صورة الشخصية المثلية في نماذج فنّية تونسية
ما يهمّنا هو التساؤل عن الصيغة الفنّية التي تتمّ بها معالجة الشخصية المثليّة وتقديمها. هل نحن أمام نموذج أو نمط واحد يعاد إنتاجه
صورة الشخصية المثلية في نماذج فنّية تونسية
|بقلم: كمال الشيحاوي|
مع أنّ الحديث عن المثلية الجنسية، (ونقصد بعض السلوكيات الجنسية التي تنعت عادة بالشذوذ)، وطرح قضاياها وإشكالاتها في بيئتنا الثقافية العربية الإسلامية عموما، ما زال محرّما أو ممنوعا أو غير مرغوب فيه غالبا، حتى في أكثر البلدان انفتاحا، إلا أنه يلاحظ بالمقابل، تزايد استحضار الشخصيات المثلية وتوظيفها في عدد لا يستهان به من الأعمال الأدبية والمسرحيات والأفلام، وحتّى المسلسلات التلفزيونية الموجّهة أساسا للاستهلاك العائليّ. فهل نحن أمام مفارقة حقّا؟ وهل تدلّنا هذه الظاهرة على حالة من التسامح غير المعلن مع الشخصيات المثليّة؟
السؤال مهمّ، ولكنّ ما يهمّنا هو التساؤل عن الصيغة الفنّية التي تتمّ بها معالجة الشخصية المثليّة وتقديمها. هل نحن أمام نموذج أو نمط واحد يعاد إنتاجه مهما اختلف السياق الدراميّ أو أنّ هناك محاولات جادّة لإنصاف هذه الشخصية وإيفائها ما تستحقّه من صياغة لا تلغي محتواها الإنساني؟
يبدو المبحث شاسعا لا تستطيع محاولة فردية أن تلمّ به، ولكن حسبنا أن نساهم في تقديم بعض عناصر الإجابة عن هذه الأسئلة من خلال دراسة بعض النماذج التلفزيونية والسينمائية والروائية التونسية تحديدا.
“خشخاش” أو زهرة النسيان
في شريط “خشخاش” أو”زهرة النسيان” للمخرجة التونسية سلمى بكار( قدّمت أولى عروضه التجارية في سنة 2005)، نتعرّف على أطوار حكاية امرأة تونسية تمّ تزويجها بشكل تقليديّ من رجل أرغم هو الآخر على الزواج، هذه الزيجة التي فرضتها الأعراف والتقاليد السائدة زمن الأربعينات من القرن الماضي تؤول إلى نهاية مأساوية نظرا لعجز الذهنية التقليدية عن تفهّم سلوك الشخصية المثلية، واعتبارها أنّ الزواج كفيل بحلّ هذه المعضلة التي يتواطأ الجميع على عدم الحديث فيها.
لا يبدو على “سي مختار” ـ قام بالدور الممثل التونسي “رؤوف بن عمر” ـ ما يدلّ على مثليته الجنسية فهو رجل حازم كما تبدو ملامحه، يضع شنبا كجيله من الرجال من أصحاب المحلات التجارية بالسوق يقرأ الصحف، وهذه علامة على أنه متعلّم بمقاييس ذلك الزمن (قبل الاستقلال) الذي كان فيه التعليم محصورا في فئات محظوظة اجتماعيا، متزوّج وله طفلة من زوجته، ولكن هذه المظاهر تخفي حقيقة مرّة وهي أنه شخصية مثلية لا يجد ّرغبة في معاشرة زوجته بل يتركها كلّ ليلة في فراشها وحيدة ليلتحق بغرفة الشابّ( قام بالدور الممثل “محمد علي بن جمعة” ) الذي أسكنه إحدى الغرف بصفته خادما بالبيت ومساعدا له في شؤون عمله.
تعرف الأم بمشكلة ابنها ولكنها تدعوه لكي ينجب لها ولدا درءا للشبهات، وهو ما يتمّ بمعجزة كما تعلّق الزوجة في حديثها مع إحدى صديقاتها حيث تمكّنت من أن تنجب طفلة( هي التي تقوم بعملية السرد الفيلمي بعد أن كبرت).
