ترميم لوجوه محفورة: مقاطع/ مُحبّ جميل
عند كلّ نهار/ قبل أن يخرج من بيته/ يضع أسفل/ الباب/ ورقة/ مكتوب عليها/ فقط لمن يهمه الحزن…
>
|مُحبّ جميل|
قميص ما بعد حداثيّ
لم أحمل أختام المدينة
بفمي
أنا ابن القرية
المزهوّ بقميصه ما بعد الحداثيّ
.
حاولت التدرّبَ
على لعناتها المتكرّرة
وفي كلّ مرة كان يصيبني الدوار
.
كنت أجمع
آثار خطواتي فوق مكعّبات الرخام
فقط كي أسدّد فواتير قدمي
التي
احتملت وَحدتي بين الشوارع.
.
Nightmare
في اللّيلِ
حلمت أنني تمثال رمليّ على شاطئ مهجور
.
من بعيد
كانوا يلوّحون بفؤوس بلاستيكيّة حمراء
ودلو يمتلئ بالزبد
.
في الصباح
استيقظتُ ولم أجد أطرافي.
.
راية شمعية
الجنديّ
على الجبهة الأخرى
لا يحلم
بفاترينة من جماجم العدو
أو تذكُّر
أرقام خطط المناورة
الجنديّ
الذي يزرع خوذته وسادةً
وينصّب بندقيته
مظلَّة
الجندي
الذي يرى وجه زوجته في جوال الطحين
وأبناءه
يلعبون الكرة خلف المتاريس
.
لا يحلم
سوى بشمس نحاسيّة
وراديو
بموجة قصيرة لموسيقى فاغنر.
.
كيس بلاستيكيّ شفاف
سأظلّ أدور هنا
كمروحة بلا كتيّب تشغيل
.
أشيّد مدينتي الخاصّة
بما تبقى من زجاجات طفولتي
التي انسكب نصفها على قارعة الطريق
.
هذه الشوارع
التي أتدرّب فيها على فعل الوَحدة
جعلتني أفكّر في ترتيب الأسماء
التي قد تليق
بوجه يحمل شفاهًا معطلة
وعيناً لا تلعق الألوان
.
جسدي هزيل
ككيس بلاستيكيّ
ينتفخ كلَّما مرَّ نسيم بأحشائه
وينثقبُ إذا عبثتْ
أظفار فتاة.. بذراعيه.
.
عشاء أخير
جلسوا
إلى طرف الطاولة العسليّةِ
يتبادلون الحديث
عن شخص غائب
.
الجدُّ
في المنتصف تمامًا
والجدّةُ تجاوره بفستان مطرّز بالقصب
.
الجميع حاضرون
.
لحظة صمت
ويمرّرون ملاعق الحساء إلى شفاهم اليابسة
.
زجاج نظارته يلمع
في الصورة على الحائط
وياقة القميص ما زالت بيضاء
.
كنتُ
أعلم أنهم يحدّقون في الكرسي الشاغر
من طرف الصالة
.
هناك
بجوار الباب حيث اعتدتُ الجلوس.
.
Software
وضعتُ
علبة الماكنتوش الخاوية بجوار النافذة
زرعت فيها وردة بلاستيكيّة
وسكبت رملاً ملوّنًا
.
انتظرت
أن يأتي المطر
لكنّه غافلني وسقط بعيدًا
على صبّارة
تنبت زهورها
.
لم أعرف السبب
هل كان الخطأ في نظام التشغيل؟
.
فضاء
يومًا ما
قد أجد كوكبًا يتّسع لوَحدتي.
.
فأس
يكفيكَ أن تضع يدكَ
على ثقب القلب الذي عمّقه الوقتُ
كي تدركَ
أنّ ردم ذكريات مُرّة
يحتاج إلى فأس يسع جيشًا
من النمل الأبيض.
.
أمنية
أودّ
أن أسحب العالم من يده
إلى
أقرب حفرة ممكنة.
.
جموح
بأحذيتهم البلاستيكيّةِ
يركضون على الشاطئ
يشبّكون أصابعهم الصغيرة
باحثين عن قطرة مطر ما تزال ملونة.
.
فوتوغرافيا
على الجدار
صورة بالأبيض والأسود تجمعُنا
نجلس متجاورين
كيف لم أفكّر وقتها
في المسافة بيننا
أو ألحظ قطرات حارّةً ملوّنةً
ترشح مكان العينيْن؟
.
راهب
قلبه كاتدرائيّة خضراءُ
صلاته
أورغن عتيق
عيناه قُبة سماء
.
عندما مات
وجدوا رأسه معلّقًا على شذرة غيم
كناقوس.
.
بوسطة
عند كلّ نهار
قبل أن يخرج من بيته
يضع أسفل الباب
ورقة
مكتوب عليها
فقط لمن يهمه الحزن.
.
محاكاة
وجهكِ
الذي كان يتفتّح بين كفي
كوردة
ويصفرّ
كقرص بيض شبه مستدير
.
وجهكِ
الذي يحمرّ
كفراشة وجدت للتوِّ عطرها
ربما
ألتهمه كاملاً بقُبلة واحدة.
.
بلل
لم يبقَ للغريق
سوى أحلامه المبتلة التي تتصاعد لأعلى
كفقاعة
بحجم قارب نجاة.
.
هندسة فراغيّة
تجاعيد يد أمي
زوايا حادة.
.
ماراثون
فَكّر
في أن يحمل معه هذا الباب إلى محطّته القادمة
ربما
يفتح يومًا
على الذين يحبّهم.
.
جاذبيّة
في نهاية الأمر
الطائرة الورقية مرهونة بخيط.
.
محطات
انتظرتكِ طويلاً
هناك حيث أرصفة المحطات جرداء
وبلا شجيرة عنب
.
أضع
إصبعي على طرف الصفحة وأقلّب
في حكايات طائشة
أتساءلُ:
كيف يكون الوقت لا مباليًا هكذا؟
.
كلَّما
تأخرتِ كنت أضع لوح البسكويت
تحت لساني
كأرنب شارد
.
القطارات
تمرّ كأسماك نزقة
وأنا في عرض النهر أنتظر صفارة الإنقاذ
.
في كلّ مرة
مررتُ فيها على الرصيف
كنت أجد فردة من حذائي تحت رأس أحدهم
.
قطار آخر سيعود
بلا قضيب
بلا رصيف
بلا صفارة
.
وصراخي سيكون الدخان.
.
(شاعر وكاتب مصريّ. القصائد من ديوان “ترميم لوجوه محفورة”، الصادر في القاهرة عن “دار النسيم”، 2014.)