يوسف أبو وردة في”ابن رابعة”: على خلفيّة شديدة الواقعية
جاءت هذه المقابلة مع الممثل يوسف أبو وردة، ممثل مونودراما “ابن رابعة”، شديدة التأثّر بأزمة مسرح “الميدان” الراهنة، طرقتْ جوانبها وحفرت في جذورها، وحاولت البحث عن مسارات خيوط كثيرة لها، ممتدّة إلى عناوين لا تقتصر على المؤسّسة السياسيّة وحدها، رغم مركزيّتها، في إنشاء السيرورة التي أنتجت الأزمة الراهنة في الميدان
.
|هشام نفاع|
|تصوير: سهير عبيد زعبي|
على الرغم، ومن قلب الأزمة التي يتعرّض لها مسرح “الميدان” في حيفا، خرج عمله الجديد “ابن رابعة”. مسرحية مؤلفة من نصوص للكاتب الراحل سلمان ناطور، جاءت تكريمًا لذكراه وأثره، الثقافيّ والأدبيّ والسياسيّ. وقد جاءت هذه المقابلة مع الممثل يوسف أبو وردة، ممثل مونودراما “ابن رابعة”، شديدة التأثّر بأزمة المسرح، طرقتْ جوانبها وحفرت في جذورها، وحاولت البحث عن مسارات خيوط كثيرة لها، ممتدة الى عناوين لا تقتصر على المؤسّسة السياسيّة وحدها، رغم مركزيّتها، لعنصريّتها!، في إنشاء السيرورة التي أنتجت الأزمة الراهنة في الميدان.
فيما يلي نصّ المقابلة، مع بعض التوقفات والتعليقات، للضرورات المعلوماتية أحيانًا، وتوسيع مساحة الضوء أو مساحة المشهد، لو استعرنا من المسرح مفرداته.
■ ليس من السهل الإنشغال في إنتاج مسرحي من داخل أزمة مسرح يتم تعطيل دعمه وعرقلة ميزانياته.
أبو وردة: “إنّ أزمة تعطيل الدعم لم تكن طارئة ومستجدّة؛ فالمسرح كان في أزمة مستمرة منذ سنتين. وعلى الرغم من أنه تقرر حسب الاتفاقية مع وزارة الثقافة أن يتلقى ميزانيته، فالأزمة تواصلت. هذا مع أنه على أساس تلك الاتفاقية تم انتخاب هيئات المسرح الجديدة ومديره العام الجديد الممثل عامر حليحل. أي اعتمادًا على أنّ هناك أساسًا لميزانية سيتسنى العمل وفقا لها.”
“هناك فئات تقول إنها لا تريد إقحام نفسها فيما يريده العرب وما يسعون إليه من عمل مستقلّ، لكن هذا ليس مبررًا لمن يعتبر نفسه تقدميًا… فعدم القيام بأيّ شيء هو موقف سياسي أيضًا”
■ أي أنّ جوّ الأزمة قائم منذ البداية.
أبو وردة: “الأزمة ليست متعلقة بأمور إداريّة فقط لأنّ جوّ الأزمة قائم طيلة الوقت بسبب النوايا السياسيّة المبيّتة. وهدف هذه النوايا واضح وهو: إغلاق المسرح. فمسرح “الميدان” ليس لديه قوة مدخول ذاتيّ لكي يقف لفترة طويلة على قدميه. بالمقابل فإنّ أيّ مؤسّسة يهودية تعتمد على أموال وميزانيات دولة وكانت تعاني معيقات إدارية، فإنها ستتلقى من الوزارة ما يمكن تسميته “دفعة على الحساب”. هذا لم يحدث. وكما قلت: المسألة متعلقة بالنوايا. فلو توفرت لكانت الأمور أسهل بالطبع، بل لم تكن مشكلة أصلًا. نحن نتحدث عن مؤسسة هامة. ويفترض بوزارة تسمى وزارة ثقافة أن تحمي مؤسسات ناجحة من هذا النوع، ولا يعقل أن يكون هدف وزارة الثقافة هو محاربة الثقافة، لكن هذا ما يحدث.”
