من حقنا!/ يتسحاق لاؤور
|يتسحاق لاؤور| سيأتي يوم يصير فيه الآتي: إلى جانب الطاو […]
من حقنا!/ يتسحاق لاؤور
|يتسحاق لاؤور|
سيأتي يوم يصير فيه الآتي: إلى جانب الطاولة في إحدى الشقق الفخمة في أبراج “غيندين”(1)، عندما يغلق الابن الفتيّ غطاء البيانو بعد أن تدرب على مقطوعة موسيقية (بارلود) لشوبان، وعندما تأتي المعلمة الخصوصية لتلقي ما تستحقه من أجر “أسود”(2)، سيروي لها الأب الناجح بصوت عالٍ كما يتحدثون في المقاهي الإسرائيلية: “لقد اشتريت هذه الشقة في “قصر الثقافة” عندما كانت تجري مراجعة في الأسفل مع عازف البيانو الروسي، البولندي، لا أذكر”. وعندها ستعود الابنة من الجيش، وسيسألها والدها بخوشبوشية كم من المخربين اعتقلت، وستسبّ الابنة العربَ قليلا وستهرع باتجاه الحمام كي تخرج لسياقة سيارة الجيب التي تلقتها منه هدية احتفاءً بانهائها امتحانات “البجروت” (التوجيهي)، كي “تحرث المدينة”.
وستغادر المعلمة إلى بيتها في “نافيه شَريت”(3) بالباص (زوجها يعمل حارسا في مدخل مطعم فاخر في شارع “هَبَرزيل”)، وبعد تناول وجبة العشاء ستشاهد القناة التاسعة(4) بمعية ابنها الذي يدرس الحاسوب في المركز الجماهيري، وهناك سيجرون مقابلة مع أفيغدور ليبرمن بروسية غليظة حول “حقنا”. وستثير فظاظته ما يشبه عدم الارتياح، خصوصًا لدى الجدّ، الذي لا يتضايق من العرب مثلما يتضايق من جيرانه اليهود الشرقيين، الذين تديّنوا جميعهم. ولكن في المجمل سيسود شعور جيد في الشقة الصغيرة عندما يتحدث ليبرمن عن “حقنا”. ناهيك عن أنّ إيلي يشاي(5) سيتحدث أيضًا في القناة العاشرة عن “حقنا”، وبعده سيتحدث غدعون ساعر(6) في القناة الثانية عن “حقنا” أيضًا، وما سيتبقى للقناة الرسمية (القناة الأولى) إجراء لقاء مع بوغي يعلون(7)، الذي سيتحدث هو أيضًا عن “حقنا”، وسيرفق حديثه بذكريات من حديقة الخضروات في “غروفيت”.(8)
عندما يسمتع المرء إلى الحديث عن “حقنا”، سينسى متاعب اليوم المنصرم، كما سينسى سلب حقوق الخالة الآتية من خاركوف في أوكرانيا –ليست يهودية والعياذ بالله-. عندما يسمع المرء عن “حقنا” يتحول دفعة واحدة إلى صاحب البيت، رغم أجرة الشقة الباهظة، وسيبقى شعوره هذا حتى الدرس الخصوصي القادم في أبراج “أكيروف”(9)، على الأقل.
وهناك أيضًا، كما الحال في القناة التاسعة والقناة الثانية والقناة العاشرة وفي أبراج “غيندين”، وكما الحال في غروفيت، يحبون “قصر الثقافة” و”الكاميري”(10) والدولة اليهودية الديمقراطية المصحوبة بـ “حقنا”.
دولة إسرائيل ليست دولة جميع مواطنيها. هذا معروف. ولكن عندما يُقال إنها دولة جميع يهودها، فلا أحد يعرف ما معنى “يهودها” من دون اللجوء إلى ذلك الاستفزاز المتواصل ضد كل من ليس يهوديًا
هذا الإعلان الغبي الذي تدفعه وتعززه حكومة إسرائيل لا يستند إلا على فراغ حقيقي في الحياة الإسرائيلية. فالشهوة الكبرى للعثور على أمور “إسرائيلية” في السفرات إلى خارج البلاد أو في برامج التلفزيون أو في حوانيت الكتب أو لتسويق “الحالة الإسرائيلية” في كل موقف أبله، ليست إلا جزءًا من هذا الفراغ الكبير الذي يستحوذ على دولة لم تنجح البتة في بلورة حالة طبيعية، لا تكون جزءًا من وضعية حرب.
