الواقع أكبر وثيقة: الوساطة الأمريكية هي عمق المأساة/ فراس خطيب
ماذا كان سيحدث لو أنّ السلطة الفلسطينية اشترطت عودتها الى المفاوضات برفع الحصار عن أهل غزة؟ * لا زال الإسرائيليون، وبعلم المفاوض الفلسطيني المدعوم من القمة العربية، مدججين بالأمريكيين الذين لعبوا دور الناطق الرسمي باسم الإسرائيليين. فمن يطالب اليوم بـ “حياد الجزيرة” لماذا لم يطالب الامريكان بالحياد مثلاً؟
الواقع أكبر وثيقة: الوساطة الأمريكية هي عمق المأساة/ فراس خطيب
|فراس خطيب|
ما يعيشه الشعب الفلسطيني اليوم -وحتى قبل أن تكشف قناة “الجزيرة”- حالة من الوهن. لا حاجة لوثيقة لندرك أنَّ الساحة الفلسطينية أصبحت ساحات، والمشهد الفلسطيني العام صار مرتعًا للمفارقات التي تكسبه فقرًا مَجازيًا.
المشهد الفلسطيني لم يكن أفضل قبل تسريبات “الجزيرة”؛ فالفلسطينيون رهن حال تفاوضية مهينة. لا أحد بحاجة أصلاً لوثيقة ليعي أنَّ إدارة جورج بوش الابن، ألتي أعطت الضوء الأخضر لجرائم الحرب في قطاع غزة التي أدانها العالم، هي نفس الإدارة التي تتوسّط في “العملية السلمية” بين منظمة التحرير وإسرائيل. لا حاجة لوثيقة لنعي أنّ القيادة الفلسطينية (بضوء أخضر من الدول العربية) قبلت بوساطة اليمين الجمهوري الذي حاول تفريغ القضية الفلسطينية من عدالتها وتحويلها إلى نقاش سخيف حول “حدود دائمة” و”تجميد البناء في المستوطنات لبضعة أشهر”. ناهيك عن التعويل الأعمى على الرئيس الأمريكي باراك أوباما (الحائز على “نوبل للسلام”) وهو يخوض حربين متزامنين ضد العراق وأفغانستان. لقد قبل المشهد الفلسطيني والعربي بهذه المفارقات المهينة وصاروا رهينة للاستعلاء الإسرائيلي في حين أن المشروع الإسرائيلي يمرّ بهدوء، من القدس حتى الضفة وغزة والداخل إن شئتم. إن الواقع أكبر وثيقة. فلا زال الاسرائيليون، وبعلم المفاوض الفلسطيني المدعوم من القمة العربية، مدججين بالأمريكيين الذين لعبوا دور الناطق الرسمي باسم الإسرائيليين. فمن يطالب اليوم بـ “حياد الجزيرة” لماذا لم يطالب الامريكان بالحياد مثلاً؟
منذ أن بدأت “الحياة مفاوضات” بين السلطة وإسرائيل بوساطة أمريكية (التي لا تقبل إسرائيل غيرها أصلاً)، لم يفرض الامريكيون مطلبًا واحدًا على الاسرائيليين. إنَّ الرئيس الامريكي الاخير الذي فرض على الاسرائيليين شيئًا هو جورج بوش الأب الذي أجبرهم على عدم ضرب العراق في حرب الخليج الأولى كي لا يخسر حلفاءه العرب، وأجبر من بعدها إسحق شامير على المشاركة في مؤتمر مدريد ليكون الأمريكيون في موقع “الحرب والسلم”. منذ ذلك الحين، لا يفرض الأمريكيون شيئًا على الإسرائيليين، على العكس؛ بيل كلينتون صار عزيزًا أكثر من الجمهوريين، وجاءت من بعده إدارة بوش الأبن التي توسطت المفاوضات، ودعمت عملية السور الواقي في العام 2002، وبعثت رسالة الضمانات لأريئيل شارون في العام 2004 التي أنهت حقّ العودة. ودعم الأمريكيون الجدار العنصري والحصار على غزة وهم أنفسهم توسّطوا بـ “العملية السلمية”. وهل هذا بحاجة لتسريبات من “الجزيرة”؟ لماذا لم تستل أقلام بقايا اليساريين على تلك الوساطة القاتلة، وهم يطالبون بـ “حيادية الجزيرة” (أو غيرها). أين يقع المنطق؟َ