■ ذلك هو المفروض في دولة طبيعيّة.
أبو وردة: “نعم، إنها سياسة حكومية عامة ليس ضد مسرح “الميدان” فقط لكننا هنا الحلقة الأضعف. فنحن لا نشكل مخزونًا إنتخابيًا للوزيرة، ولا حتى لمن يتعاطفون معنا، ممّن يُسمّون “يسارًا صهيونيًا” والذي أعتبره “يمينًا منضبطًا”. نقابة الممثلين أصدرت بيانًا، وكذلك فوروم المؤسّسات الثقافية، ليس أكثر. إستنتاجي من هذه المواقف غير الواضحة هو أنّ هناك فئات إيجابية فعلًا، ولكنها لا ترى ذاتها فيما يجري. مع أنها يجب أن تخشى من هذه السيرورة.”
■ ما سبب هذه المواقف؟
أبو وردة: “هناك فئات تقول إنها لا تريد إقحام نفسها فيما يريده العرب وما يسعون إليه من عمل مستقلّ. لكن هذا ليس مبررًا لمن يعتبر نفسه تقدميًا. فعدم القيام بأيّ شيء، وليس فقط الإعلان عن موقف بواسطة عمل أو بواسطة تصريح، هو موقف سياسي أيضًا. هذا الصمت هو موقف. مثلا: لقد تحدثت مع فنانين يهود واقترحت عليهم أن ينظموا وقفة احتجاجية لمدة ساعة واحدة أمام مقرّ وزارة الثقافة في تل ابيب، حتى ليس القدس لكي لا يضطرّوا للسفر. لكنهم يقولون: لا، نحن مستعدون لتنظيم وقفة كهذه في “الميدان”. لكن المسرح في حالة إضراب. والسؤال لماذا يرفضون؟ برأيي إنهم يريدون إخضاع كل فعالية احتجاجية لتصوّرهم وإرادتهم ورؤيتهم. في النهاية هم أنفسهم يشكلون صلب المؤسسة الفنية.”
تحدّيات الإتباع والوصاية
رؤية “الإتباع” لدى شرائح يفترض أن تكون تقدمية بالفعل كما القول، تعيد أبو وردة، الذي كان أول مدير للمسرح في صيغته الأولى، الى البدايات. فيقول: حين تأسس المسرح، منذ البداية، اقتـُرح علينا أن يكون ملحقا بمسرح حيفا البلدي العبري. لكننا قلنا لهم إننا لا نريد أن نكون مسرحًا ناطقًا بل مسرحًا منتجًا يقرر لنفسه كيف يصرف وماذا يفعل، وهذا هو العمل المسرحي الكامل. ولكننا، وفقا للعقلية السائدة أمامنا، لا نزال في نفس الخانة: معرّضون ومطلوبون للوقوع تحت الوصاية”.
