روضة بشارة – عطا الله: ذوقٌ موسيقيٌّ رفيع / دلال أبو آمنة
وستبقى الدّكتورة روضة، علمًا من أعلام هذا البلد، وإحدى رموز نضاله الثّقافيّ والحضاريّ، وستظلّ مثلًا يُحتذى به للمرأة المعطاء المثقّفة مرهفة الحِسّ، والّتي لا تعرف المستحيل؛ سنشتاق إليكِ، فلترقُد روحك بسلام.
| الفنّانة دلال أبو آمنة |
كنتُ في التّاسعة عشرة من عمري، يومَ عرفتها قبل أحد عشر عامًا، كنتُ على أعتاب الدّراسة الجامعيّة، جاءَ تعارُفنا من خلال جمعيّة الثّقافة العربيّة، وجرى الحديث بيننا، أنا والدّكتورة روضة بشارة – عطا الله، عن تعاونٍ لتخليد القصائد الغنائيّة لعمالقة الغناء العربيّ، وخاصةً تلك الّتي تتغنّى بالنّاصرية والقوميّة العربيّة، وجرى اختيار قصيدة “سلوا قلبي” لأمّ كلثوم، من كلمات الشّاعر أحمد شوقي، وألحان رياض السّنباطي، وشعرتُ بمحبّتها الكبيرة واحتضانها لي بعد سماعها صوتي، فآمنت بي وبموهبتي… من هنا كانت البداية.
كان هذا التّعاون خطوةً أولى في طريق مشوارٍ جمعني بالدّكتورة روضة، ثمّ التقينا مجدّدًا خلال الأمسيات الفنّيّة الّتي شاركتُ بإحيائها، في أكثر من بلدةٍ عربيّة؛ تميّزت جميعها بالأغاني الوطنيّة الّتي ركّزت على النّاصرية والقوميّة، مزجت بين الأصالة في الموسيقى والطّرح الوطنيّ العميق، الّذي من خلاله التقت أهدافنا. لقد جمعتنا، أنا والدّكتورة روضة عظمة الكلمة، وروح المعاني الإنسانيّة، توحّد الأمّة على العروبة والثّقافة والإباء، بعيدًا عن سفاهة الكلمة أو ضحالتها.
عرفتُ الدّكتورة روضة متذوّقةً للموسيقى بشكلٍ خاصّ، إلى جانب انتمائها القوميّ لبلدها، وحبّها لثقافتها، وحرصها على التّمسّك بالحضارة والتّاريخ الفلسطينيّين، ناهيك عن إلمامها بالفنّ الرّفيع، والأغاني الأصيلة، وعايشتُ كذلك اهتمامها الكبير بي، وتشجيعها العظيم لي ولفنانين ومثقفين كُثُر.
كانت الرّاحلة حريصةً على الحفاظ على مستوى راقٍ في اختيار الأغنيات، واهتمّت بالتّفاصيل بدءًا من الكلمات، واللّحن، ثمّ المغنّي، لذا شَدَّدَتْ على الأغاني الوطنيّة القوميّة البعيدة عن الشّعاراتيّة والمغالاة.
وبفضل الدّكتورة روضة التقيتُ بالنّاشطين والمشاركين في فعاليّات جمعيّة الثّقافة العربيّة، وهم جمهورٌ متذوّقٌ ومثقّفٌ ساهمَ وجودهم إلى جانبها، أثناء مشاركتي في إحياء المناسبات الوطنيّة، في خلق نوعٍ من التّواصُل واللّغة المشتركة بيننا، وساهمَ في تعزيز الامتزاج الرّوحيّ المشترك مع الدّكتورة روضة، فنجحت الأغاني الّتي قدّمتها بإضفاء أجواء فنيّةٍ موسيقيّةٍ ثقافيّةٍ تخلط بين الطّرب والالتزام بحُبّ الوطن إلى أبعد الحدود.
ومِن حُسنِ حظّي أنّ علاقةً عائليّةً قويّةً ربطتني بالدّكتورة روضة وزوجها الدّكتور إلياس عطا الله، وهو إنسانٌ أصيلٌ ومثقّفٌ كبير، فكانَ التّمازج بينهما جميلًا ورائعًا ومدعاةً للفخر، تجلّى في الأمسيات الفنّيّة، وجاءَ دور جمعيّة الثّقافة العربيّة وجهد الدّكتورة روضة عظيمًا في نقل رسالة الوعي، والثّقافة، والانتماء، في خدمة الفلسطينيّين جميعًا.
