“إلزم حَدَّك هذا تحَرُّش” / رأفت آمنة جمال
“الزم حدَّك هذا تحرّش”، حملة تتعرّضُ لتحرُّشٍ من نوع آخرَ، تحرّش يخشى على الأخلاق من التّشويه جرّاء كشف المستور والمسكوت عنه، يتّخذ من “العيب” و “الحرام” سلطة لتبرير صمتِهِ خوفًا من “الفضيحة” في مجتمعات “مستورة” قد يُشوِّه سمعتَها كشفُ حقيقتها الواضحة أصلًا وضوحَ صراخ امرأةٍ في ليلٍ عربيٍّ صامت.
.| رأفت آمنة جمال |
“إلزم حدّك هذا تحرُّش”، ليست جملة من فيلم مصريّ يعالج قضيّة التحرّش الجنسيّ، أو ستاتوسًا فيسبوكيّا يحصد إعجابات الشّباب، المتحرّشين منهم والصّامتين خجلًا من “عيبٍ” تُعلَكُ باسمِهِ كرامة النّساء. هي صفعة على خَدّ يستدير يمينًا ويسارًا لكي لا يرى عواقِبَ ما يفعل، ضربة تنالُ من رجولةٍ مُغلَّفَة بقِيَمٍ خَرَقَتْها جزمةُ ذُكور القبيلة. هي صرخة في وجه مَن ناموا على إيقاع نشرة الأخبارِ كي لا يشعروا بالمسؤوليّة تجاه الحقّ!
تأتي هذه الحملة الّتي أطلَقَتْها “السّوار” -الجمعيّة النِّسويّة العربيّة لدعم ضحايا الاعتداءات الجنسيّة- لتشكِّلَ تظاهرة أخلاقيّة تثور على نظامٍ يتّخذُ دستورَه ورقًا ليغطّي عورةَ نهجٍ هو في الحقيقة مكشوف في مجتمع تجاريّ أبويٍّ، يُغطّي الأنثى تارةً ليُخفي ممارساتِهِ معها ويُعرّيها تارةً أخرى ليُبرِّرَ ممارساتِهِ ذاتها أيضًا.
حملة مباشرة، واضحة وجريئة، ليست فيلمًا سينمائيًّا ولا أغنية ولا قصيدة شِعرٍ، نغوصُ في دلالاتها ورمزيّتها لنُثري معرفتَنا وذائقتنا. هي صرخة في وجهك أينما كنت، معتديًا يصمتُ لإخفاء الجريمة خوفًا أو خجلًا أو لأيّ سبب كان.
اُطلِقَتِ الحملة في البداية عبر موقع التّواصل الاجتماعي الفيسبوك لتلقى متابعةً عريضةً إلا أنّها ظلّت أسيرةَ جدران ذلك العالم الافتراضيّ الّذي يسير أصحابُهُ من “الحيط إلى الحيط” في سبيل السَّترِ، “يعلّقونَ” كلامَهم على جدران آيلة للسّقوط بفعل النّفاق الاجتماعيّ المشترك افتراضيّا وواقعيًّا، وأحيانًا يُلقون بـ “لايكاتِهم” بين تشقّقاتِ الجدران ذاتها.
“اِلزم حدَّك هذا تحرّش”، حملة تتعرّضُ لتحرُّشٍ من نوع آخرَ، تحرّش يخشى على الأخلاق من التّشويه جرّاء كشف المستور والمسكوت عنه، يتّخذ من “العيب” و”الحرام” سلطة لتبرير صمتِهِ خوفًا من “الفضيحة” في مجتمعات “مستورة” قد يُشوِّه سمعتَها كشفُ حقيقتها الواضحة أصلًا وضوحَ صراخ امرأةٍ في ليلٍ عربيٍّ صامت.
الّذين اعتَبَروا الحملةَ “مقزّزةً” تخدُشُ الحياءَ، لم يفطنوا إلى أنّ الحملة تعكسُ واقِعًا نعيشُهُ، لا حياءَ فيه لمَن تُنادي، ولا حياةَ لمَن يُعتدى عليها بشكل أكثر من مقزِّزٍ. الّذين لم يرَوا الحقيقة كاملةً أو أنّهم قد رأوها فسكتوا عن الحقّ وشهِدوا شهادة زورٍ لصالح مجتمع نظيفٍ خالٍ من التحرّشِ، يظلُّ في دائرةِ الاتّهام غير مدانٍ.
تقوم الحملة على تعرية الذّكر من رجولة مزيّفة من خلال تقزيمِهِ واختزاله بالقسم السّفليّ من جسدِهِ لوضعِهِ الخانةِ ذاتِها الّتي يضعُ هو الأنثى فيها، حيث يختصرُ الرّجلً الفتاةَ والمرأةَ بالقسم السّفليّ من جسدِها، لا يرى فيها أكثر من كونها أداة للجنسِ. إنّ رجلًا يختصر رجولتَه في تلك المنطقةِ من جسد المرأة، هو رجل يُخاطَبُ من حيث حصَرَ نفسَه وحقّق ذاتَه مع غيابِ العقلِ والهبوط من منزلة الرأسِ والفكرِ إلى منطقة ما بين الفخذيْنِ غازيًا ومُحتلًّا.
“تحرُّش” بالبونط العريض:
“- ما تفتّحي!
- ما تفتّح إنتَ!”
مشهد سريعٌ من الفيلم المصري 678 المُستوحى من قصص واقعيّة ويُعالج التحرّش بالفتاة، فيلم أثار ضجّة رقابيّة وطالبَت جهات عديدة بمنعِهِ ورفعِهِ من دور العرضِ بحجّة تشويه المجتمع والتّشجيع على التحرّش. في المشهد أعلاه يصطدمُ شابٌ بفتاةٍ في الشّارعِ فيصرُخُ بها أن تفتح عينيْها لتُبصِرَ طريقَها فتصرُخُ به أن يفتح هو عينيه. هو مشهد متكرّرٌ الخُلاصة منه أن نفتحَ عيونَنا، جميعُنا علينا أن نفتَحَها على وسعها لنُبصِرَ الحقيقة كي لا نصطدِمَ بها فنقعُ على وجوهنا. وهنا تكمنُ رسالة حملة السّوار، الّتي تحوِّلُ العبارةِ “تحرُّش” إلى حجرٍ ترشُقُ به كلّ مَن قفزوا من فوقِهِ دون أن يُزيلوه من وسط الطّريق.
“أنا مش حَ تنازل عن القضيّة” بهذه الصّرخة تُنهي إحدى شخصيّات فيلم 678 الفيلمَ أمام القاضي.. لتكون رسالة واضحة لكلّ مَن تتعرّض للتحرّشِ بألّا تصمت فيكون الصّمت ضوءًا أخضرَ أمام عجلاتِ العبارةِ فتدوسُنا!
للاطلاع على بيان حركة السّوار اضغط هنا.