على شفيرٍ من ضوء / غيث القرشي
رُغمَ التّشبّثِ
بالفراغِ الهـشِّ
كانَ العطرُ يُرغمُني،
ويدفعُني لأسقُطَ
في شعاعِ الشّمسِ
.
| غيث القرشي |.
فاتحة:
في الظّلمةِ، يتراجعُ البصَرُ، وتتألّقُ البصيرةُ. وحدهُ الأعمى مَنْ يمتلكُ الحكمَةَ، ومَنْ يكشفُ جميعَ
الحقائق.
…….
.
رُغمَ التّشبّثِ
بالفراغِ الهـشِّ
كانَ العطرُ يُرغمُني،
ويدفعُني لأسقُطَ
في شعاعِ الشّمسِ
أبدأُ رحلتي خلفَ الكواليسِ المخيفةِ
حيثُ أُسْرِجُ ما تبقّى فِيَّ
مِنْ وعيٍ
وأملأُ “قِـربَتِي” بالوقتْ
“أنـكِـزُ” رغبتي
مِنْ خَصرِها
وأُرْخي
للمخيّلةِ العنانَ،
إلى موانئِ
حُلْمِيَ الدّاكن.
.***
.سوداءُ أرضي
والسّماءُ مليئةٌ
باللّا تفاؤلِ
ذلكَ الأفقُ القصِيُّ على مَرافي الحُلْمِ أسودُ
والحقولُ كذاكَ سوداءُ
وهذا الحبرُ،
والرّيحُ المسافرُ بينَ أغصانِ الشّجيرةِ
ما ينقلهُ الهواءُ مِنَ الأحاديثِ السّخيفةِ
بينَ جاراتِ العَمارَةِ
ما تناثرَ مِنْ بقايا جمرةٍ
كانتْ تُغذّي ما تبقّى مِنْ شرابِ الـ “مَيرَمِيّةِ” تحتَ إبريقٍ قديم..
صوتُ مِهباشٍ،
ورائحةٌ مِنَ الـبُنّ المُحَمّصِ
كلُّ شيءٍ، أسودُ
وأنا كطفلٍ
قد تربّعَ جالسًا
في وسطِ صندوقٍ رُخاميٍّ
وحيدًا
ليسَ يُؤْنِسُهُ
سوى هذا الظّلامِ،
وموعدٌ لا يستقرُّ
مع انبلاجٍ
آخرَ
للفجر!
.***
.مأخوذًا
بِكشفِ السّـرِّ،
مندهشًا…
أرى ما قدْ تفـلَّتَ مِنْ حُروفِ قصيدةٍ
كادتْ ملامحُها تُشَكَّـلُ في مساءٍ
ذابَ في كأسٍ
مِنَ البُنّ الرّخيص!
مثل فلمٍ سينمائيّ، أرى سربًا تـفـلّتَ خلسةً مِنْ كفّيَ اليُمنى،
يسيرُ مُجاورًا للقلبِ في عجلٍ
ويُطْرِقُ خائبًا
ويعودُ،
تُثْقِلُهُ
الخُطى قبلَ الوصولِ
وأظنُّ أنّي لَمْ أُطِقْ صَبرًا، لأسألَ:
.
- ما الحكايةُ؟ ثُمَّ مَنْ أنتم؟
(يجيبُ صغيرُهُم):
- جمعٌ تبعثرَ مِنْ حروفٍ كنّا ننوي أنْ نُرَتِّبَ نفسَنا، ونكونَ لك!
- هلْ أسأتُ لكُم؟ تُراني.. لَمْ أجَمّلْ مخدعَ الوحيِ المغادرِ منذُ أيّامٍ طويلة؟!
- ليسَ يعنينا منامُ الوحي! يعنينا وفاءٌ منكَ كَيْ نبقى،
ويعنينا انشغالُكَ، أيّها الإنسانُ، فينا عَنْ سِوانا.
يعنينا تقمّصُكَ الشّديدُ لما تراهُ مِنَ الهوامشِ..
- لستُ أفهم!
- إنّهُ السّرُّ الوحيدُ:
فكلُّ محسوسٍ ومُنْتَبِهٍ لهُ يـفنى، ولا يبقى سوى عدمٍ ومُفتَرَضٍ،
ولا يبقى
سِوانا.
……
.
مثل تلميذٍ نجيبٍ،
كنتُ أحفظُ كلَّ ما يُلقى عليَّ مِنَ القواعدِ،
ثمَّ أحزمُ كلَّ أمتعتي،
وأرحلُ باحثًا عَنْ حكمةٍ أخرى،
وعَنْ
أرضٍ
جديدة!
***
في الظّلمةِ
تتهيّأُ قافلةُ الفكرِ
تُعِدُّ هوادجَ أحرفِها، وتخيطُ مِنَ الطّيفِ القـُزَحِيِّ قماشًا مختلفَ الألوان
تلكَ الألوانُ
“تُضاجِعُ” طقطقةَ الخلخالِ المتمرّدِ
وتراودُ حادِيَ الرّكبِ عَنْ الصّحراءِ
وعَنْ مسكينٍ
لا يملكُ غيرَ الشّعرِ
وعينيْ فاتنةٍ
في الأفقِ
وبعضِ أمانٍ عذراءَ،
بفجرٍ آخر!
***
خاتمة:
.
رُغْمَ التّشّبّثِ،
كلّ أشكالِ الـتّـشـبّثِ،
بالفراغِ
سقطتُ مِنْ حُلُمٍ رخاميٍّ،
ومصقولٍ
مساحتُهُ “لقاحاتُ” الخيالِ
لكاتبٍ مجنون
صوبَ نهايةٍ أُخرى
لحُلُمٍ آخرَ،
حُلُمٍ
بنكهةِ واقعٍ مُرٍّ
مساحتُـهُ تضيقُ،
وتكتفي،
فيما تأطّـرَ
مِنْ مشاهدَ
في
حدودِ العينْ!
.
(شاعرٌ من الأردن)