وإذا كنتُ، على المستوى الشّخصيّ، أفتقد الدّكتورة روضة، فإنّ إحساسًا قويًّا بالوجع يرافقني في غيابها، لقد كانت القائدة الأمّ والمقاومة العنيدة، وإذا ما آمنت بالعمل فإنّها تذهب إليه حتّى النّهاية، وإذا ما أحبّت تحتضنك بعميق مشاعرها.
وستبقى الدّكتورة روضة، علمًا من أعلام هذا البلد، وإحدى رموز نضاله الثّقافيّ والحضاريّ، وستظلّ مثلًا يُحتذى به للمرأة المعطاء المثقّفة مرهفة الحِسّ، والّتي لا تعرف المستحيل؛ سنشتاق إليكِ، فلترقُد روحك بسلام.
**********
(المُحرّر / علي مواسي) - أشرفت الدّكتورة روضة بشارة عطا الله على مشاريع موسيقيّة هامّة، ونظّمت أمسياتٍ عديدة، منها:
* الأمسية الثّقافيّة الفنّيّة “صوت الجماهير” (2011)، والّتي أحيتها جمعيّة الثّقافة العربيّة في قاعة العوّاديّة في شفاعمرو، دعمًا ومساندةً لثورات الشّعوب العربيّة المطالبة بالحرّيّة، والكرامة، والمواطنة المتساوية، وقد حضر الأمسية حوالي ألف مشاركٍ من مختلف الأجيال والمناطق؛ وشملت الأمسية فقرتين موسيقيّتين للفنّانين دلال أبو آمنة وإلياس عطا الله، وكلمةً للرّوائيّ المصريّ علاء الأسواني حول الثّورة المصريّة، وكلمةً للموسيقيّ العراقيّ نصير شمّا حول أعماله الموسيقيّة المتناولة لفلسطين والعراق، وفقرة إلقاءٍ شعريّ للطّفلة عُلا طه، وفقرةً كوميديّةً ناقدة للفنّان أيمن نحّاس.
* “لقاءات الإثراء في الموسيقى العربيّة” (2006)، والّتي نُظّمت برعاية مؤسّسة عبد المحسن القطّان، وتكوّنت من خمسة لقاءات، لقاءٌ كلّ خميسٍ ابتداءً من 09.02.2013. تناولت اللّقاءات دراسة تاريخ الموسيقى العربيّة ونشأتها؛ وقوالب التّلحين المغنّاة أو الصّوتيّة في الموسيقى العربيّة وأهميّتها الفنّيّة؛ وقوالب التّلحين لموسيقى الآلة في العالم العربيّ كالسّماعيّ، والبشرف، واللّونغا، والتّحميلة، والتّقاسيم والارتجال؛ ومشروع الرّحابنة والمطربة فيروز الموسيقيّ؛ والإبداع الموسيقيّ المعاصر في العالم العربيّ. وقد قدّم اللّقاءات وشارك فيها الموسيقيّون حبيب شحادة، وريمون حدّاد، ويوسف حبش، والمغنّيان علاء شرش وتيريز سليمان.
* تأسيس فرقة “ليالي الشّرق” (2002)، والّتي تألّفت من 16 موسيقيًّا من مغنّين وعازفين وملحّنين، وتولّى قيادة الفرقة وإدارتها الموسيقيّ بشارة الخل، وصاحبه الفنّانون والفنّانات: إلياس لطف الله عطا الله (مغنٍّ)، وأمل بشارات (مغنّية)، ودلال أبو آمنة (مغنّية)، ومأمون زيود (مغنٍّ وعازف عود)، وهبة بطحيش (مغنّية)، ووفاء بلّان (عازفة قانون)، وألفرد حجّار (عازف ناي)، ومعين دانيال (عازف كمان)، وفرانسوا خلّ (عازف تشيلو)، وإياد أسدي (عازف عود)، وبشير أسدي (عازف كمان)، وسهيل حكيم (ضابط إيقاع)، وإلياس حبيب (عازف دفّ/ رقّ)، ويوسف حبيش (عازف إيقاع).
أجرت الفرقة تدريباتها من شهر آذار 2002 إلى شهر آذار 2003؛ وقدّمت خلال هذه الفترة عروضًا غنائيّةً منوّعة، بدأت بالأمسية الغنائيّة الموسيقيّة “الأغنية الوطنيّة المصريّة في السّتّينات”، ثمّ العرض الغنائيّ للفرقة على خشبة مسرح “الأودتوريوم” بحيفا تكريمًا للأديب حنّا أبو حنّا.
(دلال أبو آمنة: مطربةٌ فلسطينيّةٌ ملتزمة، تُغنّي الموسيقى الكلاسيكيّة والتّراثيّة الفلسطينيّة).
25 يناير 2014
الى الامام يا رائعة فلسطين الله يوفقك