أبو لُويس في ذمّة نِمِسِيس../ أسعد موسى عَودة
|أسعد موسى عَودة| هو أنسي لُويس الحاجّ (أبو ندى ولويس)، […]
|أسعد موسى عَودة|
هو أنسي لُويس الحاجّ (أبو ندى ولويس)، وهي نِمِسِيس، إلهة العدل الإغريقيّة، أولى وأوْلى موادّه الإبداعيّة، الّتي ضمّنها شعره ونثره ونصّه.
عاد أنسي الحاجّ، يوم الثّلاثاء، الثّامن عشر من الجاري، ليذكّرنا بأنّ الكبار، أيضًا، يموتون، أو – بعبارة أدقّ – يغيبون عن مسرح الدّنيا صورة وصوتًا وهيئة حيّة، ثمّ يُكثّفون حضورهم بكلّ ما شئت ممّا عدا ذلك.
لم أعلم بخبر وفاته – وقد بات نبأ – والنّبأ هو الخبر التّامّ الّذي لا يقبل التّكذيب، مقارنة بمجرّد الخبر الّذي يحتمل التّكذيب كما يحتمل التّصديق – إلّا أمس الأوّل، الأربعاء، وإن دلّ ذلك على شيء فإنّما يدلّ على تقصير منّي، ليس إلّا؛ إذ لا علاقة لذلك – ولا يمكن أن تكون لذلك علاقة – بكوني لم أكن – حتّى زمن قريب – من أنصار أو مؤيّدي أو مريدي أو مشجّعي أو متذوّقي أو دارسي أو حتّى، أحيانًا، قارئي ما اصطُلح على تسميته قصيدة النّثر، الّتي كان أنسي الحاجّ – وسيظلّ – أحد أعمدتها الصُّلبة، وأحد آبائها الشِّعريّين الشَّرعيّين؛ ذلك لأنّي – وبفضل الله – علّمتنيَ التّجرِبة والأناة أنّ هذا المارد العِملاق الّذي يُسمّى الأدب، أهمّ وأصدق وأخلد ما قد يتفتّق عنه جَهد بشر، هو أكبر من أن يُسجن داخل قالَب أو قانون أو تسمية أو اصطلاح جامد، لا بل هو المارد المتمرّد على أيّ قانون يوضع (وقد قال الغربيّون ما ترجمته: يُصنع القانون ليُكسر)، وأنّ المادّة النّصّيّة نفسها، أيًّا كان لونها أو نوعها، هي الّتي تحكم على نفسها بنفسها، بالأدب أو بقلّة الأدب. أو بعبارة أدقّ، كلّما كان صانعها أديبًا حقًّا كانت أدبًا حقًّا، وضدّ ذلك هو الصّحيح، حقًّا.
وأنسي لويس الحاجّ أديب حقًّا حقًّا، عرَف الأدب وعرُف بالأدب (طابت رائحته به) فتًى لم يعرف بعدُ عمر الشّباب، قاصًّا وباحثًا وصِحافيًّا، ثمّ شاعرًا ومنظّرًا ومترجمًا محترفًا مبتكرًا خلّاقًا، إلى جانب أنّي لم أعرفه عن كثب، غير أنّي قرأت وسمعت عن نقائه وثباته في ميادين الشّرف والحياة، غير قليل.
غاب أنسي الحاجّ وما غاب، عن سبعة وسبعين قصيدة؛ فكلّ عام من سِنِيّ عمره السَّنِيّ كان قصيدة عطاء في ميدان اللّغة والأدب، المادّة الأنقى، روحًا ووجودًا ومسلكًا ومأرَبًا، لا بل إنّها – باختصار – مادّة السّعادة؛ ضالّة الإنسان، في كلّ زمان ومكان.
اِبحثوا عنه وستقرأون وتسمعون الكثير، فتُسَرُّون بما ترَون، كما سُرّ المعتصم حين رآها، سامَرّاء (سُرّ من رأى).
ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهَدْ!
وحديثنا، أبدًا، عن لغتنا ونَحْن!
(الكاتب دارس عاشق للّغة العربيّة، مترجم، ومحرّر لغويّ؛ الكبابير / حيفا)