افتتاح مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام: سعي للتواصل وتوفير المنصّة المفقودة
في المؤتمر الصحفي لافتتاح المهرجان شدّد المنظمون على أهمية المهرجان الثقافية والسياسية للفلسطينيين في الداخل، مقابل العلاقة الإشكالية مع مهرجانات في العالم العربيّ ■ الجعفري: نحن بحاجة لتطوير الجمهور وتثقيفه، والمهرجان قادر على خلق جمهور
|خاص بـ “قديتا” و”فسحة”|
في مؤتمر صحفي عُقد في مسرح “خشبة” بحيفا، اُفتتح عصر اليوم الاثنين مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام بدورته الثانية، التي ستتنوع عروضها ونشاطاتها بشكل ملحوظ وأكبر من الدورة الأولى العام الماضي.
وتشمل هذه الدورة 45 فيلمًا تراوح بين روائيّ طويل وقصير ووثائقيّ وتجريبيّ، وأفلام لطلاب سينما (قائمة الأفلام الكاملة)، تتخلّلها ندوات وورش حرفيّة مع مهنيّين وحرفيّين فلسطينييّن يعملون في مجالات شتّى في الصناعة السينمائيّة: أيهاب أبو العسل للتصوير السينمائي؛ وكمال الجعفري حول “خارج إطار الصورة: إعادة بناء الصورة”؛ وفيلم لاب فلسطين مع حنا عطا الله؛ ومحاضرة وحوار مع أندرو كارش حول التعبير في عصر التسارع والنزوح؛ ومدخل لعالم الصوت في الأفلام يقدمها رجا دبية وإبراهيم زهر. وستجرى العروض في مسرحي “خشبة” و”الميدان” وبار “كباريت” ونُزل “الياخور”.
ويستضيف المهرجان هذه السنة المخرج الفلسطيني كمال الجعفري بفيلميْن له هما “السطح” و”استذكار/ استعادة”. وقال الجعفري في المؤتمر الصحفيّ عن عرض فيلميه ووجوده ضيفًا: “من الهام جدًا وجود فعاليّة كهذه في حيفا، لأنها تشكّل استمراريّة وواجهة للعمل السينمائيّ. هناك العديد من المهرجانات في العالم للفيلم الفلسطينيّ والعربيّ، وأنا لديّ ثلاثة أفلام طويلة صُوّرت في فلسطين، ولكنها لم تعرض هنا من قبل. أنا لديّ موقف بعدم المشاركة في المهرجانات الاسرائيليّة، ووجود هذا المهرجان هامّ جدًا لتطوير جمهور فلسطينيّ محليّ للسينما”.
ويرى القائمون على المهرجان، أيضًا، هذه الأهمية بعرض الإنتاجات الفلسطينيّة التي لا تُعرض عادةً في فلسطين، وهو ما عبّرت عنه طالبة السينما عائدة قعدان، حين قالت عن عرض فيلمها القصير “فراولة”: “أنا أشعر بأنّ العرض الأول لفيلمي هو عرض “صحّ”، فهو يُعرض أمام أهلي وناسي وفي بلدي”.
وحول ازدياد الحضور العربيّ والفلسطينيّ في هذه الدورة، قال روجيه خليف، أحد المنظّمين: “بعد الدورة الأولى ونجاحها، انكشفنا على مخرجين أكثر. وهذه السنة أضفنا الورش والضيوف ووسّعنا أماكن العروض”. وقالت لينا منصور من المنظمين: “هذه الدورة ارتفع عدد الأفلام من 13 إلى 45 فيلمًا، وأولينا تفكيرًا معمّقًا أكثر من ناحية ترتيب واختيار الأفلام. وخصّصنا هذه الدورة فقرات لأفلام فلسطينيّة قديمة لأيليا سليمان وهاني أبو أسعد، وغايتنا أن نكبر ونتوسّع”.
وقالت جونا سليمان من المنظمين حول اختيارات الأفلام: “اخترنا أفلامًا تقليديّة وأخرى تجريبيّة. حاولنا أن ننتج تنويعة باللغات السينمائيّة، تلك المستقلة وتلك ذات الإنتاج التقليديّ والتجاريّ”.
