فرنسوا ثائرًا!
كانت المفاجأة كبيرة، لدرجة أنّ خروجك من القاعة عند انته […]
فرنسوا ثائرًا!
كانت المفاجأة كبيرة، لدرجة أنّ خروجك من القاعة عند انتهاء المسرحية لم يكن كافيا لتشكيل رأي عمّا شاهدته قبل لحظات، بل يزيد من حيرتك، ثم تستقرّ حيرتك على جملة واحدة مجلجلة في الرأس: “يحرق حريشك يا فرنسوا”!
فرنسوا هو فرنسوا أبو سالم، المسرحيّ المخضرم، والعرض هو مسرحية “أبو أوبو في سوق اللحامين” المنتجة بدعم الصندوق العربي للثقافة والفنون في عمان، والتي تُعرض في مهرجان المسرح الآخر في عكا، والذي يقفل أبوابه اليوم الخميس. يقف فرنسوا على المنصة إلى جانب الممثل الشاب الممتاز أدهم نعمان، وسوية يلعبان لعبة مسلية بعض الشيء، وسخيفة في بدايتها: لعبة الأب والابن اللذين يخططان للاستيلاء على مخترة الحمولة. فالاثنان يديران ملحمة العائلة وحياتهما مليئة باللحوم النيئة ورؤوس الخرفان المقطوعة. في لحظة ما، وبعد مرور حوالي عشرين دقيقة، تبدأ مسرحية أخرى، لعبة أخرى تتضح معالمها مع الوقت؛ إنها لعبة الجنون اللا نهائي، جنون واعٍ لنفسه حتى أدقّ التفاصيل، خروج على المألوف وإمعان في الغرابة والتغريب؛ إنه مسرح القسوة في تجلياته القصوى، والمشاهد يجلس مشدوهًا ممّا يجري أمامه.
يتحوّل اللحم النيّء ورؤوس الخرفان إلى أداة العمل الأساسية في المسرحية: يقطعانها، يطحنانها، يأكلان الكبد النيء على الخشبة، يلعبان باللحم، يحملان غالبية المسرحية رؤوس خرفان لتكون شخصيات المسرحية الأخرى. يفعلان كل هذا من دون اعتذار، “بوقاحة”، بطبيعية من يرى في حياته وحياة من حوله كتلة من اللحم تنتظر من يقطعها ويأكلها. تتحول الخشبة مع الوقت إلى ساحة مليئة بقطع اللحم والدم التي تطغى على كل شيء. حتى إنّ الابن يقوم في النهاية بتقطيع أبيه بالمنشار ليتطاير دمه على وجه ابنه وليلقي الابن رجل والده المقطوعة أمام الناس!
إنها لعبة خطيرة، حتى القرف أحيانًا؛ هي مغامرة مليئة بالدهاء قد أراهن وأقول إنها بحاجة إلى شخص مثل فرنسوا أبو سالم ليقوم بها؛ بحاجة إلى مسرحيّ يقف على الخشبة منذ أكثر من أربعين عامًا، أخرج ومثل وعمل كل ما يمكن عمله، والآن، من شيخوخته الشابة يطلّ علينا وعلى المسرح ويقول ساخرًا: الآن، سأريكم أيها الأوغاد. وفي جسارته هذه يطرح أبو سالم قصة تدور أحداثها في القدس، وترتكز إلى ثيمة السلطة والاحتراب عليها، إلى الطبيعة البشرية وإلى الفلسطيني الراضخ تحت الاحتلال وقد تحول بعد كل هذه السنين إلى إنسان نهمٍ يسعى لتملك القوة وممارستها على أبناء شعبه (أيذكركم هذا بشيء ما؟).
إنها أمثولة قاسية، عنيفة جدًا، فظة حتى أبعد الحدود، ولكنها في نفس الوقت ترتكز إلى كوميديا المفارقة وإلى السخرية الذاتية المفرطة التي تراوح طيلة الوقت بين الحدّ الفاصل الدقيق بين السّخافة نفسها وبين التسخيف المقصود. أليست هذه الحياة التي نحياها اليوم؟
في هذا العمل أثبت أبو سالم أنّ في جعبته المزيد، وأنّ بوسعه أن يفاجئ من جديد. لا أعتقد أنّ الجميع سيحبّ الفظاظة والسّوقية (معذرةً من الأسواق) والهمجية التي يتعامل فيها الممثلان مع اللحم النيء وحضوره الطاغي على الخشبة، ولكن هذا لا يهمّ؛ ما يهم أنّ هذه المسرحية تعيد الرونق المفقود إلى المسرح، إلى مهمته الأساسية: أن يصفعنا وأن يجعلنا نفكر في مسلماتنا (الفنية، التذوقية، الحياتية) من جديد.
“أبو أوبو في سوق اللحامين” * فكرة وإعداد بوحي من ألفرد جيري: فرنسوا أبو سالم، بمشاركة باولا فينفاك، أوليفيا ماجنان، جوي الهنان وعامر خليل * تمثيل: فرنسوا أبو سالم وأدهم نعمان * إضاءة: فيليب أندريكس * إنتاج: الصندوق العربي للثقافة والفنون- عمان والمركز الثقافي الفرنسي
2 يناير 2010
لم يذكر المقال شيئ عن مهرجان عكا الصهيوني الذي عرضت فيه المسرحية و حصلت على الجائزة و التغطية الإعلامية على التلفزيون الإسرائيلي الحكومي “ليس يساريا صهيوني حتى!!!”
فرنسوا أبو سالم للأسف أحد الذين يرجون للتطبيع الثقافي مع الإحتلال الصهيوني … و نذكر فقط بأوبرا سلطانة و بائعة السمك التي أخرجها و دافع عن أنتاجها المشترك مع المسيقار الصهيوني “سكر خفيف ” بارنيوم و عرضت على مسرح قصر الثقافة في رام الله
بارنيوم في مثل هذا الوقت من العام الماضي أبدى تفهمه و تأيده للرد الصهيوني على قطاع غزة و دفاعها الوحشي..
كل تحيا للثقافة
كل التحيا لمن يردون الحياة الطبيعية و كأننا لسنا تحت الإحتلال