الثورة تُحاصِر ولا تُحاصَر/ مجد كيّال
لذا، فقد آن أوان التحرّك الفوري لمحاصرة القصر الرئاسي، ومجلس الشعب ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ووزارة الداخلية وغيرها. آن الأوان لتصعيد الثورة قبل أن يُعلن موتها السريري في ميدان التحرير.
الثورة تُحاصِر ولا تُحاصَر/ مجد كيّال
|مجد كيّال|
ثورة الشعب المصري ثورة مجيدة انتفضت ملهمةٌ من الثورة التونسية المجيدة. وها هي تُجدد الإلهام الثوري يوميًا وتشحنه بطاقاتٍ وعزائم أقوى وأكبر. ولعل أكثر ما ميّز ويميّز هاتين الثورتين هو القدرة على إخراس الإنهزاميين والمزاودين على حدّ السواء: إخراس معارضة إنهزامية تسبح في فضاء النظام و”إصلاحاته” دون نيّة الإستيلاء على الحكم، وإخراس أصوات أكل الدهر عليها وشرب، وشابت دون أن تنفك تكبح طموحات الشباب والإستخفاف بالقدرات القيادية الشابة، فطوّبت العمل السياسي والثقافي في شيخوختها المهترئة، كما أنها نسفت وهم “الإصلاحات”.
لذا، فإن رأيي فيما يجري لا يمكن إلا ان يكون رأيًا مناصرًا للثورة ولأجلها، وبديهيته الأولى التي يعتمد عليها هي أن شباب مصر قادرون على قيادة الثورة حتى النهاية، لا بل على قيادة الدولة.
إلا أنه في هذه المرحلة تجدر الإشارة، إلى أن الثورة لا يمكنها أن تحصر نفسها في ميدان. لا يمكنها أن تبقى في حالة ركود، وأن تدخل في دائرة رد الفعل عبر شعارات، وإن كانت مبدعة، لترد على ما يجري من أحداث، أو ما يبثه التلفزيون الحكومي. فالمجزرة التي نفذها “البلطجية” فُهمت وظهرت على أنها محاولة لإقتحام ميدان التحرير وإحتلاله وتفريغه من المتظاهرين. وهذه حوّلت البقاء في ميدان التحرير إلى هدفٍ بحد ذاته، وحوّلت الثورة إلى صراع “مين أعنَد؟” ومطالبة مبارك بالرحيل، في حين أن الثورة الحقيقية
لا تطالب أحدًا بالرحيل، بل تطالب برأسه، فإما أن تحصل عليه، وإما أن يهرب “الريّس” كالجرذ. الثورة لا تُطالب أحدًا، الثورة تفرض. الثورة لا تنحصر في ميدان التحرير، معقل الشعب. الثورة تخنق معاقل النظام. الثورة لا تحاصَر، الثورة تُحاصِر.
لقد توقفت الثورة، منذ أيام، عن فرض أجندتها اليومية على العالم. ففي حين تُجمد الثورة في ميدان التحرير، ونُثار نحن من طابعها الكرنفالي، يتخذ النظام خطواته ويعيد ترتيب أوراقه، ويفتح قنوات حوار عبثي مع بعض الأحزاب المعارضة التقليدية، ويستنزف المتظاهرين دون أن يُستنزف، على الصعيد السياسي وعلى الصعيد الميداني. فالنظام يبدو أقل حرجًا، وعمر سليمان وأحمد شفيق وغيرهما نأوا بأنفسهم، نوعًا ما، عن حسني مبارك وكأنهم ليسوا جزءًا من النظام، بالرغم من أنهم الجزء الأخطر من النظام. أما على الصعيد الميداني فقوى الأمن المركزي تستغل كل ثانية لإعادة ترتيب صفوفها وتشكيلاتها الميدانية.
وفي الوقت الذي تجمَّد فيه الثورة في ميدان التحرير، تصبح العناوين الأخبارية رهن إشارة تصريحات النظام، أو تصريحات قيادات معارضه ليس لها بالثورة، أو الناطق بإسم الخارجية الأمريكية. وكيف يكون غير ذلك إن لم توفر الثورة عناوينَ للصحافة؟ الثورة توقفت عن صناعة العناوين حين توقفت عن التحرك والتصعيد. فتجمّع ثلاثة ملايين مصري، لم يعد خبرًا جديدًا، إلا أن اشتباك العشرات في قرية نائية، خبرٌ جديد. فتصل الحالة ذروتها عندما تبث الجزيرة أثناء تقرير عن مظاهرات المنصورة صورًا للإشتباكات قبل أسبوع في المنطقة. مهما تفعل قناة الجزيرة، التي تلعب دورًا متميزًا في الثورة المصرية، فهي غير قادرة على صناعة الخبر، إلا أن الثوار المصريين أيضًا، لا يصنعونه.