يُصرّ منظّمو المهرجان على ضرورة استقلاليّة المهرجان، وهم يتلقون دعمًا من رجال أعمال فقط، ولا يتلقون الدعم المؤسساتي، ولا الدعم الإسرائيليّ، من أجل ضمان الاستقلالية المضمونية وعدم الدخول في إشكاليات التطبيع. يقول عايد فضل من المنظمين: “كانت لدينا صعوبات بالتواصل مع فنانين من العالم العربي، والأمر نبع خاصة من أزمة ثقة. فأيّ تواصل ثقافيّ يحمل الخوف من الجهة الثانية، وهي تتمحور في مشاكل التطبيع. المهرجان يأتي لبناء الجسور خصوصًا مع الجيل الجديد”. وقالت لمى سليمان إنّ شركاء المهرجان يدعمون فكرة الانتاج المستقلّ، “ونحن نرى فيه جزءًا من تدعيم بناء حيفا كعاصمة ثقافيّة آخذة في التبلور”. جونا سليمان: “بخصوص التمويل الإسرائيليّ، هناك اعتماد كبير هنا على هذا التمويل، خصوصا لتمويل الفيلم الأول. المشكلة أنّ السينمائيّين مضطرون لهذا التمويل للحصول على تمويل مكمّل من الغرب. أغلب المخرجين من الداخل يفضلون العمل من دون تمويل إسرائيليّ، وهناك هجوم داخليّ على من يأخذ هذا التمويل. الهدف إطلاق حوار حول هذه المواضيع، وضرورة إيجاد بدائل” (يوم السبت سيُعقد نقاش مفتوح تحت عنوان: اتفاقيات التمويل، نعرض أو لا نعرض؟!”).
ويرى الجعفري أنّ استمرارية المهرجان أمر هام جدًا: “هذه مسألة صعبة لأنها بحاجة لدعم وتمويل. ولكن لديّ شعور بأنّ هذه البداية ستستمرّ، ونحن بحاجة لتطوير الجمهور وتثقيفه، فالمهرجان قادر على خلق جمهور، من خلال حضور طلاب المدارس والجامعات، وهذا سيؤثر على الانتاج الفلسطينيّ بالضرورة. أعتقد أنّ طبيعة الانتاج السينمائيّ الفلسطيني ستتغيّر من خلال النقاش والتفاعل مع الجمهور”.
يُلاحظ من خلال برنامج المهرجان أنّ الأعمال التي اختيرت لا تخضع لثيمة واحدة، وهو ما أكّده المنظمون في المؤتمر الصحفيّ، في حين برز اهتمامهم الشديد من خلال أحاديثهم على التركيز على الجانب السياسيّ والثقافيّ الخاصّ بموقع فلسطينيي الداخل وخصوصية وجودهم في إسرائيل.
وفي سؤال حول خصوصية هذا المهرجان قياسًا بمهرجانات عربيّة أخرى، قال روجيه خليف: “أجرينا تعاونًا مع فيلم لاب برام الله، وهناك حديث مع مهرجانات في أوروبا ومهرجان فلسطيني وعربي في البرازيل، وحتى مع برلين. ثمة خطط مستقبلية لتكبير وتوسيع المهرجان من خلال توفير منح ومسابقات ومنصّات لعالم السينما”.
وتحدّث الجعفري عن غياب النقد السينمائيّ بشكل عام، وإذا وُجد فهو “إشكاليّ. فنحن نفتقد للثقافة السينمائية التي تتقبل النقد. فالأفلام التي تأخذ الجوائز تتلقى النقد الجيد وهناك مخرجون لا يجرؤ أحد على نقدهم”. وقال الجعفريّ إن تفاعله مع حيفا أكبر من رام الله: “حسب رأيي وجودنا هنا في حيفا له أهمية كبيرة حتى بالتواصل مع الضفة وغزة. وإذا جرى هذا المهرجان في رام الله فستقوم السلطة الفلسطينية بالسيطرة عليه. الحالة السياسية (هناك) وصلت درجة الانحطاط. أي فعالية في السلطة تصبح مظلة للوجود السياسيّ الحاكم”.
