“الألفين وستة” لنائل الطوخي: مُقْبِض وعنيف ويائس/عناية جابر
|عناية جابر| في رواية الكاتب المصري نائل الطوخي “الألفي […]
“الألفين وستة” لنائل الطوخي: مُقْبِض وعنيف ويائس/عناية جابر
|عناية جابر|
في رواية الكاتب المصري نائل الطوخي “الألفين وستة”، قصة الحرب الكبيرة، الصادرة عن “ميريت” حديثا، تيمات كثيرة تستدعي الانتباه، ليس بسبب أهميتها الأكيدة وحسب، بل بسبب أسلوب الكاتب وما يتضمنه من كشف ذي طابع بسيط، وفي الوقت نفسه كما لو هو غير قابل للنفاد.
الأحداث التي تشكل حياة مجموعة من الأصدقاء/الأعداء، لا تبدو كأحداث بقدر ما يبدو الظهور المجازي في شعور الكاتب نحو هذه الأحداث، في تأليفها ولا تأليفها، وفي قولبتها على شكلها الغرائبي إلى حدّ. نائل وعبد العزيز ورضا ليسوا استجابة للحال الثقافية في مصر، ولا مرآة لها، بل استجابة لهولها، وبشكل أعمق للزيف الكامن فيها، وها هو نائل الطوخي يكتب على طريقته، تلك الحال التي لا قيمة لها. هذا الهذيان الذي يعتمده الطوخي في سرده، ليس مجرد هذيان للتجوال في الأحداث، بل هو طريقة للتفكير، وللكتابة ولنوع الرواية التي يحب الطوخي كتابتها.
تقول إحدى شخصيات كونديرا في أحد كتبه: “على كل من يتوافر لديه القدر الكافي من الجنون، لكي يستمر في كتابة الروايات، أن يكتبها بطريقة تجعل اقتباسها متعذراً، حماية لها. بعبارة أخرى، طريقة تجعلها غير قابلة لأن تروى”.
ما فعله نائل الطوخي في روايته هو تنحية “البطل” وتعزيز حضور الشخصيات، بل رفعها الى درجة البطولة. عبد العزيز ورضا يتحفظان بكل سلطتهما الى جانب الشخصية الرئيسة، نائل. تهميش الشخصية الرئيسة والأحداث المنوعة والمتعددة هي لعبة الطوخي الذي ركز على مجموعة من الشخصيات والقصص المستقلة عملياً إحداها عن الاخرى، لكنها في الحقيقة صورة واحدة للمعنى نفسه، معنى انهيار العالم، الذي يبدأ بانهيارات منها ثقافية واجتماعية وسياسية… وما شابه.
جمالية
ثمة شيء في كتابة نائل الطوخي مقبض وعنيف ويائس. لعلّ هذه الصفات مرادفة للحقيقة، وللواقع الذي يراه الطوخي، يعيشه ويكتبه. صفات موجودة في أغلب ما كتبه الطوخي، وله “تغيرات فنية” (مجموعة قصصية)، وروايتان: “ليلى أنطون” و”بابل مفتاح العالم”. شيء مقبض من استنطاق الحياة، بما هي حياة مخيّبة في أغلب الأحيان، والعلاقات بين الأفراد (الصداقة، الجنس، الحب) نوع من التكنيك الخيالي الجانح إلى الشطر الأسود من العيش. في كتابة الطوخي أيضًا، نجد شيئا من جمالية الرواية السيكولوجية والأبعاد الثقافية، من دون الاهتمام بالروحية.
قسوة في الصداقة وفي الحب وفي وصف العلاقة المثلية، وفي الغرق في يوميات “الحشيش” وازدواجية “الأنا”. من أول كلمة يخطها الطوخي، يفرض على قارئه التأني والبطء في القراءة، والتوقف مطولاً عند الأحداث والشخصيات بلا منطقها ومعقوليتها معاً، كي يدرك النظام الأساسي، الخفي والسري الذي يحكم الطوخي في كتابة روايته.
رحلة أصدقاء شباب، نحو الشعر والدين والحشيش والحبّ والمثلية في عملية تبادل أدوار و”انكشافات” لا تحدث إلا في العوالم السفلية (أليس عالمنا الحالي عالما سفليا؟) حيث ما من لحظة أمان، ولا حتى في الرغبة الى “سيدة” زوجة عبد العزيز، ولا في الحب الخفي لها.
يقوم السرد عند الطوخي على آلية التشويش، وعنده ذلك الحس غير الواثق بكل الثوابت، والعالم الخارجي كما الداخلي للشخصيات، مموهاً دائماً، وغير مدرك ومنعدم السلبية، إلا أنه ليس صامتاً، بل ناطقاً وبصوت عال، ومدينا لتلك المسماة ثوابتَ.
مهما كانت جوانب الحياة التي تكتشفها رواية نائل الطوخي “الألفين وستة” قصة الحرب الكبيرة، فهي تكتشفها كشيء مخيّب، من دون أمل، مع ذلك نجد الرواية جميلة، ذلك الجمال الأسود الغريب.
(عن “السفير”)