“الآفة الكبرى تأتي من مجتمعنا، من جهة تصوّرنا لأنفسنا… فقد فرضنا على المسيرة الفنية عُقدًا هي بالغنى عنها… هناك جهات مرتبطة بمؤسسة الثقافة الرسمية بفرعها العربي أرادت أن تفرض على المسرح منذ بدايته خطابًا عينيًا وأشخاصًا معينين. والأحزاب الوطنية نظرت إلى المسرح كواحد من مراكز القوى التي يجب الحضور فيها وربما السيطرة عليها”
■ تعني أنهم يتصرفون كالمؤسسة السياسية؟
أبو وردة: “أنا لا اقول إن هذه الفئات لا تختلف عن المؤسسة التي تمثلها الوزيرة، إنهم فعلا مختلفون من ناحية الخطاب. هناك نوع من الكونية في خطابهم، ولا يستهدفون مجموعة معينة. لكن عدم تحرّكهم يقع في الخانة السلبية. حين خرجنا أنا والممثلين والممثلات من جيلنا، من المسرح العبري كانت هناك مشاركة للعربي كممثّل وكمضمون. أي أنّ الممثل العربي كان حاضرًا، وكان المسرح يتطرق لقضايا تخص العرب من إحتلال وعنصرية… إلخ. وقسم كبير من المسارح -مثل مسرح حيفا وبئر السبع ونفيه تسيدك وحتى الكاميري- كان يسود فيها هذا الجوّ. نحن لم ندخل ذلك المسرح في منظومة الترفيه. كان هناك المسرح التجاري المنبوذ وبالمقابل المسرح الجادّ الذي يثير نقاشات ولا يتملق الجمهور. ولكن في الوضع الراهن، هناك انتقال حاد. ما كان عمليًا المقولة السائدة للمسارح الرائدة، لم يعد مقبولًا حتى في المسرح التجريبي، حتى في الفرينج.”
■ لماذا، أهو تسليم أو خنوع؟
أبو وردة: “كان هناك تعب، هناك من لم يعد قادرًا على الدخول في مواجهات. صار الجمهور محرَّضًا أكثر. وظهرت بقوّة أكبر مسلسلات التلفزيونات والترفيه وما شابه.”
■ متى بدأ هذا التحوّل؟
أبو وردة: “التغيير بدأ يظهر في فترة الانتفاضة الاولى (1987) وما بعدها. في تلك الفترة وما بعدها قبيل التسعينيات، بدأت عملية تحييد للمواضيع الخلافية، لكلّ ما يخص أسس الصدام بين عرب ويهود. البعض قال: نحن نبتعد لأنه مهما فعلنا فلن يصل ما سننتجه الى درجة ما يجري في الواقع، ما تفعله الانتفاضة. ولكن في هذا الوقت بالذات، عاد آخرون ممن لم ينشغلوا بإنتاج المسرح السياسي الى إنتاج المسرح السياسي، بالذات، كمقولة. ومنهم المسرحي حانوخ ليفين في مسرحيته “قتل” عام 1994.”
■ ونحن، مجتمعنا، كيف تعاطى مع أزمة المسرح أو ازماته.
أبو وردة: “المشكلة أو ربما الآفة الكبرى هي من جهة مجتمعنا، من جهة تصوّرنا لأنفسنا. نحن أمام مشكلة عويصة، فقد فرضنا على المسيرة الفنية عُقدًا هي بالغنى عنها، بل كان يفترض بالمسرح أن يلعب دورًا في تفكيكها، لا أن يتورط فيها. هناك جهات مرتبطة بمؤسسة الثقافة الرسمية بفرعها العربي أرادت أن تفرض على المسرح منذ بدايته خطابًا عينيًا وأشخاصًا معينين. ومن جهة أخرى من ناحية الاحزاب الوطنية تم النظر إلى المسرح كواحد من مراكز القوى التي يجب الحضور فيها وربما السيطرة عليها. وفيما بعد بدأت هذه التوجّهات تعزّز أشكالا من التعصّب والقبليات وما شابه. أي أنّ المسرح كان يعاني أيضًا على صعيد المجتمع الذي يريد أن يعمل فيه ولأجله.”
