رسالة إلى بشار الأسد ونداء خيالي للمبدعين العرب/ رياض مصاروة
إنهض غدًا واشرب قهوتك أو أيّ سم هارٍ وتوجّه إلى شعبك وخصوصًا إلى المثقفين والمبدعين الحقيقيين المتألمين. اعترف بأخطائك وبجرائمك وجرائم نظامك. حرّر كل الشرفاء وأخرجهم من سجونك
.
|رياض مصاروة|
لم يخطر ببالي أن أكتب لك رسالة شخصية. وفي الوقت نفسه تمنيت عندما قررت أن أكتب لك رسالة مديح لو قمت بخطوة جريئة وحررت كل المناضلين القابعين في ظلمات سجونك. تنقصك الجرأة وينقصك اتساع الأفق. قررت بعد تورثك الحكم أن ترث الاستبداد والقمع اللذين أوصلا الشعب السوري إلى أكبر مأساة شهدها التاريخ الحديث. تعودت أن أكتب لأصدقائي ولم يخطر ببالي أن أكتب رسالة شخصية الى زعيم. واعذرني لأنني سأتخلى عن شاعريتي لأنني سأحتاجها لرسالة قادمة ان شاءت مرحلة أسميها ما بعد ملهاة الألم. تسألني لماذا أكتب؟ لن أطيل عليك.
يُحكى أنّ الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لم يكن يعرف أن رجال أمنه يعتقلون الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم. هذا ممكن. كان غارقا في عملية تحرير الأمة العربية من نير الاستعمار والتخلف ولم نغفر له في حينه، مثلما لم نغفر له عدم تنظيف نظامه من الوصوليين والانتهازيين والرجعيين الجدد. لم نغفر له انقضاضه على أشرف الناس، الشيوعيين، سنة 1959 وزجّهم في غياهب سجونه، ولم نغفر له غفواته وتهاونه مع الفاسدين أمثال عبد الحكيم عامر وأنور السادات وعلى ما يبدو أنّ طيبته الثورية طورت في سلوكه السياسي والثوري سذاجة لا تغتفر. ولكننا أحببناه وعشقناه وما زلنا نحنّ إلى ثوريته الساذجة التي تشبه بشكل أو بآخر سذاجة تشي جيفارا الذي آمن أنّ بإمكانه تصدير الثورة، ممّا حوّله إلى شخصية تحمل في داخلها عناصر المأساة الحديثة. فكل انسان فوق المتوسط يحمل في داخله عناصر مأساته التي نعرفها من شخصيات المسرح الأغريقي ومسرح شكسبير.
أما أنت فقد برهنت أنك شخصية تحت المتوسط لأنك لم ترتق بسلوكياتك إلى مرتبة الكبار أمثال جمال عبد الناصر وتشي جيفارا، ظنا خاطئا منا أنك شاب من الممكن أن يأتي بجديد ثوريّ. وفي مأساة هؤلاء الأبطال خلود، خلود عدم استثمار لطاقاتهم الثورية الخارقة واستسلموا لضعفهم النابع من عاطفة ثورية مفرطة (لن تفهمني إذا أطلت الحديث عن العاطفة الثورية) وكان بإمكانك أن تكون بطلا مأساويا لو كرّستَ كل قدراتك العقلية والذهنية لإنقاذ شعبك وأمتك.
بعد أن رحل أبوك حافظ الذي لم يحفظ دروس التاريخ الثوري أتيت وريثا، والوريث عادة يحتفظ بسمات مورثه (وحظك السيئ أنّ أخاك باسل قُتل بحادثة، إذ كان من الممكن أن تبقى طبيب عيون). وأنت احتفظت وورثت كل ما هو سيئ من أبيك؛ ورثت الاستبداد وضيق الأفق. وهل ننسى أنه نصب العداء للشعب الفلسطيني بقيادة الراحل عرفات؟ وأنت لم تتخلص من هذا العداء، بل أكثر من ذلك، شجّعت الحمساويين أمثال خالد مشعل أمير المؤمنين غير المتوّج والذي أدار ظهره لك مقابل حفنة من الدولارات القطرية وزار غزة بإذن من نتنياهو.
ولا تعتقدن أننا بعدائنا للمؤامرة على الشعب السوري ندافع عنك وعن نظامك، ولا تعتقدن أننا بقرفنا من موبقات التكفيريين أننا نتعاطف معك ومع نظامك. خوفنا هو على الشعب السوري ذي التاريخ العريق، وخوفنا على حضارة كاملة أنارت ظلمات الأوروبيين في القرون الوسطى.
