الأوسكار أمامك وشعبٌ من ورائك/ سماح بصول
إنّ امتعاضي من الفيلم يكمن في الحبكة أولا وفي التفاصيل ثانيًا. فبرغم كل محاولات توضيح فكرة كون الفيلم قصة حب بالأساس، إلا ان التنفيذ والمنتج النهائي لم يكن كذلك
.
|سماح بصول|
على كرسيّ بلاستيكيّ متعب، جلست في قاعة غير مهيئة بتاتًا لعرض فيلم سينمائي. يعتلي المنصة مسوّق الفيلم ويبدأ الحديث عن التمويل والعمل ومواقع التصوير، وعدم استخدام الموسيقى التصويرية… إلى أن يعلو صوت من بين الجمهور ويصرّح وسط عشرات الأفأفات: خلينا نحضر الفيلم!
ربما كانت هذه التفاصيل الصغيرة بداية غير موفقة لمشاهدة فيلم “عمر”، لكنها لم تؤثر على سعادتي بإدراج اسم الفيلم في قوائم الأفلام المرشحة لجوائز عالمية مهمة، تعود على مخرجه هاني أبو أسعد وطاقم الممثلين وعلى الفلسطينيين أجمع بالفخر، وتؤكد من جديد أننا شعب حيّ، منتج، يحب الحياة ما استطاع اليها سبيلا ويتحدى الاحتلال بكل الطرق المتاحة. لكن.. إذا أراد الفيلم أن يكون فلسطينيًا، يتحدث عن فلسطينين ويمثلهم أمام العالم، فليكن واقعيًا قريبا من حياتهم أو ليعلنها منذ البداية بأنه فيلم خيالي وأي تشابه بينه وبين الواقع هو محض صدفة، أما أن يتأرجح بين الواقع وعدم الدقة فهذا اختيار غير موفق برأيي. والآن التفاصيل..
الحيط الواطي بتنطه كل الناس!
هذه الصورة التي عكسها الفيلم بالنسبة لجدار الفصل العنصري، حتى عندما أطلق الرصاص باتجاه الفلسطيني الذي يحاول تخطي الجدار. يصوّر الجدار هنا وكأنه حائط يتسلقه البطل مستعينًا بحبل لينتقل من مكان الى آخر. لكن هل هذه فعلا حقيقة الجدار؟ هل من السهل تسلقه فيما تستوطن فوقه مئات نقاط المراقبة المدججة بالسلاح والرادارات؟
إن جدار الفصل العنصري له دور كبير في تشتيت الشعب الفلسطيني، ومحاولات تخطيه تنتهي بحصد أرواح وإصابات، وتصويره هنا كجدار قابل للتخطي يغطي على حقيقة تقطيعه لأوصالنا، خاصة عندما يتعلق الأمر بعزل الأحباء عن بعضهم وتفريق شمل العائلات… رجاءً لا تجمّلوا الجدار ولا تقللّوا من فظاعته، فالرسومات عليه لن تلغي بشاعته، والثغرات فيه لا تقزمه.
