في الذكرى الـ 43 على قتله: تشي جيفارا بكلماته
كان الثائر الكوبي كاتبًا غزيرًا تمنح كتاباته نظرة ومعرفة تتعلقان بشخصه وسياسته • كان نقديا على نفسه وصاحب روح دعابة ولا يزال كتاب “حرب الغيريلا” الدليل الأفضل لدى حركات الغيريلا في العالم اليوم
في الذكرى الـ 43 على قتله: تشي جيفارا بكلماته
|لوسيا ألفاريز دي توليدو|
(ترجمة: علاء حليحل)
قُتل تشي جيفارا في التاسع من تشرين الأول 1967، إلا أنّ كتبًا ألفها بنفسه لا زالت تُنشر تباعًا. فقد كان جيفارا كاتبًا غزيرًا في حين يستمرّ مركز دراسات تشي جيفارا في كوبا بنشر مقالاته وخطاباته.
إلا أنّ جيفارا لم يقصد نشر جميع ما كتب. ففي العام 1950 تجوّل وحده في شمال الأرجنتين وكتب مذكرات حول رحلته التي قطعها على دراجة نارية وهو مسافر. وقد عثر والده على هذه الكتابات بعض موته ونشرها بالإسبانية فقط، من دون نشرها بالإنجليزية. وتكشف هذه الكتابات عن اهتماماته المبكرة بأولئك الذين كانوا يعيشون تحت خط الفقر. وبما أنه كان طالبًا يدرس الطب ويسافر في رحلته هذه بلا نقود تقريبًا فقد بحث عن غرفٍ للإيجار في المستشفيات أو مخافر الشرطة، واتخذ من هذه المواقع موقعًا يُطلّ منه على الأرجنتين الأخرى.
وقد نُشرت مذكراته غير المنقحة عن رحلته الأولى إلى أمريكا اللاتينية بالإنجليزية تحت عنوان “مذكرات الدراجة النارية” (Motorcycle Diaries)، بعد وفاته. وفي هذه المذكرات نرى شابًا متحمسًا مليئًا بالمرح والرغبة في المغامرة. وقد ترك أسلوبه العرضي في الكتابة طابع الفورية والطراوة لشخص يقوم باكتشاف عالم مختلف. إلا أنّ تشي اكتشف أيضًا أنّ ما شاهده في الأرجنتين كان مشابهًا لما يحدث في القارة كلها. وعندما كان ملزمًا بقضاء الوقت في ميامي بانتظار توصيلة إلى البيت، رأى بنفسه كي يعيش الرجل الأبيض الذي كان يقمع قارته. لقد كان التناقض مذهلاً ومثيرًا للغيظ.
في العام 1953، وبعد أن أصبح طبيبًا، ترك البيت مجددًا من غير عودة هذه المرة، حيث التقى في نهاية هذه الرحلة فيدل كاسترو وانضمّ إلى القوات المسلحة كداغِر (محارب غيريلا). وقد أبحر المقاتلون من المكسيك إلى كوبا في تشرين الثاني 1956. واستمرت الحرب الثورية لعامين اثنين، تحول تشي خلالها من مُسعف طبي إلى قائد عسكري. وقد نُشرت تسجيلات وتسلسل هذه المعارك أثناء حياته تحت عنوان “مقاوم من حرب كوبا الثورية” (Reminiscences of the Cuban Revolutionary War). ويحكي تشي في هذا الكتاب ولأول مرة عن إيمانه بأنّ بمقدور القوات الشعبية أن تنتصر في الحرب على الجيش من دون انتظار الظروف الملائمة: فالثورة نفسها ستخلق هذه الظروف. وتكشف هذه الكتابة المثيرة للمشاعر عن إنسانيته وعن حسّ الدعابة الذي كان يتمتع به وعن قدرته على توجيه النقد لذاته، حيث يكتب أنه في أثناء مواجهة وطيسة مع العدو ركض هاربًا بسرعة جنونية، بحيث أنه من المستحيل عليه أن يكرر ثانية مثل هذا العمل البطولي.