الحرية الاعلامية هي مساحة متغيرة بين سيطرة المال والسياسة وإدارة وسيلة الاعلام، وهذا يختلف وسيلة إعلام إلى أخرى. ثمة وسائل اعلام رهينة البربوغندا منذ سطرها الاول حتى الأخير، وثمة صحافة وليدة دينماكيات بين الادارة والتحرير
إن العلاقة الفلسطينية الامريكية الاسرائيلية (بموافقة عربية) الوصفة الأكيدة لإحباط أي أمل فلسطيني. الأمريكان لهم مصالحهم في المنطقة. وليس فقط في قضية الوساطة في فلسطين، فهكذا كان الأمر مع أنور السادات، الذي وقعَّ بأمر الامريكيين (وبرضاه أيضًا) على اتفاقية سلام مهينة، أخرجت مصر خارج المكان العربي ولا يزال المصريون يدفعون ثمنها. أنظروا إلى الالتماسات التي تطالب بوقف بيع الغاز الطبيعي لإسرائيل ورفضتها وترفضها المحكمة المصرية. في ذلك الحين، كما اليوم، وضعت إسرائيل نفسها في مكان محصّن. والرئيس الأمريكي جيمي كارتر ضغط على السادات “المتعطش سلامًا” بأن يوقع وإلا “قطع العلاقات معه”، فوقعّت مصر على الاتفاقية المهينة ودعم الامريكيون من بعدها حكومة بيغن في اجتياحها للبنان وتدميره. هذه هي أمريكا. ألم يعلم التاريخ عن الوساطة الامريكية؟
إذا كانت “حماس” قابضة على غزة، فهل يعني هذا التخلي عن أهل غزة وعدم ذكرهم لا في مفاوضات ولا حتى في موقف واضح مؤخرًا؟ حتى بعد تدميرهم في الحرب التي لم يستوعبها العالم. كيف يمكن بعد هكذا حدث أن يصبح شرط العودة إلى المفاوضات هو “تجميد البناء في المستوطنات” (علمًا بأنّ البناء لم يتوقف ليوم واحد منذ 40 عامًا). إنها رسالة سيئة لإسرائيل: “إفعلوا ما شئتم وسنفاوض”- وهنا المأساة. ماذا كان سيحدث لو أن السلطة الفلسطينية اشترطت عودتها إلى المفاوضات برفع الحصار عن أهل غزة؟ فإسرائيل لن تجمّد الاستيطان ولن ترفع الحصار، ولكن ماذا مع تسجيل موقف؟
لا يخلو المشهد من الإهانات التي يشعر بها كل فلسطيني. لم نر أحدًا يلتفت أو ينتقد التقرير المحُزن الذي عرضته القناة الاسرائيلية العاشرة قبل عام ونصف العام، حين رافق مراسل القناة العاشرة تسفي يحزكيلي (استشراقي الرؤية) فرق الأمن الفلسطينية وصوّر اعتقالاتهم لـ “حماس” وأنهى تقريره بالسؤال: “من هو عدوّكم؟”، فقال أحد العناصر الأمنية: “حماس”. ونحن نعي جيدًا أنَّ أفراد الأمن عدوهم هو الاحتلال وليس “حماس”، لكنَّ اسرائيل نفذت مآربها في ذلك التقرير ومرّ مرور الكرام من دون نقد، علمًا بأنه أخطر من كل الوثائق التي سرّبتها “الجزيرة”.
لا ثمن لتساؤلات حول “توقيت النشر” و”من تخدم”. السلطة الفلسطينية أقامت عشر سنوات من “المفاوضات السريّة” ومن حق الإعلام أنّ يكشف ما يراه حقيقيًا. والقلقون من “الأجندة” عليهم أن يعوا: لا توجد وسيلة إعلام واحدة حيادية في العالم. حتى إنَّ دراسة “الحيادية” باتت سطورًا من الملل في بعض الدراسات الأكاديمية. كما أن انتقادات “الجزيرة” تتم من على منابر ابتكرت الترويج والبروبغندة. وإذا كان أحد الأطراف يعتقد أنّ “الجزيرة” “تزوّر الحقيقة وتُخرجها من سياقها” فنحن مستعدون، وبكل مسؤولية، أن تعرض السلطة الفلسطينية الحقيقة، وأن تكشف الوثائق وتحرج “الجزيرة” ليضعوا حدًا للتساؤلات كلّها.