أنسنة رجل المخابرات
سيارة عسكرية توقف شابًا فلسطينيًا، يخرج منها جندي وسيم، عيناه الخضراوان تتمركزان في قلب الشاشة وتجعلنا نحدّق بهما فيما يتفوه بمطلب بشع. لماذا يكون الجندي وسيمًا؟ هل نريد أن يرى العالم جنديًا ذا قالب جميل وقلب بشع؟ أم أننا ذوتنا في داخلنا صورة “الاسرائيلي الأبيض” وصرنا نستخدمها؟
يحاول الجندي تعذيب الشاب بطريقه أقرب الى الولدنة منها الى الاهانة، فيأمره بالوقوف على حجر رافعًا إحدى ساقيه! إذا كان جندي الاحتلال يهين الفلسطيني بهذه الطريقة فمن الذي يعصب الأعين ويطلق الرصاص من مسافة قريبة، ومن الذي يكبّل الأيدي ويدفع الأجساد بكعب البندقية؟ أم أنّ الاحتلال بات light في الفترة الاخيرة؟
عندما يعذب رجل المخابرات بطلنا عمر، ورغم قسوة مشهد التعذيب، فإن الفيلم ينتهج نهج الأفلام الإسرائيلية التي تهتم بأنسنة رموز السلطة، فتلي التعذيب محاولة تجنيد تتسم بالهدوء ومحاولة الاقناع، ونرى نواة لعلاقة إنسانية “طبيعية” بين عمر ورجل المخابرات الذي يتحدث إلى زوجته هاتفيا حول خلافاتها مع والدته ونقل طفلته من البيت الى الروضة في صورة تشبه حياة أي زوج فلسطيني يتأرجح فيها الرجل بين إرضاء الزوجة وإرضاء الوالدة، ويشارك عمر في الهم الجاثم على صدره وكأنه يشكو بلواه لصديق قريب.
الحب كله..
كل الفيلم يتمركز حول قصة حب وحولها تدور كل القضايا الأخرى التي تدفعها نحو التطور أو تعيقها. يصدق الفيلم حين يريني الحب بالخفاء، وسرقة لحظات لقاء المحبين في مواقع بعيدة عن عيون الناس، لكنه لم يجعلني أشعر بقوة الحب، فلم يخفق قلبي حين اجتمع عمر ونادية، ولم تدفعني نظراتهما المتبادلة للشعور بالغيرة أو الحماس لقبلة مسروقة..
آكشن..
هل هو فيلم رومانسي؟ درامي؟ إثارة وحركة؟ لا أعلم.. لقد علمتنا الإنتفاضة الأولى قصصا عن مراوغة الشباب المقاومين لقوات الجيش والشرطة، وأكدت مد يد العون لهم من قبل الناس، وجاءت لنا بقصص بطولية نعجز أحيانا عن تصديقها لما فيها من استثمار لثقافة الشرف وإنصهارها أمام رهبة المقاومة (كالقصة التي تدعي أن رجلا دفع بأحد المقاومين الى سرير ابنته ليحميه من الإعتقال). وأما في حالة “عمر” فقد غالى في المراوغة حين بدأت مطاردة المقاوم من المخابرات، فتجلت لنا قدرات ولياقه بدنية تنافس قدرات جاكي شان في القفز من سطح الى آخر وتحدي المرتفعات على اختلافها!
وين النسوة؟
مرة أخرى تظهر ذكورية المجتمع بأسوأ صورها، فمقولة “تحرر الشعب يبدأ من تحرر المرأة” تضرب عرض الحائط وتقدم لنا المرأة على صورة نادية فتاة مراهقة بلا كيان، تابعة لرجل، فهي حبيبة عمر وحبيبة أمجد، وأخت طارق، و”عذرية” نادية موضوع محوري في العلاقة ما بين عمر وصديقه أمجد، تستغله المخابرات للايقاع بعمر، ويستغله أمجد للحصول عليها. هي نقطة تحدد علاقة ثلاثي المقاومة أكثر من القضية السياسية، فطارق –أخوها- يشترط زواج عمر ونادية بقدرة عمر على إثبات الولاء.
إن مدى السخرية من النساء –وهي تعكس صورة إجتماعية لا شك- يفوق التوقعات، ويثير الغضب. فأمجد يجعل من أخواته “العوانس-البشعات” موضوعا لتبادل النكات مع أصدقائه، و”يتاجر” بهن بمعادلة 1+1 لمن يرضى الزواج بإحداهن، الأمر الذي يتناقض كليًا مع ثقافة الشرف التي تجعل من الأخت خطا أحمر يتسبب تخطيه في إراقة الدماء أحيانًا.