دولة إسرائيل ليست دولة جميع مواطنيها. هذا معروف. ولكن عندما يُقال إنها دولة جميع يهودها، فلا أحد يعرف ما معنى “يهودها” من دون اللجوء إلى ذلك الاستفزاز المتواصل ضد كل من ليس يهوديًا.
لقد حمل هذا الاستفزاز مرة طابعًا من التنكّر. فرأيتهم يتحدثون عن بعث القفار فيما دمّروا القرى، غنوا الأغاني الحماسية بالعبرية، بما فيها هذه الكلمات الكريهة “سنجلب الدمار على قرى العدوّ”، لكن كل هذا استند إلى قاسم مشترك من “المسلكيات” والأعمال؛ من التجنيد والتجنّد.
العنصرية الجديدة تُعفي الإسرائيلي من أيّ التزام وتحفظ له الحق في تحقير غير اليهود. يقول القانون الجديد(11) للعرب: لا ينحصر الأمر في أنكم لستم أغلبية، أو في أننا أخذنا البلاد منكم، عليكم أن تعلموا الآن أنّ لا أمل يُذكر في تغيير الوضع أو في تحقيق وممارسة مواطنتكم. المستقبل مسدود أمامكم أيضًا. عليكم أن تختاروا: إما العبودية وإما الهجرة.
(ترجمة: علاء حليحل- خاص بـ “قديتا”؛ عن “هآرتس”)
هوامش:
(1) مشروع بناء ضخم في تل أبيب يجري تسويقه في هذه الأيام، وفيه أسعار خيالية للشقق تبرز وتوسع الفارق بين الأغنياء والفقراء في إسرائيل.
(2) الأجر الأسود في إسرائيل هو النقود التي يتقضاها الفرد لقاء عمل من دون أن يدفع الضرائب المستحقة.
(3) حي يقع شمالي تل أبيب ويُعتبر منطقة موسورة تسكنها مجموعات إثنية مختلفة: مهاجرون جدد من الاتحاد السوفياتي سابقًا، مهاجرون من شمال أفريقيا وشرق أوروبا، طلاب جامعيون وأزواج شابة.
(4) القناة الإسرائيلية التي تبث بالروسية. كغيرها من المطبوعات الصحافية الروسية في البلاد تتبنى خطًا سياسيًا يمينيًا متطرفًا مشوبًا بالعنصرية والكراهية ضد العرب.
(5) وزير الداخلية من حزب “شاس”. يمارس مواقف عنصرية ضد العرب والعمال الأجانب.
(6) وزير المعارف. من أقطاب حزب “الليكود” الحاكم.
(7) قائد أركان سابق. وزير في حكومة نتنياهو “للتهديدات الاستراتيجية” ومن رموز اليمين المتشدد.
(8) كيوبتس في النقب يسكنه يعلون.
(9) مبانٍ سكنية فخمة في تل أبيب، اشتهرت مؤخرًا بعد شراء وزير الحرب إيهود براك شقة له في المجمع تُقدر قيمتها بأكثر من 20 مليون شيكل.
(10) من أهم وأكبر المسارح الإسرائيلية. مقرّه تل أبيب. رمز اجتماعي-ثقافي للعيش الرغيد الذي يتمتع بها سكان مركز البلاد وخصوصًا تل أبيب.
(11) المقصود قانون الولاء: من يرغب بالحصول على الجنسية الإسرائيلية عليه أن يقسم الولاء لدولة إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية. صدّقت عليه الحكومة أمس الأول الأحد (10 تشرين الأول 2010).
19 أكتوبر 2010
شكرا على الترجمة وعلى عرض هذا المقال..
انا واثق ان هذا المقال لم ينشر في يديعوت او في معااريف وانما في هاارتس..
شكرا