فضفضات رمضانية/ هشام محمد
1 اخبرني صديق أنه استمع إلى امرأة، اتصلت هاتفياً ببرنام […]
فضفضات رمضانية/ هشام محمد
1
اخبرني صديق أنه استمع إلى امرأة، اتصلت هاتفياً ببرنامج ديني على احدى المحطات الإذاعية، لتقص على الشيخ الحكاية التالية: فيما كنت ارافق زائرة لي إلى باب الخروج، إذ بطفلي الصغير ينسل من بين يدي إلى الشارع. وما أن وصل الطفل إلى منتصف الشارع حتى دهسته سيارة كانت قادمة من الجهة الأخرى. تكمل المرأة قصتها: لم اقدر على اللحاق بطفلي، ولا النزول إلى الشارع لأنني كنت اقف مع زائرتي بلا عباءة (!)”. ثم ختمت المرأة اتصالها بسؤال الشيخ عن حكم الشريعة الإسلامية في تصرفها.
من المؤكد أن خوف المرأة هذه من العقاب الإلهي كان أقوى من عاطفتها نحو ابنها. ومن المؤكد أن خشيتها من العار الاجتماعي، فيما لو نزلت الشارع بلا عباءة كان أقوى من جزعها على طفلها. المتعارف أن الأم، يستوي في ذلك الإنسان والحيوان، على استعداد للتضحية بحياتها من أجل اطفالها لكن هذي الأم تصرفت على نحو مغاير وشاذ. لاحظ أنها تستفهم الشيخ عن موقف الإسلام من سلوكها، كما لو كانت تستفتيه عن حكم سماع الأغاني، أو نتف الحواجب، أو مصافحة أخ زوجها. لا يبدو أنها من سياق حديثها أنها كانت تشعر بوخز الضمير أو بحزن عميق. كانت تتطلع إلى الحصول على كلمات تبث في صدرها الطمأنينة، وتجعلها تنام ملء جفونها. فأي برودة دم حازت عليها تلك المرأة!
هذه الحكاية تلتقي موضوعاً بفاجعة انسانية مروعة يعود تاريخها إلى مارس 2002، عندما اشتعل حريق في مدرسة للبنات في مكة. حريق مروع أودى بحياة 15 طالبة، وتسبب في إصابة 50 طالبة. شهود عيان أفادوا للصحف وقتها أن رجال الحسبة (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) قد منعوا رجال الإطفاء من الدخول (ربما خوفاً من وقوع المحظور)، كما أنهم منعوا الطالبات الهاربات بجلودهن من الخروج من دون العباءات. ربما كان من المقدر أن يتصاعد الموقف لولا تدخل مسؤول حكومي رفيع، معروف عنه بمناصرته للتيار الديني، كذّب فيها رويات الشهود، فقضى على النار وهي في مهدها.
كلٌّ من المرأة وجهاز الهيئة قد تسببا في دهس الصغير واحتراق 15 طالبة في اعمار الزهور. لكن كلاً من المرأة وجهاز الهيئة ضحايا قبل أن يكونا مذنبين. إنهما ضحايا لفكر ديني مشوش ومريض ومتزمت. كلاهما ضحايا لفكر ديني يقدم الموت على الحياة، والعقاب على الثواب، والنار على الجنة، والمظهر على المخبر، والشدة على اللين. كلاهما ضحايا لفكر ديني مفرغ من الانسانية والرحمة والمحبة والحياة. كلاهما ضحايا لفكر ديني مشحون بالكراهية والتطرف والاستهتار بالحياة. لو لم يزرع في رأس تلك المرأة أن العباءة هي رمز عفتها وتاج وقارها وتذكرتها إلى جنة الأعراب، لما تسمرت في مكانها، وظلت تراقب طفلها يموت بين يديها دون أن تفعل أي شيء بالمرة. ولو لم تبرمج عقول العاملين في هذا الجهاز الإجرامي على أن الأنثى مشروع ضحية وحبل ابليس ومصدر للإغواء والفتنة، لما تركوا تلك الأرواح الطاهرة والأجساد الغضة طعماً للنار.
2
سأل رجل سلوفاكي صديقه المفكر نضال الصالح في كتابه الرائع والموسوم ب” المأزق في الفكر الديني بين النص والواقع” قائلاً: كيف ترى الله أنت وكيف تتصل به؟ فقال له مفكرنا: إنني أرى الله في كل شيء جميل. أراه في عيون الأطفال وفي ابتسامة أمي. أراه في الأنهار وفي أمواج البحار. أراه في قمم الجبال وفي سهول الوديان. أراه في الزهور والورود والأشجار. أراه في عظمة الغابات وفي خضرة الأشجار. أراه في موسيقى بدريخ سميتانا ودفورجاك وأماديوس موتزارت وغيرهم. أراه في تجويد القرآن وفي غناء فيروز وأم كلثوم ووديع الصافي.