ركّز الفيلم على معاناة الزوجة “زكية” ـ قامت بالدور الممثلة “ربيعة بن عبد الله” ـالتي سرعان ما انتهى بها إدمانها للخشخاش (وهو مادّة مخدّرة استسلمت لها للتعويض عن حرمانها الجنسي والعاطفي) إلى ماريستان المرضى النفسانيين، ولكنّ اللقطات والمساحات الفيلمية القليلة التي سمحت بالتعرّف على سيرة “سي مختار”، توفّر لنا قدرا من المعطيات الدالّة على الظروف النفسية والتربوية التي تجعلنا نتفهّم سلوك “سي مختار”؛ فقد عانى وهو طفل من غياب الأب الذي توفّي مبكّرا، ولكنّ الأمّ “للاّمنانة ـ قامت بالدور” حليمة داود”ـ استبطنت حزم الأب وقوّته والثقافة الرجالية عموما في تربيته، فكانت تخاف عليه بشكل مفرط وتتحكّم في مصيره، الأمر الذي أورثه خللا عاطفيا ظلّ يعاني منه طويلا، وقد عبّر عن ذلك بمرارة في حواراته القليلة مع والدته وزوجته.
شريط “سلمى بكار” “خشخاش” لم يكن منشغلا بشكل رئيسيّ بآثار الشذوذ الجنسيّ للزّوج، بل بقضية أكبر في تقديرنا، وهي قضية الحرية التي كانت مطلبا للنّخب والشعب التونسيّ في ذلك الوقت من أربعينات القرن الماضي، وفي رؤية المخرجة فإنّ الحرية لا تنتهي بإخراج المستعمر بل تحتاج إلى استكمالها بممارسة الحرية في التعبير عن كلّ ما يعطلنا عن تحقيقها على جميع الأصعدة، وهو ما عجزت عنه “زكية” التي سقطت في مهاوى الإدمان، كما يمكن أن تسقط غيرها من النساء اليوم في أنواع أخرى من الإدمان أو المرض إذا قرّرن الصمت عن مشاكلهن الجنسية سواء كانت بسبب شذوذ الزوج أو أشياء أخرى.
طرشقانة البطل والضحية
في روايتها “طرشقانة” (الصادرة بتونس عن دار سحر في طبعتها الثانية سنة 2006) تقوم الكاتبة التونسية مسعودة بوبكر بكتابة سيرة “مراد الشواشي” المشهور بكنية “طرشقانة”، وقد اختارت الكاتبة شخصية تطوّر وعيها بغيريتها الجنسية، وصارت تدافع عنها بقوّة وسط محيط عائليّ واجتماعيّ ما يزال يعتبر السلوك المثليّ فضيحة ومعرّة للشخص وعائلته وكلّ من ينتسب إليه بأيّ صلة، مراد الشواشي رسام وميّال للرقص والغناء ومقبل على الحياة بشهوانية كبيرة، وهو يصرّح في أكثر من مرّة لوالدته وعائلته وأصدقائه أنه يريد أن يصير امرأة وأنثى، وهو ما يتأكّد في نهاية الرواية حيث يصرّ مراد على هذه الرغبة يقول ” ثمّ لم استحالة أن أكون أمّا؟ وحلمي بالولادة …بالإنجاب بأن أكون لطفلي غير ما كانت معي “سيمون” وأحمد الشواشي …تبّا لكم جميعا ” الرواية ص 149 وفي مناسبات عديدة يقدّم تبريرات مختلفة لهذه الرغبة منها دوافع ذاتية وشخصية تعود إلى تمرّده وخلافاته العائلية مع أهله، كما يشير النصّ الروائي إلى دوافع ثقافية( لعلها تصعيد للدافع الذاتي) تسعى لتحويل المسألة إلى قضية فكرية وثقافية مناهضة ومعادية للذهنية الرجالية التي يعتبرها مراد الشواشي سبب البلاء المحيط بكلّ شيء في حياتنا.