لماذا فاض بي الكيل وقررت أن أكتب لك؟
يُحكى أن جوبلز، وزير الثقافة الهتلرية، كان يشهر مسدسه كلما سمع كلمة “ثقافة”، ويُحكى أيضًا أنّ الجنود اليونانيين قبل 2500 سنة الذين وقعوا في الأسر وأولئك الذين حفظوا أشعار سوفوكليس وأويربيدس حرروا من الأسر (هل تفهمني أيها الدكتور؟ جنود يحفظون عن ظهر قلب أشعار سوفوكليس. وهل جنودك البواسل يحفظون بعضا من أشعار أدونيس؟). هل تفهم الآن ما هو قصدي؟ سوفوكليس وأويريبيدس شفعوا للأسرى، وأنت اخترت الحكاية الأولى أيها الشاب “المثقف”. حكاية جوبلز الذي أشهر سلاحه كلما سمع كلمة “ثقافة”.
أعرف أنك حتى هذه السطور لم تفهم قصدي. ما أقصده تجد مضمونه في غياهب سجونك وفي الأقبية المعتمة التي حفرتها وحفرها نظامك لأشرف الناس، للشيوعيين والوطنيين والمبدعين. نعم! تأخرت رسالتي وحاولت متخاذلا ألا أفتح هذا الجرح في خضم التكفير وأكل قلوب جنودك، وقطع رؤوس الآباء أمام أطفالهم وفي خضم افتتاح مواخير الزنى الجهادي، وقلت لنفسي: تريث! وبسبب تريثي اتهمت أنني ضد حرية الشعب السوري، واتهمت أنني أدافع عنك وعن نظامك المهترئ أيها المهترئ. والآن تضعني وتضع أمثالي في الزاوية ولن يشفع لك ضميري، ولا أقول لن يشفع لك عقلي لأنّ ضميري وعاطفتي وعقلي تآخوا في لحظة التخلص من الوعي المهزوم. وهل تعتقد أنّ المقاومة تكمن فقط في سلاح حزب الله وفي سلاح حماس. وأقول لك إنني تعلمت من معلمي أنّ المقاومة المسلحة يسبقها الوعي الثوريّ. الوعي لألم الفقير الذي لا يجد قوت أطفاله. وأسألك: كيف ستحرّر الجولان وشعبك يناضل لكسب قوته؟ أنت لست مقاوما، بل عجزك هو الذي يحتمي بالمقاومة التي نخاف عليها منك أيضا. أعرف أنني أطلت. وها هي القشة التي كسرت ظهر الجمل:
رجال أمنك يوقفون المبدع، الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي (62 عاما) على حاجز أمني ويعتقلونه ويزجّون به في زاوية معتمة ولا أحد يعرف أين هو الآن. يوسف عبدلكي فنان تشكيلي عالمي، رفع المشهد الثقافي السوري عاليا وهو في منفاه القسري لمدة 25 عاما في باريس، بعد أن اضطهده نظام أبيك، واضطر سنة 1981 أن يهاجر ويترك وطنه، أن يترك منبع جماليته وجمالية فنه. قرّر أن يعود إلى الوطن الأم سوريا سنة 2005 ولم يتركه في خضم الأزمة مثلما فعل الآخرون، والجدير بالذكر أيها الدكتور أنه عضو في حزب العمل الشيوعي، وكونه شيوعيا يقول لي إنه يقف إلى جانب ومع الفقراء والمضطهدين. وهو ينتمي إلى هيئة التنسيق الوطنية، أي إلى المعارضة السلمية الداخلية التي تنبذ العنف وتنادي بالحوار الوطني لإنقاذ سوريا والشعب السوري. لا تقل لي إنك لا تعرف.