ولا أدري إن كنت أنا أجهل المجتمع الفلسطيني أم يجهله الكاتب والمخرج! فإن قيام طارق بإعطاء صورة أخته لصديقه الذي يحبها يصور لنا مجتمعًا تقدميًا يؤمن فيه البشر بالحب والعلاقات الإنسانية؛ لأضع جانبًا إستبعادي لإمكانية كهذه خاصة في مجتمع قرويّ؛ فكيف ترتبط هذه المبادرة مع إستخدام نادية وتبعيتها، والسخرية من أخوات أمجد وذكورية المجتمع؟ أم هي أيضًا تتمة للفكرة الذكورية التي تجعل طارق يقدم أخته على “طبق من الوطينة” لصديقه عمر؟
إن امتعاضي من الفيلم يكمن في الحبكة أولا وفي التفاصيل ثانيًا. فبرغم كل محاولات توضيح فكرة كون الفيلم قصة حب بالأساس، إلا ان التنفيذ والمنتج النهائي لم يكن كذلك، إن المنافسة بين قصة الحب والقصص الأخرى حولها لم تنصف الحب وشتتت الإنتباه عنه. كما أن إعطاء الفيلم اسم بطله الرجل فقط يقول جليًا إن عمر هو البطل بكل ما في حياته من تفاصيل فيما يقصي الحبيبة نادية ويجعلها مكونا واحدا من بين مكونات عديدة في حياة عمر.
29 يناير 2014
مش رح اطول عليكم الصراحة ما بفهم سبب الكراهية المبالغ فيها للفيلم و للمخرج بشكل خاص من طرفك !! بلأول كنت موافقتك نوعا ما بقضية انو الجدار يصعب تسلقه بل استحالة تسلقه فعليا, والمغالاة في الركض و الهرب و الملاحقات, بس لازم تقدر انو المخرج عرّف عن الفيلم كفيلم اكشن في البداية و فلم عن الحب, مع اعتبار انه بعكس الواقع الفلسطيني و لكن ليس هدفه الرئيسي كذلك, الحركات و الاكشن الي قام بها المخرج هو هدفه الحقيقي, و مش عكس الواقع بشكل اساسي.
كمان نقطة ثانية هسا انتا تركت كل الواقع الي نقله عن الاحتلال و جيت بدك تطلعه كذاب مشان قصة الجدار !! ثاني اشي مشان قضية المرأة, انتا نفسك في البداية قلت انو لازم يعكس الواقع الفلسطيني صحيح؟ في الحقيقة الي عكسه الفيلم هو بالزبط الواقع الفلسطيني القائم على استغلال و تقليل شأن المرأة, ولن ينقل الفيلم صورة كاذبة و مغلوطة كليا عن المجتمع الفلسطيني عن انه بكرم المرأة بأي طريقة. كمان برجو الأخذ بعين الاعتبار انو الفلم بعكس عينات من المجتمع, واي خاصية موجودة بهاي العينة ليست صفة عامة و ثابتة للشعب وهاض الاشي واضح, يعني صورة البنت مثلا مش بالضرورة تكون فتاة متحررة, ووجودها بهاي الصفة لا يلغي تحرر بعض الفتيات كذلك ثالث و اخر اشي, بتمنى الكراهية الي حسيتها من الحكي الي حكيته تقدر توظفها بشكل منطقي اكثر , بعرف انو هاض رأيك و انت حر فيه, و بحترمه, بس بعتقد انو هاض النوع من النقد هو نقد من اجل النقد يمكن لانك شفت الكل بمدح بالفيلم و ولا حدا نقده, فحبيت تكون مختلف عن طريق النقد من النوع الهدام و ليس البناء.
نقد الافلام في الحقيقة بعيد كل البعد عن هيك!
و في النهاية الفلم يعتمد على قدارته السينمائية و هي وصلته للأوسكار, بالاضافة للحبكة, و بقدم للمخرج كل الاحترام مع معرفتي التامة بوجود بعض النقاط الخاطئة في حبكة الفيلم
26 يناير 2014
رائعة ؛)