وحين تسكن الثورة في ميدان التحرير تصبح القوى المعارِضة التي انخرطت في الثورة بعد انطلاقها أكثر ليونة في التعامل، وأكثر تراجعًا عن مواقفها، فهي أساسًا لم تكن لتتحرك أو تخرج إلى الشارع لولا أن الثورة احرجتها ووضعتها في الزاوية وأجبرتها على أن تختار: إما مع الشعب وإما مع النظام! وسكون الثورة المصرية في ميدانها، إنما قد يتيح لهؤلاء مساحات من المناورة واللعب على حبلين، حبل الحكومة وحبل الشعب، ومن يحتاج مثلا، فلينظر إلى تلاعب الإخوان المسلمين، وإلى البرادعي الذي يرسل مندوبه للـ”حوار.”
أخيرًا، تفسح الثورة، بهدوئها في التحرير، المجال للرأي العام الدولي أن يتراجع عن مواقفه التي كانت تزيد من إحراج النظام المصري. ففي الوقت الذي هب العالم كله معترفًا بشرعية الثورة، وموجهًا مطالبه لمبارك ونظامه، ها نحن نرى العالم ساكنًا، سعيدًا بإعطاء مبارك فرصة المناورة للسيطرة على الحكم وحفظ مصالحهم في المنطقة.
هذا طبعًا عدا عن الدور المركزي للجيش، الذي يمنحه بقاء المتظاهرين في ميدان التحرير نوعًا من الراحة ولا يجبره على إتخاذ المواقف الحاسمة والإختيار بين الشعب والجيش كما أشار د. عزمي بشارة في حديثه على قناة الجزيرة منذ أيام.
لا ضير من الإستفادة من التجربة التونسية، خاصةً أنها التجربة التي ألهمت الثورة المصرية؛ ففي تونس انطلقت الثورة من البلدات والقرى (من سيدي بوزيد والقصرين)، ثم تصاعدت وامتدت الى المدن الأكثر مركزية (أحداث صفاقس مثلا)، ثم وصلت ذروتها حين أنتفضت تونس العاصمة. وحتى في تونس العاصمة حافظت الثورة على وتيرتها التصاعدية لتصل في ذروة ذروتها إلى شارع بورقيبة المركزي ومحاصرة وزارة الداخلية.
إذن، على الثورة المصرية أن تتحرك من موقعها الآن، وتصعّد مواقفها وحركتها. وفي ما نقول، لا نعطي دروسًا للثورة المصرية، بل ندعوها للرجوع إلى المبادئ التي حركتها في أيامها الأولى، والتي أستطاعت ان تعطيها هذا الدفع الجبار. ندعوها للرجوع إلى تسجيلات الفيديو للضابط المتقاعد عمر العفيفي الذي قال بلهجته المصرية “مفيش حاجة اسمها مظاهرة تبقى واقفة، مظاهرة تبقى تحرّك.”، وندعوها للرجوع إلى المنشورات الثورية التي صدرت في بداية الثورة والتي دعت الناس إلى محاصرة مبنى الإذاعة والتلفزيون، وإلى محاصرة القصر الرئاسي.
في مقال تحت عنوان “لماذا لا أريد أن أغادر ميدان التحرير؟” يتساءل أحمد يسري بهز: ” كلّنا في التّحرير إخوة.. فلماذا أترك إخوتى وأذهب إلى الأراضي المغتصبة بقوّة البلطجي.”.. برأيي الإجابة واضحة: لنُحررها. فبالرغم من النموذج المثالي السائد في ميدان التحرير، ليس الهدف هو السيطرة على ميدان التحرير، بل الهدف هو السيطرة على البلاد. لذا، فقد آن أوان التحرّك الفوري لمحاصرة القصر الرئاسي، ومجلس الشعب ومبنى الإذاعة والتلفزيون، ووزارة الداخلية وغيرها. آن الأوان لتصعيد الثورة قبل أن يُعلن موتها السريري في ميدان التحرير.
تثيرنا المشاهد الكرنفالية من ميدان التحرير، لكننا ننسى أن وقت الكرنفال هو بعد إنتصار الثورة، وأن في الثورة لا مجال للرقص والتمثيل والغناء، بل لإقتلاع النظام بما يعنيه الكلام، دون مجاز.. دون مجاز.
فلتتحرك الثورة لمحاصرة النظام، فمن لا يريد أن يذهب، نطرده نحن. وسنحتفل بعد الثورة، كما سنحتفل كل عام في الخامس والعشرين من يناير، في ذكرى الثورة المصرية التي ستنتصر.
(القدس)
9 فبراير 2011
ناظم مصر تعلم من تجربة تونس ألا يهرب سريعًا.. وأن يراوغ..
