باب الحارة: مجرد قصة مثيرة ومشوّقة
ماهر منصور لا نعرف إن كانت حكاية الجزء الرابع من مسلسل […]
باب الحارة: مجرد قصة مثيرة ومشوّقة
ماهر منصور
لا نعرف إن كانت حكاية الجزء الرابع من مسلسل «باب الحارة»، من شأنها أن تحسم مسألة الجدل النقدي الدائر حول علاقة المسلسل بدمشق.. فقد انشغل أبطاله عما اعتدناه منهم في الأجزاء السابقة ولا سيما صراعات النساء وقصص تفتيل الشوارب… بحكاية مفترضة عن مقاومة أهل الحارة للفرنسيين، لا يمكن لأحد أن يدعي أنها حصلت وسقطت سهواً من كتب التاريخ فلم تصلنا.
ولأنها ليست كذلك ولأن الجميع بمن فيهم صناع العمل أنفسهم، يقرون بافتراضية هذه الحكاية بالذات يمكننا القول إن العمل أعلن أخيراً انحيازه إلى حقيقة تركيبته الفنية بوصفه دراما تنبع من خيال المؤلف ولا تبتعد كثيرا عن حكايات الجدّات.. تنهل من الموروث الدمشقي ومن التاريخ ولكـنها أبعد ما تكون عن التأريخ، وأي تشــابه بين جزء من أحداثها وأحداث تاريخية أو اجتماعية.. هو تشابه يقصـد منه إضفاء شــيء من الواقعية على أحداث العمل التي بطبيعتها تنطوي على مساحات واسعة من الخيال والأخطاء ما يجعلها أقل من اعتبارها وثيقة تاريخية.
وفق هذا المنطق علينا منذ اليوم أن ننظر إلى مسلسل «باب الحارة « ولنترك الجدل أن كان ما يحدث يمت لتاريخ مدينة دمشق أو لا، ولنبتعد عن فكرة أن المسلسل تأريخ لمرحلة ما، ولنتخل عن اتهامنا بأن المسلسل يسيء لتاريخ الشام أو يقوم بتزويره… لننس كل ذلك، ونكف عن مطالبة المسلــسل بقضايا أكثر عمقاً …. ولنتعامل مع مسلسل «باب الحارة» بوصفه حكاية بسيطة تمتد أحداثها أفقياً كما حكايات الجدّات، ويقوم منطقها وجنسها الفني على سرد حكايات مشوقة وممتعة.. فقط، دون أن نحمله أفكاراً أكثر من ذلك.
وفق هذه الرؤية وحدها يمكننا أن نقبل هواجس إسقاط أحداث المسلسل على الواقع المعاصر، لجهة محاكاته أحداث حصار غزة الأخيـرة، والهــجمة الإسرائيــلية على القطاع وصمود أهل القطاع ومقاومتهم وابتكارهم سبلاً للعيش في مواجهة الحصار كاعتمادهم على الأنفاق لتمرير الأغذية والأدوية كما يفعل أهالي حارة الـضبع اليوم في المسلسل حين استـعانوا بقنـوات المياه التي تنتهي إلى بئر موجود في بيت داية الحارة.
والتماهي مع أهل غزة سيستمر في مشاركة النساء في مواجهة الفرنسيين وتسجيلهن لمآثر تاريخية كـما النـساء في غزة. ولا نعرف إن كان كاتب المسلسل كمال مرّة وصاحب الفكرة مروان قاووق سينتهيان إلى حلّ لمسألة الحصار التي تعيشها حارة الضبع تصلح لتكون وصفة حلّ لحصار غزة..؟!
أما وقد حسمنا فرضـية حكاية مسلسل «باب الحارة» واعتمدنا أن كل ما يحدث فيه هو من صنع مخيـلة المؤلف، لا عـلاقة له بتوثيق أحداث وقعت فعلاً في دمشق.. لن يبقى أمامنا سوى أن نحاكم مسلسل «باب الحارة» بوصفه عملاً فنياً بدءاً من البناء الدرامي لحكايته وصولاً إلى سوية تقديمها فنياً.
بالعموم لا نميل إلى تناول عمل درامي بالنقد لم تكتمل خيوط حكايته بعد.. لذلك نؤثر تأجيل قراءتنا النهائية لمستوى العمل على صعيد المضمون والسوية الفنية.. لكننا لا نجد ضيراً في طرح جملة من أسئلة الاستهجان لا تحتاج لاكتمال خيوط الحكاية لتفسيرها.. ومنها الإشارة إلى المبالغة في حمل البنادق وتصويبها الدائم. إذ لا معنى أن يقضي كومبارس طيلة أحداث المسلسل (ما شاهدناه من حلقات على الأقل) مصـوبين بنادقهم باتجاه الأعلى وصوب باب مغلق.
ولا نعرف إن كان المسلسل وفق كل ما سبق سيعود إلى قواعد جنسه الدرامي بوصفه حكاية شعبية مفترضة سالماً، ويقدم لنا في النهاية حكاية مشوقة وجديدة ومختلفة عن الأجزاء السابقة. أم أنه سرعان ما تهب عليه رياح الحنين، فيعيدنا إلى مربع الجزء الأول منه حين يعود لتبني صراعات النساء وحكايات تفتيل الشوارب وسواها.
(عن “السفير” البيروتية)