وأسألك: ما هي جريمته؟ هل يهدد فكره أمنك وأمن نظامك؟ وهل وجدت نفسك ووجدت جرائمك في أعماله الفنية وكانت بمثابة مرآة صافية حددت تقاسيم وجهك وتقاسيم أفعالك وأفعال المنتفعين في نظامك؟
أشكر ما تبقى لي من وعي لأنني لم أتسرع بانتقاد الفنانين أمثال جمال سليمان وأيمن زيدان الذين تركوا سوريا. ومثلما قلت من قبل إنه لا يحق لي أن أمارس المزايدة الثورية. ومن المعروف أن المزايدة تقتل الروح الثورية عند هؤلاء الذين يفكرون بوعيهم المهزوم أنهم ثوريون. لن أزاود عليهم وأقول لهم انه كان عليهم أن يبقوا في وطنهم وأن يخوضوا معركة تزج بهم في سجونك. لن أُفاجأ اذا توصلوا إلى مقولة: عليّ وعلى أعدائي، لأنك ستسبقهم الى هذه المقولة إذا لم تعد الى وعيك وإلى بذور وعي تغاضيت عنها في خضم أوفوريا السلطة.
هل فات الأوان؟ نعم… فات أوانك، ولن يفوت أوان سوريا اذا قمت بفعل خارق من الممكن أن ينقذ سوريا والسوريين. سأقدم لك نصيحة لوجه الحق والحقيقة:
إنهض غدًا واشرب قهوتك أو أيّ سم هارٍ وتوجّه إلى شعبك وخصوصًا إلى المثقفين والمبدعين الحقيقيين المتألمين. اعترف بأخطائك وبجرائمك وجرائم نظامك. حرّر كل الشرفاء وأخرجهم من سجونك. توجّه إلى كل المنفيين القسريين في أرجاء العالم بأن يعودوا إلى وطنهم. دعهم ينظمون مظاهرة الجمال والجمالية الإنسانية. دع الرسامين يحملون رسوماتهم في شوارع دمشق، دع سلاف فواخرجي (مؤيدة النظام) تمشي جنبا إلى جنب مع كندة وجمال سليمان وغيرهما من الفنانين المعارضين، دع راقصي وراقصات الباليه يرقصون رقصة نشوة سورية في شوارع دمشق واللاذقية. دع صباح فخري يغني لعشاق سوريا. نادهم وقل لهم: الشارع ملككم وليس ملكي. فليجتمع كل فناني وفنانات سوريا، دعهم يدعون كل الفنانين والمبدعين من كل البلاد العربية المنكوبة ليتظاهروا في شوارع دمشق وليتوجّهوا إلى العالم بأسره، إلى كل الحكام في العالم والى مخططي الشرق الأوسط الجديد، وليرفعوا الشعار: الحرية لكل الشعوب العربية. الحرية للإنسان العربي، الحرية للطفل العربي، الحرية للثقافة العربية الإنسانية، الحرية للدين الإسلامي المتنور، الحرية للضمير العربي. دعهم يرسمون لوحة أجمل من اللوحة الخارقة التي رسمها الشعب المصري يوم 30 يونيو في ميدان التحرير والاتحادية، ورسمها في الإسكندرية وبور سعيد وفي الصعيد.
أعرف أن ندائي عبرك للفنانين والمبدعين العرب نداء خياليّ، وأعرف أن توجهي إليك أيضا خياليّ. هل تعرف؟ الآن في حلمي الياقظ أتخيل هذه المظاهرة. أتخيل رقصة الباليه، رقصة النشوة السورية، أتخيل كل جميلات سوريا يتمخترن في شوارع دمشق (فأنا أعشق جمال المرأة السورية): سلاف فواخرجي، جومانا مراد، عبير شمس الدين، ماريانا معلولي إلى جانب خالد يوسف، والى جانب رغدة.
أتخيل بسام كوسا الى جانب أحمد السقا ولن أنسى شاريهان التي تبرعت ببيتها مكتبا لحركة تمرّد، وأتخيل الطفل محمد عساف يغني لفلسطين وسط دمشق. هل باستطاعتك أن تتبنى هذا النداء الخارق وفي الوقت نفسه تعتذر ليوسف عبدلكي ولكل أصدقائه القابعين في سجونك؟ ربما… ربما سأغفر لك ولا أعدك أنهم سيغفرون لك. لست رساما ولكنني أقترح بنية للوحة خيالية ستبهر العالم بأكمله.
كلمة أخيرة أوجهها لكل المبدعين هنا في فلسطين: اعتبروا هذه الرسالة عريضة تطالب بحرية كل الثوريين القابعين في سجون بشار. أنا أول الموقعين. أنشروا هذه الرسالة وهذا النداء في كل المواقع وفي كل وسائل الإعلام. فلسطين هي الوعي الثوري المتبقي في هذا الزمن العربي المأساوي. وإذا ضاعت فلسطين ضاع الحلم واندثر الوعي.