“المسرح حسب رأيي يوازي في الأهمية قضايا كبرى مثل البيوت وقرانا المهجرة والأرض والعنف لأنّ المسرح القادر على التعبير عن هذه القضايا، والذي يضع في صلب رؤيته التعبير عنها مثلما يفعل “الميدان”، هو بنفسه قضية لا تقل أهميتها عن تلك القضايا الهامة نفسها”
■ وجمهور الممثلين/ات والمخرجين/ات وسائر فنيّي/ات المسرح العرب، كيف ترى دورهم هنا؟
أبو وردة: “أنا لا أريد أن أفرض على أيّ منهم واجب الذهاب في مسار واحد، بالضبط مثلما أطالب السياسيين بعدم فرض لون واحد. في النهاية، هذا مسرح صغير وفقًا لما يتلقاه من ميزانيات، وبدلا من أن تتسع إمكانياته فقد ضاقت. مثلا الميزانية في البداية، مع انطلاق المسرح، كانت 4 ملايين شاقل سنويًا، مع ترشيح للزيادة. لكنها اليوم تراجعت للنصف والميزانية لا تتعدى مليوني شاقل. هذا منع المسرح من التحوّل الى مسرح للجميع. إنه غير قادر على استيعاب العدد الاكبر من الممثلات والممثلين والمخرجين والفنيين. وحتى يكون قادرًا على القيام بما يتوقَّع منه وما يسعى إليه فيجب أن يأخذ ليس ما يعادل نسبيًا ما تأخذه المسارح العبرية فقط، بل أكثر. تلك المسارح تعمل في عدد من مراكز المدن أما نحن فيتوجب علينا أكثر أن نتجول بالمسرحيات، وهذه تكاليف اضافية وجدية.”
في سياق علاقة مجتمعنا بالمسرح، أو العكس ربما، المسرح بالمجتمع، يشير أبو وردة إلى “جانب آخر من مشكلة تعاطينا نحن مع المسرح، وهو الوزن الذي نخصصه له. المسرح حسب رأيي يوازي في الأهمية قضايا كبرى مثل البيوت وقرانا المهجرة والأرض والعنف لأنّ المسرح القادر على التعبير عن هذه القضايا، والذي يضع في صلب رؤيته التعبير عنها مثلما يفعل “الميدان”، هو بنفسه قضية لا تقل أهميتها عن تلك القضايا الهامة نفسها”.
المقولة التلخيصية وفقًا لأبو وردة في هذا السياق: “طالما أن المسرح ينتج ويعمل داخل القانون ولا يخترق القانون السياسي والمدني والجنائي، فيجب عليه التمسك برؤيته. خلافًا لهذا سيصبح المسرح بوقًا. ولمن؟! لميري ريغف؟! نحن في وضع لدينا خصوصيات كثيرة أهمها القضية والصراع بين شعبنا وبين الدولة، وإذا تنازلنا عن هذا مسرحيًا ودراميًا ومضمونيًا فما الذي سيتبقى لنا؟ إنّ المسرح قادر على الحشد وتجنيد الميزانيات لكن هذه ليست المشكلة. نحن قادرون على العثور على مصادر بديلة للميزانيات التي يفترض تخصيصها من مؤسّسات الدولة، لكن المشكلة أنّ هذه الميزانيات هي لنا، هي أموالنا، وهي منّا. ودور الموظف الحكومي يجب أن يقتصر على تقديم الخدمة وليس أن يسدي لي معروفًا أو يفرض عليّ مواقفَ. أنا أرى أنّ نضالي على المسرح جزء من نضالي على وجودي وحقوقي ثقافيًا معنويًا وسياسيًا. الدولة ليست إلا أدة تسيير وتيسير لا أكثر. خلافًا لهذا ستتحول إلى نظام فاشي يشترط المضمون مقابل تخصيص الأموال المستحقة لأصحابها”.
■ من هذه الصورة المركبة، التي يتواصل فيها شلل مسرح مركزي بسبب موقف سياسي، موقفه هو وموقف المؤسسة منه، يتضح أن جذور الأزمة تعود الى تحوّل جذري أشرتَ اليه في المجتمع الاسرائيليّ.