وتقديرنا أنّه ثمّة مبالغة من الكاتبة في صياغة شخصية “طرشقانة” إذ حوّلته إلى مدافع ومنظّر للسلوك المثليّ كنوع من الردّ الانتقامي على الثقافة الرجالية، من ذلك أنّه يقول إنّ النساء هن اللّواتي عطفن عليه في طفولته، وأن الرجال بالمقابل أشاحوا بوجوههم عنه. ويذهب إلى أكثر من ذلك حين يقول إنّ أوّل جريمة على الأرض ارتكبها الرجل ويحوّل الانحناء من دلالته الجنسية الحسّية إلى دلالته الفكرية والسياسية بصورة تعطي الدليل على حجم التعسّف والمبالغة في بناء شخصيته يقول في ذلك موجّها الكلام إلى صديقه الذي يعاتبه “وماذا تعيب في الانحناء؟ أما علمت أنه ما فاز باللّذة إلا منحن..
وما غنم إلا منحن وما حقّق مأربا إلا منحن …الانحناء حكمة يا أستاذ الحكمة، بفضلها يسهل عليك العبور من الأبواب الواطئة ..تقي هامتك من أن ترتطم بالعارضة…الرياح عادة لا تكسر إلا الأعواد التي تدعي الصلابة والعند …أحمد الشواشي” أبي وعمّك الذي تفخر بسيرته لم يكن يؤمن بحكمة الانحناء فقصمت ظهره الريح …” ويذهب إلى أكثر من ذلك حين يقول ” ثمّ اعلم يا فيلسوف زمانه أن الانحناء نوعان ..انحناء تختاره أنت، دون أن يدوس أحدهم على رقبتك ويورثك المتعة ..وانحناء تمارسه بإكراه يخضع له حتّى فحل الرجال وهو مغلوب على أمره..” الرواية ص 15
وثمّة في الرواية الكثير من المبالغة حدّ الإسفاف في ما يقوله طرشقانة تبلغ أحيانا صورا مقزّزة، وتقديرنا أنّه على جرأة الكاتبة في طرق هذا الموضوع في الرواية، إلا أنها لم تصل بعملها إلى تحقيق مستوى فنّي عال، وحين تكون الجرأة في الموضوع داخل قالب فنّيّ متواضع فإنّ التأثير الذي يريده صاحب التأليف يضعف، بل يمكن أن يكون عكسيا، وعلى كلّ لسنا في مجال تحليل الرواية نقديا.
“ميدو” في سلسلة “شوفلي حلّ”
خلال شهر رمضان من سنة2008 أضيفت شخصية جديدة لعائلة السيتكوم الشهير”شوفلي حل” هي شخصية “ميدو” التي تقمصها ببراعة الممثل” لطفي العبدلّي”، وقد تمّ استقبال هذه الشخصية من قبل شخصيات السيتكوم والجمهور المشاهد على حدّ سواء بكثير من الإعجاب، نظرا لما تتمتّع به هذه الشخصية من خفّة روح وظرف ساهم في إضافة عنصر آخر إلى عناصر المرح المكوّنة للسلسلة الهزلية عموما، وظاهريا يمكن القول إنّ هناك روحا من التسامح السائدة في التعامل مع هذه الشخصية رغم ملامحها المثلية البارزة ولكنّه تسامح مشروط في تقديرنا……. لماذا؟
إنّ المتأمّل في الكيفية التي تمّت بها صياغة هذه الشخصية تجعلنا نؤكّد أننا أمام النموذج أو النمط الذي يعاد إنتاجه في معظم الإنتاجات التلفزيونية والمسرحية والسينمائية السائدة في بيئتنا العربية الإسلامية، هذا النمط هو صناعة أو إنتاج قديم للثقافة الرجالية الذكورية، ذلك أنّ بناءه يتمّ على أسس وخلفيات فكرية ثابتة في هذه الثقافة تلك هي رؤيتنا التي سنسعى إلى تبيينها.
