ليس الكتاب شعارًا عند روضة / شيخة حليوى
الكثيرون أيضًا يطلقون حملاتٍ ومشاريعَ لتشجيع القراءة والحثّ على المطالعة؛ لكنّ القليلين فقط هم من ينجحون في تحويل الشّعار إلى حقيقة، وقد كانت د. روضة بشارة – عطا الله واحدةً من هؤلاء القلائل.
| شيخة حليوى |
الكثيرون يطلقون شعاراتٍ ويردّدون أقوال الحكماء والفلاسفة حول أهميّة الكتاب والقراءة، والكثيرون أيضًا يطلقون حملاتٍ ومشاريعَ لتشجيع القراءة والحثّ على المطالعة؛ لكنّ القليلين فقط هم من ينجحون في تحويل الشّعار إلى حقيقة، وقد كانت د. روضة بشارة – عطا الله واحدةً من هؤلاء القلائل الّذين آمنوا وقالوا، ثمّ فعلوا فنجحوا.
افتتحتْ في حيفا مكتبةً مختلفةً عن المكتبات الأخرى في المنطقة، بموقعها، وشكلها، ومحتوياتها؛ مكتبةً مميّزةً وفريدة، تجمع أهمّ الإصدارات في العالم العربيّ، وفي مختلف المجالات: التّاريخ، والاجتماع، والسّياسة، والأدب. كانت المكتبة، واسمها “الدّارة”، قبلة الكثيرين من الباحثين وطلاّب العلم والمثقّفين، لسنوات، تستقبلهم د. روضة ببسمتها المعهودة، ترتشف معهم القهوة وتتحدّث عن كلّ كتابٍ هناك كما يتحدّث المرء عن بنيه.
تتابعت مسيرتها مع الكتاب في جمعيّة الثّقافة العربيّة الحاضنة لأفكارها ومشاريعها ورسالتها الوطنيّة الأصيلة، فكان الكتاب محورًا وركيزةً مهمّةً في تعزيز الثّقافة وتشجيع السّلوك القرائيّ، خاصّة في أوساط الشّباب والنّاشئة. ومن الخطوات الأصيلة الّتي تبنّتها الرّاحلة القديرة من خلال الجمعيّة وكادرها في مجال التّثقيف القرائيّ، كانت تنظيم مسابقةٍ قطريّةٍ في المطالعة والإلقاء الشّعريّ لطلاّب المدارس الثّانويّة في البلاد؛ تحت عنوان “خيرُ جليس”؛ وكعادتها في عملها، فإنّها “تضرب عصفورين بحجرٍ واحد”، فجاءت الكتب والقصائد المشاركة في المسابقة بمعظمها لمبدعين فلسطينيّين، لتعريف الطّلّاب على مبدعي الوطن الّذين تغيّبهم المناهج التّعليميّة. وكانت المشاركة واسعةً ولافتةً للأنظار: عشرات الطّلّاب والطّالبات اجتمعوا في كبرى قاعات النّاصرة، يلقون قصائد محمود درويش، وسميح القاسم، والمتنبّي، ويشحذون أفكارهم ويتداولون فيما بينهم للإجابة عن أسئلة لجنة التّحكيم حول القصص والرّوايات الّتي قرأوها. مشهدٌ نادرٌ في فضائنا التّعليميّ.
وفي مشروعٍ آخر، هو مشروع المنح الجامعيّة، كان الكتاب مرّةً أخرى في الصّدارة: خُذ منحةً تعليميّةً واقرأ كتابًا!
ليس أمرًا بديهيًّا أن ترتبط المنحة بنشاطٍ يعود على متلقّي المنحة بالفائدة والمنفعة: جولاتٌ ورحلاتٌ إلى الجذور؛ حلقات قراءةٍ في كلّ المعاهد والجامعات؛ التّعرّف على جمعيّاتٍ ومؤسّساتٍ عربيّةٍ فاعلةٍ في مجتمعنا والتطوّع فيها، وغيرها الكثير الكثير من النّشاطات.
كان لي شرف المشاركة في إحدى حلقات القراءة في جامعة تل أبيب، حيث ناقشنا وحلّلنا كتاب المبدعة الفلسطينيّة فدوى طوقان “رحلةٌ جبليّةٌ رحلةٌ صعبة”؛ وهو مشهدٌ قلّما نجده في الجامعات والكلّيّات، أن يجتمع طلاّب الطّبّ، والهندسة، والفيزياء، والأدب الإنجليزيّ، والتّاريخ، والفلسفة، والأدب العربيّ في مكانٍ واحد، يناقشون كتابًا قرأوه، كتابًا ليس من صميم تخصّصهم أو من وظائفهم الجامعيّة، كتابًا فحسب.
هذا ما آمنت به الرّاحلة د. روضة: الكتاب ليس شعارًا فحسب، بل قولًا وفعلًا، وأثرًا وصانعًا للممكن والصّعب والمستحيل.
طيّب الله ثراها.
(شيخة حليوى: كاتبةٌ ومدرسةُ لغةٍ عربيّةٍ تقبمُ في يافا).