إسرائيليّو سلفادور دالي الأوائل!/ سليم البيك
لم أشعر بالأسف على دالي. ومجموعته هذه (أتمنى وأتوقّع أن) تدينه أكثر مما تبرئ إسرائيل عند زوّار المتحف الذين يسكنون، أو يزورون، مدينة كفتني زيارة قصيرة لها كي أجد ستيكر علم فلسطين ملصق على إحدى آرمات شارع ريفولي، أو على أحد الأعمدة عند الباستييْ، أو ستيكر أصفر مكتوب عليه “أنا أقاطع إسرائيل.. دولة عنصرية”
إسرائيليّو سلفادور دالي الأوائل!/ سليم البيك
|سليم البيك|
زرت، أخيراً، متحف سلفادور دالي. كان من بين المتاحف الكثيرة التي فلّيتها في باريس: لوفر، أورساي، أورانجري، رودان، إيروتيزم (هاد أهم إشي)، بومبيدو، إضافة إلى متحف لذكرى المحرقة اليهودية وآخر عن التاريخ والفن اليهودي، ومتاحف أخرى من بينها كان دالي.
زيارة صغيرة لمتحف كأورساي كافية لإدراك أن هنالك الكثيرين ممن يستحقّون الانتشار أكثر منه. في باريس نكتشف أنّ ذائع الصيت دالي (أو حتّى بيكاسّو الذي لا أحبّ أعماله وأفضّل عليه –إن تكلّمنا عن الكيوبيزم- موديلياني وبراك) ليس بجمال رينوار ومونيه وغوخ وكوربيه وآخرين كثر.
لا أدري إن كان لفتوري تجاه أعمال دالي وبيكاسّو علاقة بنفوري الدائم من كل ما هو مسيطر أو منتشر أو جماهيري، وبشكوكي الدائمة تجاه كل ما يُروّج له جيداً، ككل كتب البِست سِلر وأفلام التوب تِن. رغم أني، صغيراً، أحببت هذه الكتب وتلك الأفلام وكنت كذلك مهتماً بدالي وبيكاسّو وأندِرْ تايكر وباميلا أندرسون، الأخيرة مازلت مهتمّاً بها!
أمر آخر رأيته في متحف دالي كان سبباً كافياً لأكره (لم أعد أكتفي بالنفور) دالي هذا، المعتل ذهنيّا، وإن لم يكن كاعتلال فان غوخ الجميل والصادق، وهو من “التوب ثْري” عندي.
25 عاماً على تأسيس إسرائيل (1973)
لها زاوية مخصّصة في المتحف: مجموعة من بضع لوحات بعنوان “اثنتا عشر قبيلة من إسرائيل” رسمها صاحب الشاربين المعقوفين لهذه المناسبة. يمكن باطمئنان وموضوعية القول بأنها اسكتشات بدائية غير مكتملة صغيرة الحجم، رغم الحجم الكبير لراسمها، وهي، لمن يهتم، مرسومة بتقنيّة “الإتشينغ” وملوّنة بطريقة “الستينسيل”، أهلين.
الشرح التوضيحي المرفق بالمجموعة يقول إن سلالة هذه القبائل الاثنتي عشر هي التي أدّت إلى نشوء دولة إسرائيل (لا أعرف عن أي قبائل يتحدّثون، أحد ما يسأل لي شلومو ساند) والتي يرى دالي بأنها، أي إسرائيل، أتت كتطوّر تاريخي بمسحة سريالية (والحق يجانبه في ذلك). وكانت سريالة نشوء إسرائيل هذه هي ما حفّزته على رسم من يسمَّون “الإسرائيليين الأوائل”، وهنا لا نتكلّم عن بنغوريون وغولدا مائير وغيرهم. المفردة المستخدمة هيIsraelite ، وحسب قاموس كامبريدج فهي تدل على: أحد أعراق الشعوب التي عاشت في إسرائيل (يقصدون فلسطين خوات الشّـ….) في قديم الزمان، “من القرن 11 إلى 7 قبل الميلاد”!
ويضيف الشرح بأن آبا إيبن، رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه والمهاجر من كيب تاون في جنوب إفريقيا (وهل هو من سلالة تلك القبائل؟!)، قال عن المجموعة: “إن كان لغموضها أو ازدواجيّتها، فإن هذه اللوحات تحمل رمزيّة محدَّدة لنا، ومن خلال مخيّلته الغزيرة والمتنوّعة، فإن دالي يساعد في تخليد الحضارة الإسرائيلية الأوّليّة كي ندرك السمة الصوفيّة لوجودها وكذلك لتطوّرها.” يبدو أن إيبن هذا أراد أن يجاري سريالية دالي في لوحاته، من خلال كلماته هذه!
أما فيما يخصّ نقد اللوحات (وهذا يحتاج لمختصّين) فقط سأشير إلى “عمق”(!) معرفة دالي بموضوع لوحاته (أي أرض فلسطين)، المعرفة التي كانت، كذلك، سريالية. الأرض في كل لوحاته صفراء جرداء، هنالك شجرة عارية وشجرة نخيل (نعرف أنّ المهاجرين اليهود حاولوا إحلال النخيل محل الزيتون كما حلّوا هم محلّ اللاجئين)، وهنالك تنّين وفرسان وقلاع وأزياء أوروبية قديمة، وأمور لا علاقة لها بتلك الأرض وتراث وحضارة من سكنوها منذ ما قبل تلك القبائل حتى الآن. واللوحات هذه بالمناسبة نقل لرسومات موجودة على موزاييك يهوديّ “قديم”، تعاني العيوبَ ذاتها للوحات دالي التي لا يعفيه ذلك من تسطيحنا له/لها، رغم اعترافنا بالذكاء والبراعة الفنية الفاضحين عند الجاحظ عينيه.
لم أشعر بالأسف على دالي. ومجموعته هذه (أتمنى وأتوقّع أن) تدينه أكثر مما تبرئ إسرائيل عند زوّار المتحف الذين يسكنون، أو يزورون، مدينة كفتني زيارة قصيرة لها كي أجد ستيكر علم فلسطين ملصق على إحدى آرمات شارع ريفولي، أو على أحد الأعمدة عند الباستييْ، أو ستيكر أصفر مكتوب عليه “أنا أقاطع إسرائيل.. دولة عنصرية” منتشراً في محطّة شاتليه، وفي غيرها من محطّات المتروبوليتان.
22 نوفمبر 2010
ما زلنا قبائل
هم ابرعوا بخلق شعب
لهذا روايتنا لن تصل
العدل لا يكفي…..