صدور “النص” و”قصائد ملتبسة” لطارق الكرمي
اليومَ ظهيرَةٌ من جهنّمَ.. الشّمسُ تسيلُ رصاصاً..وريحٌ صرّتْ فحمها.. دخلتُ المدينَةَ كي أصلَ المبنى الذي يُجاوِرُ مدرسةَ الوحدةِ حيثُ كانَ أهلي قاطني هذا المبنى قبلَ أنْ يأتي الجنودُ الجرادُ.. قبلَ النُّسورِ ذي أجنحةٍ من مقصّاتٍ ومراوحَ لهواءِ جُهنّمَ كنتُ مشيتُ بينَ هياكلِ دَبّاباتٍ وحاوياتِ بَشرٍ والحدائقِ التي كانتْ
صدور “النص” و”قصائد ملتبسة” لطارق الكرمي
|خدمة إخبارية|
صدر حديثًا عن بيت الشعر الفلسطيني (ديوان الشعر الفلسطيني)/ وزارة الثقافة الفلسطينية، ديوان “النص” وديوان “قصائدٌ ملتبسة” في كتابٍ واحد للشاعر الفلسطيني طارق الكرمي. ويقع الكتاب في 166 صفحة. نشير إلى أنّ الشاعر هو من الكتاب الدائمين في موقع قديتا، وقد وصلتنا نسخة من الكتاب نضع بين أيديكم مختارات منه.
مختارات من ديوان “النص”
|طارق الكرمي|
رأسُ السّنةِ الغزِّيَّةِ
الآن تماماً
فِ اللّحظةِ التي يتلقّفُني فيها المُتلقِّ.. هذي اللحظةَ.. تعني 31\12 (رأسُ السّنةِ المُترنِّحُ بينَ كتفيْ طفلٍ في غزّةَ) السّاعةَ 11:59 تماماً.
الألعابُ النّاريّةُ ستنعى السّنةَ هذي لِتُدخلَنا فِ السّنةِ التي ستحِلُّ بعدَ ثوانٍ.. والآنَ فِ اللّحظةِ الجرسِ هذي تنطلِقُ الألعابُ ناريّةً مُتلوِنةً بقمصانِ مُراهقي بقاعِ الأرضِ لِتعلنَ السّنةَ.. “غزّةُ” ما ألعنَكِ.. ألعابُكِ النّاريّةُ غيرُ الألعابِ.. إنّها القذائفُ التي تهوي في لحظة صفرٍ هذي اللّحظةَ (والعالمُ مشغولٌ بألعابِهِ).. القذائفُ الألعابُ تهوي لتصعدَ مزهوّةً بثيابِ الأطفالِ. مرحىً إذاً
Happy new year
Marry christmas
أيها العالمْ..
(ليلة رأس السّنهْ)
راعي البقر
هل سيتغيّرُ شيءٌ.. رعاةُ الأبقارِ قتلةُ هنودٍ حمرٍ وحكّامٌ بيروقراطيّونَ وممثّلو أدوارٍ في هوليوودَ حتّى اتّسَعَ العالمُ شاشةَ هوليوودَ.. والفتى الكاوبوي ما يزالُ يقبعُ في غرفتهِ الحربيّةِ في البيتِ الأبيضِ راعي البقرِ هذا الآتي لنا من “تِكساسَ”.. لَيلُنا طويلٌ خوّارٌ.. ليَْلنا الحظيرةُ.. لَيلُنا الذي أطولُ من خُوارِنا يا مولى الأبقارِ ويا مولى رُعاةِ الأبقارِ.. لماذا يستخلفُكَ الكاوبويُ؟ لماذا نظلُّ نرتعي العشبَ فاحِماً لنظلُّ أمطاءَ رعاةِ البقرِ حيثُ المرعى جنونْ؟
(ليلاً/ طور كرم)
وجهٌ للسّاقطةِ، وجهٌ للبلاد
كنتُ في نُزلٍ باريسِيَّ (النّزُلُ قديمٌ يكاد يُقفُ عَ أقدامٍ اسمنتٍ) مع ساقطةٍ فِ الـ50 من العمرِ.. أنا والسّاقطةُ (من هو السّاقطُ..) نسقطُ فِ السريرِ حتى قرارةِ ليلِ السّريرِ.. البردُ يقضقضُ حتى خشب النّافذةِ.. الرّيحُ ذئبةٌ جريحةٌ.. كنّا ندخنُ ونكرعُ الرّيكاردَ.. أسألها منْ أيِّ بلادِ أنتِ ( أنا منْ كلِّ البلادِ ).. الغرفةُ معتمةٌ وأنا ألمسُ وجهها أنيسي تلكَ الليلةَ (وجهَ القدّيسِ).. ألمسُ وجهها لأتشرّبَ وجهي الذي ما عدّتُ أذكرُ.. وجهُ السّاقطةِ كانَ يسحُّ (يسيلُ) أيقونةً.
