پاريس الأنوار.. وليلنا الأهيم الجاثم!/ مطانس فرح
أقولها، وبأسف، إنّ واجب دولنا العربيّة – بمؤسّساتها وحكّامها – احترام الإنسان قبل كلّ شيء؛ احترام مواطنيها وتقديس معنى الحياة والثّقافة والحريّات؛ فالدّول المتنوّرة الّتي تحترم مواطنيها تفرض بذلك احترامها على سائر الدّول، وعندها فقط لن نرخِّص ولن يرخَّص دمنا العربيّ!
| مطانس فرح* |
خِلتُ لوهلةٍ أنّ عددًا لا يُستهان به من أصدقائي، الحقيقيّين منهم والافتراضيّين، على حدّ سواء، المتواجدين على صفحة التّواصل الاجتماعيّ “فيسبوك”، فرنسيّو الأصل أو پاريسيّو المنبع، فأخذتني الوهلة! حيث تجمّلت وازدانت صورهم الشّخصيّة بالعلم الفِلَسطينيّ – آسف أقصد الفِلَسطينيّ – آسِف، آسِف مجدّدًا، أقصد الفرنسيّ، نعم.. نعم.. إنّه العلم الفرنسيّ! كيف لا، وپاريس الأنوار قد اُظلِمَت في ليلة هيماء (لا نجوم فيها)؟!
اسودّ اللّيل وجثم الهمّ على صدور عالمنا العربيّ قبل الغربيّ، في أعقاب الهجمات الإرهابيّة غير الأخلاقيّة وغير الحضاريّة ضدّ الإنسانيّة، الّتي تضمّنت استخدام بنادق وقنابل، هزّت مدينة پاريس الفرنسيّة، يوم الجمُعة الأخير، فراح ضحيّتها أكثر من 130 قتيلًا وأصيب خلالها أزيدَ من 200 جريح آخر، حيث استهدفت الانفجارات عدّة مناطق في پاريس، من أبرزها إستاد “دو فرانس” ومسرح “باتاكلان”.
إنّ الإرهاب البربريّ الهمجيّ الجبان، الّذي تبنّاه تنظيم “الدّولة الإسلاميّة – داعش” – والإسلام منه براء – هو إرهاب ضدّ الإنسانيّة والمدنيّين الأبرياء، يخدم الغرب كما يخدم عددًا من دولنا العربيّة ودول العالم(!)؛ يضرّ ويسيء إلى عالمنا العربيّ، لتعود وتطفو بذلك – من جديد – ظاهرة “الإسلاموفوبيا” (التّحامل والكراهيَة تجاه المسلمين أو الخوف منهم أو من الجماعات العرقيّة الّتي يُنظَر إليها على أنّها إسلاميّة)، لتشكّل هدفًا وذريعة لسياسات الحكومات الغربيّة والمتعاونة للمُضيّ في مخطّطاتها السّياسيّة الإمبرياليّة بحُجّة مكافحة الإرهاب، لخلق حالة من التّفرقة ونشر العنصريّة بين المسلمين والعرب خاصّةً، والمسلمين والمسيحيّين عامّةً، في كافّة أرجاء العالم!
إنّ التّعاطف مع ضحايا الهجمات الإرهابيّة المُرعبة، في كلّ مكان، أيّـًا كانوا، هو واجب إنسانيّ وأخلاقيّ من الدّرجة الأولى لا لَبْس فيه. لذا ينبغي على الدّول العربيّة والغربيّة، أن تضافر جهودها لمكافحة الإرهاب وتبادل المعلومات الاستخباراتيّة، وتشديد الإجراءات الأمنيّة لدرء خطر الإرهاب الّذي يطالنا جميعًا ويقتلنا، ويقضي على الحريّات والثّقافات والتّسامح والانفتاح.
أقولها، وبأسف، إنّ واجب دولنا العربيّة – بمؤسّساتها وحكّامها – احترام الإنسان قبل كلّ شيء؛ احترام مواطنيها وتقديس معنى الحياة والثّقافة والحريّات؛ فالدّول المتنوّرة الّتي تحترم مواطنيها تفرض بذلك احترامها على سائر الدّول، وعندها فقط لن نرخِّص ولن يرخَّص دمنا العربيّ!
إنّ الهجمات الإرهابيّة الّتي هزّت پاريس هزّت العالم بأسره أيضًا، وخاصّةً عالمنا العربيّ(!). فأضاءَت السّلطات الإماراتيّة برج “دبي” بألوان العلم الفرنسيّ، تكريمًا لضحايا اعتداءات پاريس؛ كما أضيء فندق “برج العرب” الشّهير في دبي، وفندق “قصر الإمارات” في أبو ظبي بألوان العلم الفرنسيّ، الأزرق والأبيض والأحمر، تضامنًا مع فرنسا! ناسيةً و/أو متناسيةً هذه الدّول العربيّة/الغربيّة ضحايا شعوبها وشعوبنا العربيّة.
أذكّر أصدقائي “الإنسانيّين”، الّذين ازدانت صورهم “الفيسبوكيّة” بالعلم الفرنسيّ تعاطفًا مع ضحايا الإرهاب، الّذي راح ضحيّته أزيدَ من 130 مدنيّـًا بريئًا، أنّ شعبهم/شعبنا العربيّ في العراق وسوريا ولبنان وليبيا واليمن و.. و.. وأرضنا الحبيبة فِلَسطين ينزف دمًا ويتجهّم العالم لرؤية مئات ضحايا الاحتلال والقمع والقتل والإرهاب والعنصريّة والكراهيَة والتّخلّف، يوميّـًا؛ هؤلاء الضّحايا الّذين لم ولن يحرّكوا ساكنًا لديكم أو يدغدغوا مشاعركم الإنسانيّة المُرهَفة، فلم يدفعكم واجبكم الإنسانيّ البطوليّ هذا أيّها “العربجيّون” “القومجيّون” إلى تزيين صوركم بعلم عربيّ، فربّما دم العربيّ وفق رؤيتكم النيّرة – كرؤية حكّام بعض دولنا، أيضًا – أرخص من غيره بكثير!
“ڤپڤ لا فرانس” أيّها العرب(!)؛ ستبقى پاريس مدينة الأنوار.. وسيبقى ليلنا العربيّ، للأسف – على ما يبدو – أهيمَ جاثمًا!
(*) الكاتب صِحافيّ فِلَسطينيّ، مدير تحرير صحيفة “حيفا”.