وتؤكّد خلود باسل طنوس من مسرح “خشبة” على أنّ “التجربة في “خشبة” منذ سنتين كمسرح مستقل، تفيد بأنّ الاستقلال الإنتاجي هو حتما استقلال فنيّ. فهي مقولة فنية وليست سياسية فقط… وبحسب الأجندة الفنيّة نختار التمويل المناسب للدعم. هذه نقطة انطلاق مختلفة كليًّا، وطريقي لا تمرّ عبرّ صناديق إسرائيلية”.
وبخصوص أماكن العروض، والسؤال عن التفكير في أماكن أخرى مثل الساحات والبيوت التاريخية في حيفا قال روجيه خليف: “السنة الماضية جلس الناس على كراسٍ بلاستيكيّة وسجاد. كانوا منزعجين من الظروف، لكن هذا هو ثمن الاستقلالية. وكانت فكرة لسينما مفتوحة مع سيارات، لكن الأمر يكلّف الكثير من النقود”. وتضيف جونا سليمان في السياق ذاته: “السينما في العالم عمومًا بدأت تضعف… تجربة السينما هي تجربة مهمة. المنصات الموجودة في خطر. وجودنا في هذه المساحات مهم لمشاهدة الأفلام”.
وقال المنظمون حول الجمهور من خارج حيفا وعدم حضوره للعروض إنهم فكّروا بالموضوع، لكن الموارد صعبة لتمكين عروض خارج حيفا، إلى جانب ضيق الأمكنة والقاعات لاستيعاب حضور كبير للعروض. لكنهم في المقابل عملوا على نشر إعلانات في الصحف وفيسبوك وتعليق بوسترات في أماكن أخرى خارج حيفا. وأضافت رشا حلوة، المنسقة الإعلامية للمهرجان: “يحظى المهرجان للسنة الثانية بتغطية إعلامية على مستوى كلّ فلسطين وفي وسائل إعلام مختلفة. نحن نلمس اهتمامًا واضحًا وتغطية مميزة وبارزة”.
ومن جهتها قالت لمى سليمان: “لقد أخذنا الأماكن خارج حيفا بعين الاعتبار، ولذلك ركّزنا عدد عروض أكبر في نهاية الأسبوع وبساعات مريحة.
أمّا السؤال الذي أثار بعض الحرج والبلبلة فكان عن دعوة جمهور يهوديّ إسرائيليّ أم لا. روجيه خليف: “الجمهور اليهودي مرحّب به، ولم نكتب أننا لا نريده… البرنامج موجود بالإنجليزي. نحن لا نمانع مشاركتهم. لكننا لم نتوجه لهم بشكل مباشر. علقنا بوستر في كلية فيتسو. وفقط”. وأضاف عايد فضل: “لم تكن حملة مخصّصة لليهود الإسرائيليّين. ليس لدينا مكان لديهم وهم لم يتوجّهوا لنا في نشاطاتهم، وهذه منصتنا نحن. نحن أحرار بتصميم المهرجان كما نريد ويستطيعون الحضور للمشاهدة”. وكانت خلود باسل طنوس أكثر وضوحًا بخصوص هدف المهرجان: “أنا حذرة برؤيتي للفعاليّات الثقافية وبرؤيتي كخلود من مشروع مستقل. كل مكان/ مجموعة/ مشروع يجب أن يحدّد هدفه المبلور والواضح، ولا يجب أن تقع كلّ الأعباء والمسؤوليات على نشاط واحد”.
وعن أهمية هذا المهرجان لطلاب السينما، قال طالب السينما بلال قرمان: “بشكل عام السينما تفتقر لدينا لمنصّة للعرض المحليّ. نحن كطلاب سينما في بداية طريقنا، وكونه مهرجانًا مستقلًا فلا يوجد أمامنا حدود لنصنع الأفلام التي نريد. لدينا نقطة انطلاق، وهذه النقطة صحّيّة جدًا. توجد مهرجانات فلسطينيّة وعربيّة في العالم، ولكنها غير متاحة للكثيرين للأسف”.