يسيلُ سيرةَ الشّوارعِ حيثُ سقطَ إخوةٌ كثيرونَ لي.. يسيلُ طرقاتِ كلابٍ وأشجاراً تئنُّ تحتَ لا مَطرٍ.. فأنا لا وجهَ ولا بيتَ يَسْترُ عظامي.. خلّي وجهكِ في ليلِ الوحشةِ هذي.. خلي وجهكِ بينَ يديَّ حِرزاً منَ الوحشةِ هذي لأبصرَ وجهاً غائباً يحضرُ السّاعةَ (أيُّ وجهٍ يحضرني السّاعةَ) إنّي أتفرّسُ وجهكِ الذي يقطرُ أقماراً (فيعوي ذئبٌ فِ الضّلعِ) إني أحضنُ وجهكِ أنيسي الآنَ وجهكِ الذي يَتدَوَّرُ بينَ يديَّ.. يتطامنُ بينَ يدَيَّ لأحدّقَ فيهِ شديداً وَأهجِسُ
آهِ ياوجهَ بلادي
(أوائل آب/ السهل السّاحلي)
مختارات من ديوان “قصائدٌ ملتبسة”
مَتنُ أغنيةٍ ما
الصُّرصارُ وحيدٌ في ركنِ الليلِ
لا أبصِرُهُ (كأنّي أبصِرُهُ..)
بينَ العشبِ الذي يَتّقِدُ و
العُشبِ الذي يُهَوِّمُ في النَسَمِ ليُطلِقُ حَبوَتهُ
سوفَ هذي العشيةَ أحسو ما يَهدِسُ
أحسو الرّشفةَ البالغةَ بمسمعي و
الرّشفةَ الأخيرةَ من راحةِ ما يَصفو..
مُنتبِهاً لما يَحتبي بهِ الصّرصارُ في ورشتهِ الليليةَ
لما يُطلقهُ منْ جنّتِهِ الليليةَ
هلْ أركُنُ في زاويتي السّاعةَ (صوتي 7 صراصيرَ دافئة)
لأجهَدَ معَ الصّرصارِ شيئاً (ربتما اللّحنَ المُتفرِّدَ)
معهُ أنسَرِبُ بينَ عُشبٍ ينعسُ وعُشبٍ سيغدو العشبَ
مُتوَحِّداً و الصّرصارَ بالأغنيةِ البليغةِ.. الأغنيةِ التي تكتُمُنا.. والأغنيةِ السرّيةِ
حتى آخرِ ما في الأغنيهْ.