وعند السيطرة على الحكم في كوبا يكتب تشي كتاب “حرب الغيريلا” (Guerrilla Warfare)- وهو دليل يتتبع خطى القائد ماو والجنرال الفيتنامي جياب، وقد توفر هذا الدليل مجانًا أمام حركات الغيريلا في جميع أرجاء أمريكا اللاتينية. وهنا يتوسع تشي في نظريته القائلة بأنّ الكفاح المسلح يمكن أن يُفرز النصر حتى ضد أنظمة ثابتة ومحصنة ومسلحة بأحدث الأسلحة، وبأنّ حركات الغيريلا التي تتخذ من الغابات والجبال مركزًا لها يمكن أن تقود الشعب نحو الحرية. كما توفرت في هذا الدليل نصائح تفصيلية تتعلق بالتكتيك، وعليه لا يزال هذا الدليل الدليلَ المفضل لدى حركات الغيريلا حول العالم حتى يومنا هذا.
“الحلم الأفريقي” (The African Dream)هي يوميات كتبها لدى مهمته في الكونغو العام 1965. وقد افتتحها بهذه الكلمات: “هذه قصة فشل”. لقد كان نقديًا تجاه نفسه تمامًا كما كان نقديًا تجاه مضيفيه الأفارقة الذين لم يكونوا مستعدين لتحرير أنفسهم من الهيمنة الأجنبية أو توحيد دولتهم فاحشة الغنى على إثنياتها المختلفة. وما يجعل من هذه القصة مثيرة وآسرة أنه بالإمكان الادعاء –كما فعل نلسون مانديلا- أنّ مغامرة تشي الأفريقية لم تكن كارثة مطلقة كما أسماها، لأنها كانت تقريرًا ثاقبًا حول الظروف السائدة في تلك القارة، ساعد كاسترو على تبيان طبيعة المساعدة التي يجب تقديمها إلى الأمم الأفريقية التي كانت تحارب من أجل استقلالها.
كما أنّ “المذكرات البوليفية” (Bolivian Diary) تسجيل لحملة تشي الأخيرة. فقد قُتل بعد مضي 24 ساعة على تسجيله الأخير في المذكرات. وهي تتألف من ملاحظات كان يرغب بالتوسع فيها إلا أنّ الأمر لم يتمّ. وبما أنّ المذكرات البوليفية وقعت في أيدي آسريه، فإنّ “سي آي أيه” أزمع استخدامها كبروبوغاندا ضد تشي بالأخص وضد حركات الغيريلا في أمريكا اللاتينية عمومًا. ولكن وبشكل غير متوقع، قام أحد أعضاء الحكومة البوليفية بتصوير المذكرات وإرسالها إلى كوبا. ثم نشرها كاسترو بعدة لغات، قاطعًا الطريق على “سي آي أيه” للتلاعب بالنصّ لأغراضه الخاصة.
إنه لمن المنعش أن نقرأ تشي بكلماته الخاصة خصوصًا وأنّ الكثير كُتب عنه من طرف مُبغضيه والمحرضين عليه. فمن جهة، ثمة حميمية تطغى على مذكراته -كونه كتبها لنفسه- تكشف عن ماهية الشخص أكثر مما تكشف عن الشخصية العامة المعروفة. ولكن، ومن الجهة الأخرى، عندما يكتب عن السياسة والثورات نصطدم بإنسان مدفوع كان اشتراكيًا ملتزمًا حتى في منامه.
(خاص بـ “قديتا”. عن مدونات “الغارديان” البريطانية. النسخة الإنجليزية الأصلية في هذا الرابط)
9 أكتوبر 2012
انت اسطورة مكافح عظيم
29 أبريل 2011
ليتك حي لليوووووم
وتشوووف شسوو الصهيوون
الله يرحمك