أبو وردة: “نعم، نحن نتحدّث عن تحوّل جذريّ وجوهريّ. هناك ما يشبه تيارات تحت أرضية تتفاعل في المجتمع الاسرائيليّ، لم تبدأ منذ اليوم. هناك من يريد إعادتنا الى دور صحن الحمص في أفضل الأحوال، بل هناك من يُفاجَأ بأنك ما تزال تتعامل بجديّة مع خصوصيتك الثقافية والسياسية في عملك وإنتاجك. تلك التيارات التحت-أرضية تفرض سيطرتها الآن على كل المفهوم. لقد كانت لي تجربة في التلفزيون التجاري وهذا في فترة تقلص وتهميش اهتمام المسرح بالقضايا الخلافية، السياسية. شاركتُ في أحد المسلسلات من منطلق رؤيتي وجوب حضور العربي بهذا النوع من الإنتاج السائد، ولكن المفارقة أن أحدًا لم يميّزني على أنني عربيّ! رويدًا رويدًا بدأت أشعر وأدرك أنني في مسلسل تجاري ذي نمط مضمونه الكامل يميني: يقدس الغنى والقوة والمادة والاستعراض ويحاول السيطرة على ذهن الجمهور وليس إثارة أيّ تفاعل مع وعي الجمهور.”
“أرى أنّ نضالي على المسرح جزء من نضالي على وجودي وحقوقي ثقافيًا معنويًا وسياسيًا. الدولة ليست إلا أدة تسيير وتيسير لا أكثر. خلافًا لهذا ستتحول إلى نظام فاشي يشترط المضمون مقابل تخصيص الأموال المستحقة لأصحابها”
حكاية “أحمد ابن رابعة“
مسرحية “ابن رابعة” صعدت الى الخشبة على درجات هذا الوضع المخيّم على المسرح. ويعرّفها المسرح في أحد منشوراته كالتالي: “ينشغل الكاتب سلمان ناطور في عدة محطات من حياته الأدبيّة بخلق شخصيّة أحمد ابن رابعة، ليروي لنا عن طريقه قصة شخصية كادحة تعاني كل أشكال القمع والتمييز واليُتم. تحاول المسرحية أن تعيد صياغة الشخصيّة على خشبة المسرح وفهم تكوينته ومأساته بسخرية وحس فكاهة ونقد كبيرين، حيث تمر في محطات عدّة بحياته نرى من خلالها ليس فقط قصته الخاصة انما نرى أيضاً تراكمية قصتنا الجمعيّة، قصتنا اليوميّة البسيطة المهمّشة في مشهدنا. فيأخذنا الممثل يوسف أبو وردة في رحلة مسرحيّة ساخرة وناقدة مع ‘أحمد ابن رابعة’ ليروي قصته في يوم مفصلي في حياته حيث يقرر أن يتمرّد ويتحرر من كل أشكال الخوف والقمع التي رافقته كل حياته”.
وعنها يقول ممثلها: “لقد كان اختيار المسرحية أولا كتكريم لذكرى الكاتب الراحل سلمان ناطور. ومثلما هناك قصائد المناسبة فهذه مسرحية مناسبة، لقد تم أخذ مواد كتبها ناطور لنحاول إنتاج عمل منها تكريمًا لذكراه. لقد شكّل هذا معظم تسويغ العمل والموافقة عليه، ولكن ظلّ، وما زال، هناك ما يجب العمل عليه أكثر. إنّ مسرحية كهذه حتى تكون مُرضية بحاجة الى العمل عليها سنة قبل العرض، ولكن في ظروفنا كان لدينا شهران أو ثلاثة أشهر على الأكثر، بحيث لم يتم استيفاء عملية البحث المعمقة. والمسرحية برأيي قابلة للبلورة أكثر والتطوير أكثر خلال عروضها القادمة. فأنت على المسرح نوع من أنواع الساحر. إذا خفّ السحر وظهرت الخيوط فإنّ هذا سيوقع العمل في إشكالية، ولكني على يقين بأننا في العروض القادمة سنتمكن من إخفاء الخيوط أكثر ليظهر السحر المسرحي أبهى.”
