«قتل طائر محاكي» أعظم روايات الستين عاما الماضية
|ربعي المدهون| يهتم البريطانيون كثيرا بجائزة “مان […]
«قتل طائر محاكي» أعظم روايات الستين عاما الماضية
|ربعي المدهون|
يهتم البريطانيون كثيرا بجائزة “مان بوكر” الأدبية التي تمنح كل عام لأفضل رواية. الروائيون يتطلعون الى الشهرة، أو إلى مزيد منها لمن يشعر بأن حجمه الأدبي فاق شهرته، وللمبلغ المادي الذي يحصل عليه الفائز أيضا، وللمبيعات من الرواية الفائزة التي تصل الملايين أحيانا. أما القراء فينتظرون عادة من يختار لهم كتابا يستحق القراءة بالفعل، ويكون أفضل ما يقدمون على شرائه. بوكر الجائزة توفر هذا الخيار، بل وتقدم إلى جانبه خمسة خيارات أخرى لا تقل إغراءً.
هذا العام، وكما بات معروفا، اختارت بوكر “قاعة الذئب” لهيلاري مانتل، التي قضت عشرين عاما تنبش التاريخ وتدور في متاهات تفاصيله، قبل أن تقدم على نشر روايتها. كما قدمت بوكر خمس روايات أخرى وصلت إلى القائمة القصيرة، هي: “كتاب الأطفال” لـ اي. اس بيات؛ “وقت الصيف” لجي. ام. كويتزي الجنوب افريقي الذي سبق ونال الجائزة مرتين، وفاز بجائزة نوبل عام 2003؛ “متاهة متسارعة” لآدم فولتز؛ “الغرفة الزجاجية” لسيمون ماور؛ و”الغريب الصغير” لسارة ووترز، المقروءة على نطاق واسع في بريطانيا.
وحين كان هؤلاء يقرؤون أمام جمهورهم مقتطفات من اعمالهم الفائزة في قاعة المعارض في “ساوث بانك” وسط لندن، كان هناك من يستعدّ لمفاجأة أخرى لجائزة أخرى، “أفضل من جائزة بوكر”. جائزة لا يكون فيها الخيار للجنة لن تنجو من عتب ما وانتقادات عابرة او مقيمة، ولا يشرف عليها أحد على أية حال. فهي حصيلة استفتاء للرأي يعلن فيه قراء اختاروا بأنفسهم التصويت مجانا، ومن غير حاجة لبيع أصواتهم كما في الانتخابات العربية، عن كتابهم المفضل (ليس بالضرورة الأحسن)، ليس لهذا العام أو الذي سبقه، بل للأعمال الروائية التي انتجت خلال ستين عاما، مما قرؤوه بلغتهم الانجليزية. هذا ما فعلته صحيفة “التايمز” البريطانية في ملحقها الاسبوعي الذي صدر بتاريخ 9 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وتصدر غلافه “قائمة الرواية: أعظم 60 كتابا خلال ستين عاما”.
وتحت عنوان “أفضل من البوكر”، قدم الملحق نتائج مثيرة ومذهلة، بنيت على سؤال طرحته الصحيفة عبر الانترنت: “ما اسم كتابك المفضل؟”. وكان ذلك احتفاء بالذكرى الستين لمهرجانها السنوي المعروف بـ “احتفالات تشلتنهام الأدبية”. طرحتُ على نفسي السؤال: حقا ما هو كتابي المفضل؟”. يستطيع القارئ ان يختبر بنفسه وطأة السؤال وغلاظته. قلت بشكل عفوي سرعان ما ندمت عليه: ثلاثية نجيب محفوظ. وأجبرني الندم على التردّد للحظات أعلنت بعدها، بثقة عالية: الحرب والسلام. ثم وجدتني غارقا وسط عاصفة من الخيارات: دكتور زيفاغو، زوربا، ألف ليلة وليلة، اسم الوردة، الحبّ في زمن الكوليرا، ذهب مع الريح، يوليسيوس، عزازيل، حقا ما هو كتابي المفضل؟ ما هو كتاب كل منكم المفضل؟
تقول التايمز إنّ قراءها استجابوا لقائمة الكتب التي طرحت عليهم للاختيار، بشجاعة واقتناع، وصوتوا بالمئات لكتابهم المفضل مما صدر خلال الستين عامًا الماضية. ونشرت قائمة تضم الخيارات الستين. في المرتبة الاولى جاءت رواية الاميركية هاربر لي، وهي الأولى للكاتبة: “قتل طائر محاكي”، الصادرة عام 1960، والتي أخرجها للسينما روبرت موليغان بعد عامين من صدورها. وفي بحث منطقي عن سبب الاختيار، تساءل جون سذرلاند: “كم من البريطانيين الذين اختاروا هذه الرواية شاهدوا هذا الطائر في حياتهم؟ (…) ثم: لماذا أحببناها إذًا وجعلناها مفضلة؟ الاجابة الأسهل، قال سذرلاند، هي “لأنّ الرواية كانت مقررة ضمن المناهج الدراسية في بلادنا”. بالطبع يفسر هذا بعض شعبية “قتل طائر محاكي”، لكنه ليس كل شيء. أعتقد -والكلام لم يزل لسذرلاند- أنّ السبب الحقيقي هو قناعة المصوتين بأهمية هذا الفن الأدبي. وهم ربطوا بطريقة مهمة، بين الرواية وما كان يحدث خارج عالمها، أي بالقضايا التي كانت في مركز الاهتمام في ستينات القرن الماضي. فقد كانت “قتل طائر محاكي”، الأكثر تعبيرا عن “حركة الحقوق المدنية” في اميركا، والتي نشطت منذ ثلاثينات القرن الماضي دفاعا عن حقوق السود، وارتفع في سماء القارة، آنذاك، شعار “البشر جنس واحد”. لقد غير المجتمع القوانين وأعلن أن “لا مواطنين من درجة ثانية”.