خَتمٌ على علبةٍ مَعدِنيّةٍ
المعلّباتُ تنفترِشُ أرضيةَ مطبخِ العازِبِ
المُعلّباتُ مُكدّسةٌ في رفوفِ البِقالَةِ
ثمّتَ مُعلّباتٌ في ثُكنِ الجنودِ
في الهواءِ المَخنوقِ أيضاً كانتِ المُعلّباتُ
في أكياسِ ما خلّفناهُ أمسِ
في سريرِ عشيقينِ باتا لَيْلَهما في نُزُلٍ بحرِيٍّ
في مخزنِ تُجّارِ الحربِ
السّفنُ التي مرّتْ لمْ تُخلِّفْ للشّاطِىءِ غيرَ المُعلّباتِ
منْ يسمَعُ ( الأغنيةَ الفارِغةَ ) صوتَهُ الجَلَبَةَ تعلو من مُعلّباتٍ تتقاذفها أقدامُ ريحِ الزّقاقِ وفِ الرّيحِ المِكنِسَةِ منْ يَسْمعُ الرّيحَ ترتدي المُعلّباتِ جلاجلَ تمضي بها الرّيحُ البدينةُ
ما إنْ فتحتُ المُعلّباتِ حتى فاحتْ روائحنا
حتى أصابِعُ فتاتي مُخللّةٌ فِ المُعلّباتِ
غرَفُ بيتي (الذي سَينفجِرُ بي) تأخذُ شكلَ المُعلّباتِ
هلْ ثمّتَ منْ قالَ: النّاسُ معادِنُ تختلفُ لكِنْ اختلفَ مَعدِنُ النّاسِ حتى صارَ النّاسُ المَعدِنَ الواحِدَ وهلْ الأضرحَةُ (التي سنستريحُ بها جَدَلاً) تمسي إلاّ المُعلّباتِ حتى بِتنا نعيشُ مُسْتَهلَكينَ لِنسْألَ: كيفَ ضاقَ بنا العالمُ عُلْبةً و
أيُّ عُمُرٍ (عُمرُكَ) غيرُ صالحٍ فِ المُعلّباتِ
أيُّ تاريخِ انتِهاءٍ هذا العُمرُ تتفحّصُهُ عَ قفا المُعلّباتْ.
(صباحاً/ أواخر آب/ طور كرم)
ذاكِرَةٌ من سِمنت
حَجَرُ النّهرِ والشّجرُ البرقُ والنّاس الظّلالُ لا أحدَ.. العشبُ يَسْمُقُ باروداً
يباباً كانتِ السّمواتُ
لا طيرَ يَذرَعُ السّمواتِ
اليومَ ظهيرَةٌ من جهنّمَ.. الشّمسُ تسيلُ رصاصاً..وريحٌ صرّتْ فحمها.. دخلتُ المدينَةَ كي أصلَ المبنى الذي يُجاوِرُ مدرسةَ الوحدةِ حيثُ كانَ أهلي قاطني هذا المبنى قبلَ أنْ يأتي الجنودُ الجرادُ.. قبلَ النُّسورِ ذي أجنحةٍ من مقصّاتٍ ومراوحَ لهواءِ جُهنّمَ كنتُ مشيتُ بينَ هياكلِ دَبّاباتٍ وحاوياتِ بَشرٍ والحدائقِ التي كانتْ.. حتى وصلتُ المبنى أسألُ عن أهلٍ لي كانوا قبلَ موسمِ الجنودِ الجرادِ ونسورِ جهنّمَ.. لكنَّ سؤالي مُصطلَمُ سؤالي.. سؤالي مسماراً يصدأُ في سمنتِ المبنى كيفَ أطبقَ العالمُ علينا في لحظةٍ
كيفَ ضاقَ العالَمُ حتى غدا الرّصاصةَ فوقَ حاجبِ الطّفلِ
كأنني بينَ الخراباتِ والسّماءِ المُنهَدّةِ أتمشّى بنايةً إسمنتاً
كيفَ شَيّدني هذا المبنى سؤالَ الإسمنتِ
ظلَّ هذا المبنى شاهِدَ قبرٍ في العالمِ الأخيرِ
يثأبُ بينَ عينيَّ كي يسألني عن العالمِ في غفلةِ العالمِ الأخيرِ
أنا الواقفُ مبنىً فِ العصفِ
أنا مبنىً ينهارُ على المبنى.
(الظّهيرَة/ أواخر أيلول/ طور كرم)