■ هل جاء إختيار المونودراما بالذات كنوع مسرحي، ضمن الأوضاع التي نتحدث عنها؟
أبو وردة: “لفترة طويلة لم أعتبر المونودراما أو المسرحيد مسرحًا، بالذات لأنه “مونو”. اعتقدت أنّ هذا نوع من المسرح الذي يتطابق مع عقلية السلطة الوحيدة، الفكرة الوحيدة والمقولة الوحيدة، بحيث أن الصراع يكون موجودًا لكنه ينحصر داخل الممثل الواحد؛ الصراع الذي يراه أو يخوضه سواء مع نفسه أو مع آخرين. ولكنه مع ذلك يظل اعتبارًا واحدًا وشخصًا واحدًا. ونحن بالذات نحتاج الى مسرح فيه ألوان مختلفة وتعدديّة شخصيات وصراعات. جمهورنا بحاجة الى رؤية مشهد مركّب لنتعود على إظهار ورؤية حقيقة مركبة. عمومًا، للمسرحيد وجود وحاجة وخصوصية، وأن تقرر إنتاج مسرحيدية، فمعنى ذلك أن لديك شيئا كممثل وكمخرج لكي تقوله. في مسرحيدية “طه” مثلا عبّر الممثل عامر حليحل عن اهتمامه وحبّه لهذا الشاعر وهذا الشعر وتجربته. الأمر شبيه بالتعاطي مع سيرة حياة سلمان ناطور وإخلاصه لما قام به ولما كان فيه. كان هذا السبب كافيًا كمبرر وتسويغ وشرعية لمسرحيدية “ابن رابعة”. أقول هذا مع التنويه والتذكير بما قلت: هناك قيمة كبرى للعمل الجماعي ومهما كان الممثل الواحد بارعًا ومع دافع قوي لعمله، يظل العمل الجماعي أفضل، مسرحيًا ومشهديًا ودراميًا.
“لقد قيل أحيانا على سبيل المديح إننا من أكثر الشعوب والمجموعات إنتاجًا للمسرح الوحيد. لكني أقول إنّ السبب ليس اختياريًا بل بسبب محدودياتنا المادية، مكره أخوك لا بطل. تاريخيًا، المونودراما ومسرح الوحيد يعودان الى عدة قرون مضت حين كانت تعرض مسرحيديات المواعظ، مسرحيات السلطة والمؤسّسة، فجاء مسرح أو نمط ما هو بمثاة بهلوان اللعب بالكُرات، لكي يفضح مآرب ذلك المسرح السلطوي. ولغرض جذب الجمهور صار يبحث عن طرق فنية لحشد جمهور أكبر ممّا في المسرح الطاغي. هذا هو التمييز والفصل بين مسرح يثير خيال الجمهور ومسرح يهيمن عليه. مسرح فيه ممثل يستحضر حالات وشخصيات متنوعة ومختلفة، في مواجهة مسرح يعطيك الأمور بالملعقة. ولذلك أقول: إنّ المونودراما رغم كل الظروف لها حاجتها وتسويغها، وفي الظرف الحالي للمسرح هناك حالات مفروضة. مرة أخرى نحن أمام خيارات: مسرح يلقن مقابل مسرح يثير الخيال، بل يخرج الجمهور بالوعي العميق من حالة المتلقي؛ ما بين مسرح يتسلّط على فكر الجمهور وآخر يريد جمهورًا فعالا وفكرة فعالة وخيالا فعالا. وهذا هو خيارنا.
____________________________
“إبن رابعة” ■ نصوص: سلمان ناطور؛ إخراج: مكرم خوري؛ تمثيل: يوسف أبو وردة؛ إعداد: عامر حليحل؛ ديكور: اشرف حنا؛ موسيقى: حبيب شحادة حنا؛ إضاءة: معاذ الجعبة؛ مديرة انتاج: خولة ابراهيم؛ مساعدة مخرج: مجد عيد؛ انتاج: مسرح الميدان.