تشكيل الفضاء في مسرح الشباب/ نبال الهواري
|نبال الهواري| ربما يبحث الكثير من المسرحيين الشباب عن […]
تشكيل الفضاء في مسرح الشباب/ نبال الهواري
|نبال الهواري|
ربما يبحث الكثير من المسرحيين الشباب عن وسائل لإنعاش ذاكرتهم في التجديد، ولأجل البحث في تشكيل فضاء ملائم للتجربة لا بدّ لنا من معرفة أنّ من يعيش في التجربة يسهل عليه خلق مفرداته التعبيرية، ومن يعمل بعين الراصد من خلال القراءة والخبرة ينعكس على كلّ تقنياته في العرض. لذا لجأ المسرح إلى أشكال متعدّدة في العرض، بعضها سعى للعلبة الإيطالية وفيها شكل الفضاء الذي يجلب فعل التركيز في محاولة لتقريب الأجواء في الديكور والإضاءة والموسيقى والمؤثرات وبالتأكيد في التمثيل أيضاً للتأثير على المتلقي.
في بعض العروض التي شاهدناها، وظفت فضاءات متنوعة ومنها الفضاءات المفتوحة، التي ترتبط بضمير الناس ممّن هم في الشارع، لذا ومن منطلق التفاعل مع المسرح السياسي الذي أفرزته الحركات الثورية في الحربين العالميتين، ولأجل النزول للمشاهد في أماكن تواجده، إبتكر الشباب في الوطن العربي أشكالا للعرض منها:
إنّ محاولة التغلب على الثابت في ذهن المتلقي لعروض شبابية تأتي بثمار التميز في أن نوظف كل الطاقات التقنية وإعمال الوعي في زعزعة الصورة الانطباعية إلى صورة متحولة قابلة للتأويل
1. مسرح الشارع: حيث تقدم العروض المسرحية في الساحات العامة والتجمعات البشرية وتقدم المسرحيات بأسلوب الحلقة، وهو تجمع المشاهدين حول قادة العرض المسرحي، ولذا يكون العرض هنا معتمداً على تقنيات بسيطة توفرها الصدفة في الإضاءة ولا تحتاج إلى ديكورات، بل تكتفي بالطاقات البشرية في تقديم العرض. ويكون العرض قد استند إلى أسلوب الفرجة في العرض أو كما يتمنطق البعض باسم “المسرح الفرجويّ” والذي تأسّس منذ عربة ثسبس اليوناني ونظـّرَ له فيما بعد البعض كما جاء في مسرح بسكاتور السياسي أو جان فيلار الفرنسي، ونظرية المسرح التعليمي والملحمي عند الألماني برتولد برشت، وصولا للمسرح الاحتفالي الذي اعتمدته مجموعة من المسرحيين الكبار في الوطن العربي؛
2. مسرح المقهى: وهي تجارب حوّلت فضاء المقاهي الكسولة إلى عرض مسرحي يستفزّ، حيث شهد تفعيل تلك الأماكن من أجل أن لا يظلّ الشباب الذي يعاني البطالة ممسوخ الذاكرة؛
3. مسرح في المصانع: زارت الفرق الجوالة المصانع والمعامل الإنتاجية لتقديم عروض مسرحية، تأخذ الفعل التعبوي رصيداً لها؛
4. مسرح الطفل: يبقى مسرح الطفل المجال الخصب لتأسيس حراك مسرحيّ متطوّر، ورغم خطورته. ولكن الخوض في غماره يفتح أفقًا للشباب المسرحي في تدعيم خبراتهم والوصول إلى أساليب متنوعة تتشكل مع الطفولة الأولى، بل يؤسّس لجمهور يتمتع بعقلانية تركز فكرة القضية بأسلوب البناء الفكري الذي يعتمد مراحل كأنها اللبنة الأولى في الأساس.
وهكذا يمكن للشباب توظيف الفضاءات المتعددة لتكون مجالاً خصباً لتنفيذ رؤاهم في وسائل بسيطة ومفردات لا تحتاج للجهد أو المال الكثير؛ تجارب تثير ذاكرة المتلقي وتعظم فيهم فكر القضية، وتوسع قاعدة الجمهور المسرحي.
إنّ البحث عن أساليب متجددة تشعرنا بأهمية الموضوعات الفلسفية في المسرح وثقلها الفكري، كم أنّ اللجوء لأساليب مستعارة في اختزال ديكور مسرحية تتحدث عن موضوعات كبيرة بوسائل تقنية بسيطة أو قطع ديكورية تحاول ملامسة معمار شائع، بالتأكيد سيلقي بظلاله الثقيلة على العرض.
نجد أنّ الدقة التاريخية في استخدام الأزياء والديكور وما نحتاجه من متمّمات لتقديم عرض مسرحيّ يوازي العروض المبدعة التي نشاهدها في العالم، وبوعي يجعل من الموسيقى ثيمة داعمة للعرض وليس تكميلاً تطريبيًا، وهذا أمر في غاية الدقة والبراعة.
ويبقى من الضروري الإشارة إلى استخدام الخامات التي تقرب من مصداقية العرض وتشكل أسلوبًا متفردا ومبدعا.
إنّ محاولة التغلب على الثابت في ذهن المتلقي لعروض شبابية تأتي بثمار التميز في أن نوظف كل الطاقات التقنية وإعمال الوعي في زعزعة الصورة الانطباعية إلى صورة متحولة قابلة للتأويل، وهذا أمر ليس بالهين بل يحتاج إلى الكثير من البحث والذي نجده معدومًا تقريباً عند بعض المخرجين الشباب الذين يقرنون العرض المسرحي بالمناسبات أو المهرجانات، ولا يفتحون لأنفسهم أفقاً في البحث بل يعتمدون على مشاهدات مجردة تثقل الرؤية عندهم وتقلل من الاستعداد للإبداع. فأكثر الشباب لا يعتمدون على الإطلاع على المبتكرات الحديثة وقراءة المصادر والكتب الهامة في المسرح، بل اعتادوا الجاهزية في نقل الصورة وادّعاءها لأنفسهم. فتنوع مصادر التثقيف وحتى المشاهدة تسهم في إغناء حديقة الذاكرة عند المخرج الشاب والذي نتمنى أن لا تغريه النجاحات البسيطة في التوقف على أطلالها.