هذا هو الأمل. فهذا الشعب أتعبته الخيبات. آتوه بالحقيقة. ومن يعتقد أن “الجزيرة خطر”، عليه أن ينتبه إلى شخص يُدعى روبيرت ميردوخ، مالك امبراطورية “نيوز كوربوريشن”، الذي يمتلك عشرات وسائل الاعلام والصحف (منها قناة فوكس نيوز وصحيفة التايمز ويخطط اليوم لافتتاح قناة عربية بمشاركة خليجية). هذه الصحف والقنوات الممتدة في جميع أنحاء العالم كلها أيدّت حرب العراق. واحدة فقط كتبت ضد الحرب، ففصل رئيس تحريرها. هذه الصحف التي تدعم المحافظين وتدافع عن الممارسات الاسرائيلية وتقف من ورائها أجنّدة يمينية حربجية. هل نسيناها؟
هذا ليس دفاعًا عن “الجزيرة” بمقدار ما هو وصف للحال الاعلامية. فلا يوجد خبر يولد في الاعلام العربي والغربي من دون ان تقف من ورائه أجنده. الحرية الاعلامية هي مساحة متغيرة بين سيطرة المال والسياسة وإدارة وسيلة الاعلام، وهذا يختلف وسيلة إعلام إلى أخرى. ثمة وسائل اعلام رهينة البربوغندا منذ سطرها الاول حتى الأخير، وثمة صحافة وليدة دينماكيات بين الادارة والتحرير. وثمة من تختار أن تكون مجنّدة لهدف سياسي (كما الحال في الاعلام العبري). وما قدّمته “الجزيرة” على مدار عقد ونصف العقد، قد يكون رهينة للنقاش، ولكن لا يمكن محو دور القناة لمجرد ازعجاها السلطة الفلسطينية أو أنها تحمل أجندة قطرية. الكل يعي أنّ الحل لا يأتي من “حماس” (وهي أصلاً ليست محصنّة من النقد ولن تكون كذلك أصلاً) ولا أحد منّا يحمل “أجندة قطر” كما ذيع. ولكن مناقشة “الأجندة” في هذه المرحلة (أو هذه الحالة على الأقل) يجب تأجيله. ثمة واقع فلسطيني يجب معالجته من دون تخوين ومزاودات. مرحلة جديدة عليها أن تبدأ!
تذكروا يوم دعا عرفات كلينتون لحضور جنازته!/ هشام نفّاع
29 يناير 2011
الوساطة الأمريكية فعلا أساس المشكلة. لكن هذا الاكتشاف العظيم لا قيمة له دون السؤال عما فعلته الدول العربية (ومنها صاحبة الجزيرة) للضغط على واشنطن الآن ومنذ مدريد؟ وهل هذا النشر هدفه الضغط على واشنطن أم أنه يأتي لتخليص واشنطن ونتنياهو من عقبة اسمها محمود عباس؟ (راجع ويكيلكس) ألا يكفي أنّ مسرّب الوثائق هو موظف سابق في وكالة الاستخابارات الأمريكية وموظف حالي في الجزيرة؟؟
يتساءل الكاتب “ماذا كان سيحدث لو أن السلطة الفلسطينية اشترطت عودتها إلى المفاوضات برفع الحصار عن أهل غزة؟”. وهو سؤال يبيّن عدم معرفة أو عدم فهم. فمطلب وقف الاستيطان يستند إلى خارطة الطريق (كالتزام سابق).
تساؤل آخر لا يقل غرابة “فمن يطالب اليوم بـ “حياد الجزيرة” لماذا لم يطالب الامريكان بالحياد مثلاً؟”. أولا لا أحد يطالب الجزيرة بالحياد ولا حتى بالموضوعية، فقط بالنزاهة. ثم ما هذه المقارنة السطحية بين وسيلة إعلام عربية (وعروبية بالنسبة للبعض) ترفع شعار “الرأي والرأي الآخر” وبين قوة إمبريالية؟
ويقول أن “انتقادات “الجزيرة” تتم من على منابر ابتكرت الترويج والبروبغندة”. والعيب ليس أن يكون الأعلام ذا موقف وهدف وأجندة. ولكن العيب حقا هو أن يصب الموقف في خدمة أعداء القضية التي يزعم هذا الإعلام أنها يحملها وهو في الواقع يتاجر بها. والذي يتجاهل هذا يكون قد “حمل أجندة قطر” فعلا.
القول “لا ثمن لتساؤلات حول توقيت النشر ومن تخدم” لا يمكن تصنيفه إلا في خانة الجهل أو في خانة التحذلق. أنظر إلى ما كتبه الصحفي هشام نفاع: “الدراماتيكيّة جزء من المضمون. والتوقيت جزء من المضمون. والانتقائية ووضع الشدّة وعلامة الاستفهام وعلامة التعجّب، جزء من المضمون. إجتماع هذه كلها هو ما يؤلف الموقف السياسي”، وهو ما يعرفه كل صحفي متوسط.
ثم يتابع الأخ الكاتب: “وإذا كان أحد الأطراف يعتقد أنّ “الجزيرة” “تزوّر الحقيقة وتُخرجها من سياقها” فنحن مستعدون، وبكل مسؤولية، أن تعرض السلطة الفلسطينية الحقيقة، وأن تكشف الوثائق وتحرج “الجزيرة” ليضعوا حدًا للتساؤلات كلّها”. من يقصد حين يقول “نحن مستعدون”؟ هل يتحدث باسم وضاح خنفر مثلا؟
وشكرا على تعرفينا بالسيد روبيرت ميردوخ، مع أنني لم أفهم سبب زجّه في فقرة تبدأ بجملة مثل “هذا هو الأمل. فهذا الشعب أتعبته الخيبات”.