شخصية “ميدو” حين نتأمّلها في حركتها، وفي المهنة التي اختارتها، والأصحّ اختيرت لها من قبل الكاتب وفي المحيط الذي تظهر فيه، وفي الهوية الجنسية للشخصيات التي تميل إليها (ولاحظ أيها القارئ أننا بدأنا في تأنيثها بطريقة غير واعية ولكنها دالّة)، تؤكّد أنه تمّ إرضاء العقلية الذكورية السائدة لدى الجمهور المشاهد والتي تعتبر منذ القديم أنّ المثلية (وهنا في ما يتصل بالرجل المخنّث)، هي شذوذ وانحراف عن القاعدة، بل عاهة خلقية مثيرة للضحك مثلها مثل أقزام السيرك والمهرجين السذج والمعتوهين، وتأكيدا لصواب هذه العقيدة التي تربط الجنس بالإنجاب وحفاظا على تفوّق الرجل فإنّه يتم إلحاق هذه الشخصية عن قصد بعالم النساء وميولاتهنّ ومهنهنّ التجميل والتمسيد، كما هو في السيتكوم (وقد كان الرجال قديما يعوّلون على المخنّثين في حماية زوجاتهم حين يكونون على سفر أو في الحجّ كما يؤكّد ذلك عدد من الباحثين من بينهم “محمد الطالبي”)، ومع أنّ الطابع الغالب على السيتكوم هو الروح الكوميدية، إلا أن الإلحاح على إظهار البعد الكوميديّ في الشخصية المخنّثة وذلك في عديد الأعمال الفنية الرائجة تجاريا (لا في “شوفلي حل” فحسب) ليس اعتباطيا في تقديرنا، لأنه يقوم على خلفية فكرية تعتبر الشذوذ والانحراف في الطبيعة البشرية من مصادر الإضحاك، وتحتفظ لنا الذاكرة بعديد الأمثلة للشخصيات المضحكة ممّن كانت لهم عاهات مثل الحول والقصر أو السمنة الزائدة أو من ذوي الأفواه الكبيرة جدّا، وغير ذلك مما يتمتع به المهرّجون والممثلون الهزليّون في أكثر الأنماط التجارية رواجا.
يمكن القول إذن إنّ هذا التسامح الظاهر يخفي رفضا مقنعا للشخصية المثلية من قبل هذه العقلية التي ترفض أن يكون للشخصية المثلية دورا آخر في السيتكوم أو في الحياة الاجتماعية يخرج بها عن السياج الحديديّ الذي وضعته لها بصورة غير معلنة، ولكن الجميع يتواطأ على حدود هذا السياج ويتمنّي أن يظلّ قائما (على الأقل فيما نشاهده جماعيا لا فيما يحدث في الواقع).
بمعنى آخر فإنّ هذه العقلية التي تتظاهر بالتسامح تمارس نوعا من العنف السرّي حين تحرم الشخصية المخنّثة مثلا من محتوى إنسانيّ آخر يجعلها في موقع اجتماعيّ وعائليّ ودراميّ أكثر تنوعا من الشكل السطحي الذي قبرت فيه، والذي يفرغها من أيّة قيمة سوى القيمة الإستعمالية الحسّية للعقلية الذكورية التي ما تزال تحرص على الاستمتاع بلذّة الشاذّ الذي يمنحها الضحك وأشياء أخرى، ولعلّ ذلك ما يبرّر سؤال الباحثة التونسية ألفة يوسف في مؤلفها “حيرة مسلمة” ” ألا يمكن أن يكون الصمت عن السحاق لغة أي دالا، وجها من وجوه تغييبه لأنه ممارسة جنسية تقصي الرّجل فتكون بذلك خارجة عن التنظيم القضيبي للعالم الذي يجعل المرأة مجرّد موضوع متعة للرجل؟ ” (الكتاب ص 174 ) وتقرّر ” مازلنا إلى اليوم نجد المجتمعات الإسلامية على استنكارها اللّواط تفضّل في حال تحقّق علاقة مثلية بين رجلين الرجل الفاعل على الرجل المنفعل الذي يحطّ قدر الرجال إذ يقوم وفق المخيال الاجتماعي بدور المرأة” (الكتاب ص185).
