بَيْتُ جَدّي/ عبد اللطيف الحسيني
|عبد اللطيف الحسيني| “لا بدَّ أنْ أملكَ الأرضَ. […]
بَيْتُ جَدّي/ عبد اللطيف الحسيني
|عبد اللطيف الحسيني|
“لا بدَّ أنْ أملكَ الأرضَ.”
(السّهروردي)
جَدّي الذي لا يسمحُ أنْ يهتزّ حرفٌ من اسمه، ليكونَ وحيداً بينَ الأسماء، وألّا يُطلق أحدٌ اسمَه على أبنائِه، خوفَ أنْ يتكررّ شبيهُه، خوفَ أنْ يلتفتَ إلى مَن ينادي على طفل سُمّي باسمه، خوفَ أن يُشتمَ طفلٌ يحملُ رنينَ اسمِهِ .
جَدّي الذي يلتمُّ حولَه الصّغارُ مفترشِين الحروفَ الأولى على حصى الأرض التي يتراشقون بها، فتسكتهم عصا جَدّي .
جدّي الذي بيته من عراءٍ يتعرّف عليه مَن أضاعَ القرية، وتملأ عيونَه خرقةٌ خضراءُ تمنعُ مَن يقتنيها شرَّ العيون.
قبر جَدّي فوقَ رابيةٍ رآه جمعُ القرى: الألمُ يغطّي وجهَه والحروفُ تتساقطُ من فمه: يراه النائمُ ميّتا، يشتعلُ جَدّي بياضًا، وفوقَ مزاره فانوسٌ يضيء عتبات القرية، تقولُ القرية: رأيتُ جَدَنا يأتي صوتُه من كلّ البيوت، يضيءُ صوتُه دربًا قاحلًا نمشي فيه.
بيتُ جَدّي خربة يتذكّرها أصدقاؤه: مرّ من هنا حاملاً كتبَه الكبيرة التي تُشمًّ منها رائحةُ الصّفرة الكابية .
تحتَ هذه الشّمعةِ دوّنَ كتاباً لا ينتهي، هنا أطعمَ القطط الأليفة، ولفّها بعباءَتِه ليغنّي موّالاً شجيّاً .
• • •
ألا تراه؟: يحملُ مخدّةً ليرتاحَ في أيِّ منعطفٍ يصادفُهُ، يوقفُ السّفنَ الورقيّة التي تمرُّ بجانبهِ في النّهر. وإن جاعَ يقطفُ تمرًا من الشّجرة التي تظلله.
وإن مَلَّ، فأيُّ صبيّ سيمسك بيدِهِ ليدلّه على منزلِهِ.