لقد استوطنت الحركة الأكثر شراسة في مناهضة حقوق الانسان الجنوبَ، وكان هناك من تصدى لها بجدارة. كان والد الكاتبة لي (الذي أهدت اليه روايتها) محاميا وقف وجها لوجه أمام حركة “كوكلوكس كلان” العنصرية. فازت “قتل طائر محاكي” عام 1961 بجائزة بولتزر الأميركية، التي تمنح لصحافيين وأدباء وموسيقيين عادة. وينال الفائز بها عشرة آلاف دولار أميركي. وقد بيع من الرواية حتى الآن اكثر من 30 مليون نسخة.
في اختيارات القراء، لوحظ تنوع شديد، حيث الرواية التاريخية (“قاعة الذئب” الفائزة ببوكر هذا العام، تاريخية أيضا، كأنما هناك استعادة لمجد هذا الجنس الروائي)، إلى جانب روايات الحب التي لا تخلو من رومانسية، والرواية البوليسية، ورواية الخيال العلمي، مما يشير الى تنوع الاهتمام وتفاوت الامزجة ايضا، حتى أنّ “هاري بوتر” وجدت لها مكانا متقدما في خيارات الكبار، وليس العشاق الصغار المولعين بمغامراته وحدهم.
احتلال غابرييل غارثيا ماركيز المرتبة 15 بروايته الشهيرة “الحب في زمن الكوليرا”
من الملاحظات التي قد تهم القارئ العالم العربي، احتلال غابرييل غارثيا ماركيز المرتبة 15 بروايته الشهيرة “الحب في زمن الكوليرا”، والمرتبة 17 برواية “مئة عام من العزلة”، بينما احتلت رواية أورهان باموك التركي “اسمي أحمر”، مرتبة متأخرة جاءت بعد الرقم اربعين، تلاها بفوارق، “العراب” لماريو بوزو، و”اسم الوردة” للايطالي امبرتو ايكو، و”بيت الارواح” لإزابيل الليندي”.
إستوقفتني طويلا في القائمة الرواية التي احتلت المكان العشرين، رواية الروسي لويس باسترناك الشهيرة “دكتور زيفاغو”. قرأت الرواية منذ سنوات طويلة، واستمتعت كثيرا بالفيلم الذي قام ببطولته عمر الشريف الى جانب جولي كريستي حين شاهدته في بيروت السبعينات، في ذروة المدّ اليساري في المنطقة. حينذاك تقبل معشرنا اليساري المتعة الفنية واستمتع بها، ورفض المضمون وأسلوب المعالجة الأميركي للرواية. لكني لم اتوقف بعد ذلك عن مشاهدة الفيلم من حين لآخر، ولا زلت احتفظ بنسخة على قرص مدمج لمعالجة الايطالي جيوكومو كومبيوني للرواية. لقد اختار للفيلم الذي عرض في نهاية عام 2002، كييرا نايتلي، المراهقة ذات الستة عشر عاما لتلعب دور لارا، مما أثار الاستغراب وحتى الاستهجان. حينذاك قال جيوكومو بانجليزية مطلينة “صدقوني..انها ستكون نجمة كبيرة جدا”. والذين شاهدوها بعد سنوات قليلة، تقف أمام جوني دب في فيلم “قراصنة الكاريبي”، تذكروا ما قاله جيوكومو. وعلى مر السنين ظلت تشدني موسيقى الفيلم التي اتخذت اسم بطلته لارا واشتهرت به. موسيقى شفافة تحيط بالقلب الذي نبض للمرة الأخيرة في الشارع، حين سقط د. زيفاغو الطبيب صريع نوبة قلبية، ومن بعيد كانت لارا (جولي كريستي) التي صعدت الى عربة الترام تنظر خلفها الى جمع تحلق حول رجل سقط في الشارع. يتصاعد اللحن ونحمله فوق مشاعرنا مع مشاهد لا تنسى أبدا.
“خذ صديقتك واذهبا الى الجبل، وضع لها لحنا هناك”
لذلك اللحن قصة تستحق أن تُروى؛ كان مخرج الفيلم ديفيد لين راغبًا في استخدام لحن روسي شهير، يتآلف ومشاعر بطلته ويضفي أجواء خاصة على مشاهده، لكنه لم يتمكن من ذلك، بسبب الحقوق القانونية. طلب من الموسيقي موريس جار، أن يأتيه بلحن من تأليفه. بعد محاولات عدة فاشلة قام بها جار، قال له لين: خذ صديقتك واذهبا الى الجبل، وضع لها لحنا هناك. فعاد جار بعد أيام ولديه ما اصبح يعرف عالميا بـ “لارا ثيم”. وبعد سنوات، يعثر كاتب هذه السطور على نوطة للحن، ولا يتوقف عن عزفه على الغيتار مرتين في الاسبوع على الأقل. إنه لحني المفضل، إلى جانب اللحن الاوبرالي الذي تؤديه سارة برايتون وأندريه بوتشيلي والمعروف ايطاليا بـ “سأرحل معك”، ويطلق عليه الانجليز “حان الوقت لقول وداعا”.
فكروا في لحنكم المفضل، أو، وهذا أفضل، في روايتكم المفضلة، وخذوا بالاعتبار أنّ في كل كتاب شيئًا ما مفضلاً.
(لندن؛ عن “الدستور” الأردنية؛ Almadhoun0002@hotmail.com)