ثمّ لا تنسى.. في تونس، الحسابات حول “إسرائيل لم تكن قائمة”
ولا تنسى أنّ الاعدادات لتسلّم سليمان كانت قائمة منذ عام 2007، وسريعًا أدرك مبارك سقوطه فسلّم المفاتيح إلى الجيش، وهذه خطوة ذكيّة منه، ليزجّ الشارع والجيش في حالة خصموة وعداء.. فعين سليمان رئيس المخابرات والعسكري نائبا له، وأحمد شفيق، قائد القوات المسلحة رئيسًا للحكومة..
الجيش هو من يحكم البلاد الآن
ثمّ ماذا يعني لو تمت محاصرة القصر الجمهوري.. وأنا مع أن يحاصر، لكن ذلك لا يتعدى البعد الرمزي؟ إذ لن يكون مبارك جالسًا ينتظر هناك.. ومع ذلك فهو رمزٌ مهمّ لانتصار الثورة…
الثورة المصرية أطلقت قيادة وهي بعد لم تنتهِ.. على عكس التونسيّة.. التي إلى الآن، وبعد انتهاء الثورة لم تطلق قيادةً.. فمنذ أول أمس نسمع عن “ائتلاف الثورة المصرية”، حيث تم اختيار 14 ممثلا لحركات الثورة الأساس.
أليس هذا تصعيدًا أيضًا؟
9 فبراير 2011
شارع بورقيبة سيّدي الكريم، هو من أسقط النّظام، لأنّه عصبُ الدّولة ورأس النّظام… عند الدّخول إلى شارع بورقيبة الحصين، والسّيطرة عليه، بدأ العدّ التنازليّ لرحيل زين العابدين بن علي… بعد شهرٍ من الانتفاضة والمحاصرة…
في مصر.. بدأ العدّ التنازليّ منذ اليوم الثّالث.. بالسّيطرة على ميدان التّحرير.. وليس بعد شهرٍ من من انتفاضةٍ واضطّرابات..
لأنّ الثّورة استطاعت أن تختصرَ الكثير من تفاصيل ثورة تونس..
التّصعيدُ كان وما زالَ في أوجه.. ومنذ البداية: انتصارٌ على جحافل الأمن سريعًا سريعاً.. حرق لكلّ مراكز الشّرطة في العاصمة والمدن الكبرى.. 300 شهيد.. آلاف الجرحى.. إغلاقٌ للبنوكِ والمصارف.. إنهاء لأي مظهر من مظاهر السّلطة في المدن الكبرى على الأقل: السّويس، الاسكندريّة، القاهرة…
ميدان التّحرير سيّدي الكريم، يضمّ البرلمان، مجلس الشّعب، المجمّع الحكومي، وزارة الداخليّة، الجامعة الامريكيّة، أهم شوارع مصر الكبرى، مقرّ جامعة الدّول العربيّة..
ميدان التّحرير هو الدّولة.. هو النّظام (وإن كان رمزيّا)، لأنّ السّيطرة على ميدان التّحرير تعني أن الثّورة تُحاصر النّظام، بمحاصرة أهمّ معاقل النّظام..
وبالتّالي المسألة ليست جغرافيّة.. من يحاصر من. وفقًا للجغرافيا.
ثمّ حتّى لو سلمنا أنّ هناك “من يُحاصر أحدًا ما”..
فالثورة منذ البداية.. تواجدت في كلّ المدن.. وحتّى في تاريخ نشر المقالة ووقتها، كانت هناك حالات تصعيديّة.. إضراب عمّال، مشاركة نقبيين وإعلاميين، طلاب جامعات وأساتذة ومصانع..
ودعنا لا نحمل الثوار أكبر من طاقاتهم، وأن نطلب منهم إنجازٍ أمرٍ في وقتٍ قياسيّ، ونحن البعيدون عنهم ولا نعرف ظروفهم..
الصديق أحمد بهز.. عندما كتب حول أرض البلطجيّة، لم يقصد بالأرض معناها الحقيقيّ، أراد المعنى المجازيّ للأرض، أي بمعنى العصر، أو العالم، أو حياة البلطجيّة..
وقد تمنى أن تكون مصر كلها ميدان التحرير.. نموذج التحرير…
وهذا ما فهمته منه وتحدثت معه حوله…
المسألة أننا بدأنا منذ البداية أعلى تصعيدًا..
لكن، النظام هو العنيد واللامبالي، لكن مسألة أخضاعه يحتاج إلى أكثر من أسبوعين، خاصة في حالة نظام مثل النظام المصري بكل صفاته.. فهذه ليسة دولة تونس الصغيرة.. وحجم التدخلات بثورة تونس من الخارج لا يمكن مقارنته مع حجم التحركات الدولية في مصر..
نظام مصر تعلم من تجربة مصر ألا يهرب سريعًا..