هل يرى الشيخ المطلق والفوزان والعمر والقرني والعريفي ورجال الهيئة وتلك المرأة المذكورة وجل الناس هنا الله في تلك الصورة الجميلة والأخاذة التي يراها نضال الصالح؟! هل يبدو لك السؤال مضحكاً؟ اعتقد أن الله العربي هنا لا يختلف عن يهوه التوراتي المتعصب والغيور والمولع بالقتل والتدمير إلا في الاسم. أما أنا شخصياً، فأنا أرى الله في جسد مدينة الرياض المصنوع من الإسمنت. أشمه في رائحة الدخان والغبار المنبعثة من مسامات تلك المدينة القاسية. أراه في تلك الوجوه التي غزتها اللحى واستوطنتها الكآبة. أراه في اجساد النساء المشطوبة بالسواد. أراه في ملصقات الأدعية والإذكار والاستغفار المزروعة على الجدران والأبواب والشبابيك والمناضد والأعمدة والمصاعد وأجهزة الصراف الآلي. أراه في غابات المآذن. وأسمعه عبر مكبرات الصوت وضجيج المنابر. أراه في طوفان الفتاوى وفي انحباس الأفراح. وأراه في غياب الرقصات وفي سكوت الأغاني. عذراً نضال ليتني اقدر أن ارى الله الجميل والمحب واللطيف والودود والحنون كما تراه. أنا لا استطيع أن أراه بكل هذه الجاذبية والسحر مهما بلغت ابتسامات عمرو خالد وطارق السويدان ومحمد العوضي ومحمد العريفي اقصاها.
3
اقبل رمضان، واقبلت معه الأسئلة والفتاوى الموسمية. ما حكم بلع الريق نهار رمضان الله يجزاك خير؟ هل تنظيف الأسنان بالفرشاة ينقض الصيام يا شيخ؟ ما حكم الاستمناء قبل الإفطار؟ هل مداعبة الأهل (= الزوجة) نهار رمضان يقتضي كفارة؟ وهل رش العطر يبطل الصيام طال عمرك؟ ولو قدر لك أن تعيش ألف عام، فسوف تستمع إلى نفس الأسئلة البلهاء وإلى نفس الإجابات المكررة.
ما الذي تشي به تلك الظاهرة؟ أولاً: عزوف الناس عن القراءة، واستنكافها عن البحث، وسعيها وراء الإجابات الجاهزة السهلة. ألا يعكس هذا السلوك غلبة الثقافة الشفهية منذ العصر الجاهلي إلى الآن بالرغم من الثورة التقنية التي جعلت أي معلومة مجانية ومتاحة بكبسة زر. ثانياً: تعاظم دور رجل الدين وانتفاخه بشكل غير معقول، لدرجة التفكير نيابة عن الناس، والتدخل الفاضح حتى في أدق التفاصيل وأتفهها. ثالثاً: زيف ما يشاع من أن الإسلام دين يسر. ولو كان الإسلام يسيراً ومفهوماً حقاً لما احتاج المسلمون إلى جيوش جرارة من الشيوخ والمفتين وإلى العشرات من القنوات الدينية ومثلها من البرامج الإذاعية والملايين من الكتيبات والمطبوعات الدينية. وكل عام وانتم بألف خير!
affkar_hurra@yahoo.com
17 أغسطس 2010
أتفق معك في معظم ما قلت. نحتاج لنهضة فكرية تنويرية شاملة في الوطن العربي برمته. ولكن لا أوافقك في سياسة إقفال الباب ورمي الكلام المطلق فيما يخص الدين والمتدينين. كأن تقول بأن الدين الإسلام ليس دين يسر، فهذه مغالطة من ناحيتين:
الأولى: يستحيل إثبات ذلك أو نفيه بل يعتمد ذلك على فهم كل شخص أو طائفة لذلك الدين
الثانبة: مثل هذه العبارة تقفل الوجه أمام الليبراليين أنفسهم بينما يحاولون إصلاح المجتمع. فبذلك يضعون المجتمع أمام حلين اثنين: دين أو لا دين فقط، ثم تغرقهم في أوهام المؤامرة وأن الليبرالي شخص عميل دخيل مأجور للغرب.
برأيي المتواضع فإن أول خطوة يبدأ بها إصلاح المجتمع هي إبعاده عن التفسيرات المتشددة للدين واعتماد تفسيرات حداثية معاصرة(كالصوفية وأهل التبليغ في حالة الدين الإسلامي). قد يخون هذا المنهجُ بعضَ المكونات المتشددة الأصلية في الدين نفسه كالحدود(والتي لا أنفي وجودها) ولكن النتيجة شخص متدين لا يضر غيره (علماني).
حتى كبار المفكرين والملحدين لم يرموا الدين في الحاوية على الإطلاق، كفرويد وماركس.
باعتقادي، مهمة الملحد المتنور هي مهمة تربوية (دون إهانات) في حق العوام وقد تكون ردعية حادة في حق المتشددين (كحكام السعودية وإيران ومتطرفي بعض المذاهب)
الخلاصة: العلمنة خطوة تسبق اللحدنة فيما يخص المجتمع. والعلمنة مسيرة تربوية لا قمعية كما نرى في تونس وتركيا.