأفراد , واول ما فعله النظام المصري من جمال عبد الناصر وغيرهم هو تدمير الدين لو ان هنالك دين اسلامي عظيم لما كان الاقصى محتل
الاسلام حجة على المسلمين وليس العكس .