رسالة مؤجلة
أذكر أرامكس، وصناديق الهدايا ما بين نابلس وحيفا. أذكر رائحتك التي كانت تسبقك قبل أن أفتح أي صندوق
رسالة مؤجلة
|بقلم: هيام أرض|
نيسان أقسى الشهور يخرج
الليلك من الأرض الموات
يمزج الذكرى بالرغبة يحرّك
خامل الجذور بغيث الربيع
الشتاء دفأنا يغطي الأرض
بثلج نساء يغذي حياة
ضئيلة بدرنات يابسة
الصيف فاجأنا ينزل على بحيرة
ستارنبركر بزخة مطر
توقفنا بذات العمد
(توماس اليوت؛ من قصيدة الأرض اليباب”)
أحفظك كما احفظ عن ظهر قلب كلمات هذه القصيدة باللغتين اللتين أعرفهما. وأذكر ابريل عندما كنت على بعد لحظات قليلة من أن اخترق كل قوانين الفيزياء وأجتاز كل حدود الجغرافيا وأراك وأنت تنظرين من شبّاكك تصفين لي جمال الكرمل وهواء البحر وبعض الشعيرات التي سقطت من جدائلك لتستقرّ على الشال البرتقالي. أذكر كيف نهضت من سريري، ونظرت من شبّاكي لأرى جدارا لا أراه، ومسافات طويلة تفصلنا وتجمعنا؛ الشارع الأمامي لبيتي وقد دمرته وكسّرته الدبابات الإسرائيلية التي صالت وجالت فيه أثناء اجتياحها للمدينة، وأذكر كيف أنّ صوتك كان يأتي من بعيد بوعد بلقاء قريب كان دافعي الوحيد للاستمرار.
أذكر حين تسللت إلى القدس من خلف الحواجز ومن ثغرات الجدار. أذكر هجمات الأدرينالين في دمي وعدد المرات التي ذكرت نفسي بها أنّ لا شيء يهم ما دمت سألقاك. لا شيء يهم، لأنني إذا متّ من دون أن أراك سأرحل وفي قلبي غصّة واحدة سببها أنني لم ألمسك يوما. أذكر كيف علّقت تمائمك على حقيبتي، و لبست أساورك في يدي ولففت شالك على رقبتي. أردتك، أنت بصورتك التي رسمتها رائحتك وأشياؤك أن تكوني معي في طريقي إليك… دخلت القدس في ذلك اليوم. خمس سنوات مضت، و لا زلت أذكر كل تفاصيلك، و لا أحمل أية ذكرى عن آخر زيارة لي للقدس سواك.
أذكر أرامكس، وصناديق الهدايا ما بين نابلس وحيفا. أذكر رائحتك التي كانت تسبقك قبل أن أفتح أي صندوق، وكلماتك وصوتك الذي كنت أسمع قبل أن أقرأ الرسالة. أذكر اهتمامك بالترتيب والتفاصيل إلى حد المثالية التي جعلت من امرأة مثلي تحترف الفوضى والمصادفات؛ أن تتقن فنّ الترتيب والمثالية في كل شيء يتعلق بك وإليك.
لم يأتِ إبريل بعد ولم يحن الوقت لتجتاحني الذكريات، لكن قررت أن القي كل ما أحمل من كلمات وألم وغضب خلف ظهري و أنا أدخل عامًا جديدًا من حياتي. تلك كانت فلسفتك في الحياة، و ذلك أحد الأشياء التي تعلمتها منك وقررت أن احتفظ بها.
4 سنوات مرّت وها أنا أكتب رسالة مؤجلة، لم تصفرّ أوراقها، لكنني أنا أُصبت بالاصفرار والانكسار. أنت… 4 سنوات لا زلت في قلعتك مع رجل لا يقف فقط على الجانب الآخر من الحدود، بل على الجانب الآخر من الصراع. الجانب الآخر من كل شيء أؤمن به وأحارب من أجله: كل شيء ظننت أنك آمنت به.
لم يفارقني الغضب لوقت طويل. أربع سنوات مرّت وأنا أجترّ غضبي وألقيه هنا وهناك في مسارب عدّة كي لا أسلطه عليك فيحرقك ويؤلمني أكثر. أربع سنوات وأنا أفاوض انقطاعنا، ليأتي احتراق الكرمل مناسبةً وألمًا يجمعنا. الآن ما عدت غاضبةً يا عزيزتي. كان يكفيني أن أعرف أنك تذكرين “ليالي الشمال الحزينة” كلما نظرت إليه و هو يرتدي بدلته العسكرية كلّ صباح ويذهب إلى الدّمار.
23 أغسطس 2011
رائع يا حليل ……….اسلوب مثير