وللتأكيد على أنّ “ميدو” (وكلّ شخصية مثلية) حالة خاصة واستثنائية وطارئة، فإنّ السيتكوم لا يمنحنا أية معرفة بخصوص نشأته وبيئته العائلية، وهذا الأمر أيضا ليس اعتباطيا لأنّ الخلفية القائمة وراء العمل لا تريد سوى أن ترسّخ لديه ما يعرفه عن هذا النمط من الشخصيات، وهي في مجملها معطيات خاطئة وغير علمية، فقد صار من المعروف اليوم أنّ السلوك الخنثوي ليس ناتجا عن خلل هرموني أو جيني أو فيزيولوجي أيضا، فالعامل النفسي هو المحدّد الأبرز لهذا السلوك كما تؤكّد معظم الدراسات، وهو ما يعني أنّ المخنّث لا يتظاهر بالضرورة بالسلوك الأنثويّ فقد يكون شخصا حازما أو ميالا للعنف كما جسّدتها شخصية “حاتم رشيد” في شريط “عمارة يعقوبيان” (المأخوذ عن رواية بنفس العنوان للكاتب المصري علاء الأسواني)، لتدلّ عمّا عانته من حرمان عاطفيّ أثناء طفولتها كما أنه من المهم أن نشير إلى أهمية البيئة الحضارية في تشجيع “المثليّ” على الاستمرار في سلوكه كما يظهر في شريط مرزاق علواش “شوشو” الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان كان الفرنسي سنة 2002، فشكرى البطل لا يهاجر بطريقة سرية إلى فرنسا للعمل بل لممارسة حريته الجنسية كمخنّث خصوصا مع تنامي المدّ الأصولي في بلده الجزائر، وأشير هنا إلى أنّ بعض التجارب العلمية لضخّ نسبة من الهرمونات الذكورية للمخنّث قد فشلت، وهو ما يفيدنا به كتاب جامع ومرجعيّ لكلّ من مارك دانيال وأندري بودري يحمل عنوان ” المثليون” بالّلغة الفرنسية، وهو يفيدنا بمعطيات علمية وتاريخية غزيرة عن المثلية الجنسية؛ من بينها أنّ المثلية ظاهرة قديمة وضاربة في عمق التاريخ وموجودة في كلّ الثقافات والشعوب، بل إنها موجودة أيضا عند عدد من الحيوانات مثل القردة والفئران والحمام والنسور والديكة والزرافات وبعض أنواع السمك. ويؤكد الباحثان في خاتمة مؤلفهما على دور عناصر التربية العائلية والاجتماعية في التوجيه نحو هذا السلوك ( منها غياب الأب الذي يمكن أن يدفع الطفل للتماهي مع الهوية الجنسية للأم أو العكس بالنسبة للطفلة في غياب الأم، إصرار العائلة على معاملة البنت كولد أو العكس لأسباب خاصة، أو غيرة الطفل من أخته المدللّة وميله إلى تمثل سلوكها)، ومع ذلك يؤكد الباحثان أنه لا توجد قاعدة نهائية، فهذه عناصر دافعة ومؤثرة ولكنّ تأثيرها ليس ميكانيكيا إذ توجد ظروف اجتماعية أخرى مؤثّرة، مثل الإقامة الطويلة في السجون، والعمل بمراكب الصيد وثكنات الجيش. وتجدر الإشارة بمناسبة هذا الاستدراك الطويل نسبيا إلى أن إلحاق المخنث بعالم النساء ومهنهنّ كما هو الحال في شخصية “ميدو” داخل سيتكوم “شوفلي حلّ”، يناقض الحقيقة والواقع. فالمثليون منذ القديم وإلى اليوم تواجدوا في مختلف المواقع والأدوار، وقديما عرف “أوديب” و”الاسكندر” و”ريتشارد قلب الأسد” و”مياكائيل أنجلو” و”ليونارد ديفانتشي” و”شكسبير” بميولاتهم الجنسية والحال أنّ اهتماماتهم متنوعة ومتناقضة، كما نجد بين المثليين المتدين والملحد، ومنهم وطنيون وأصحاب مواقف سياسية مناهضة للاستعمار والظلم، مثل الفرنسيين جون جيني وميشال فوكو، وبينهم الحزين والسعيد، المعتدل والمتطرف، وعلى خلاف الصورة التي تحاول أن تقدم المثلي على أنه شخص مهووس بالجنس، فإنّ الثابت علميا أنه شخص يسعى إلى حياة جنسية وعاطفية متوازنة، وقد ثبت أن تزويج المثليين ليس حلا صائبا، وأن الأفضل هو مساعدتهم على العيش اجتماعيا بسلام، ولذلك يذهب عدد من المفكرين إلى أن التسامح في مجتمع من المجتمعات يقاس بقدر ما نمنحه من تسامح مع المثليين، وأنه حين تكون الحياة الجنسية لشعب من الشعوب متوازنة فإنّ المثلية تأخذ مكانها دون مشاكل والعكس صحيح أيضا.
(عن “الأوان”)