ملف | البدايات جميلة
عاشقو وعاشقات البدايات، هم ساردي قصص الحياة، الحكواتيّة كما أحبّ أنّ أسميهم. هم القادرون على النبش بالقصص وجعلها جميلة، حتّى تلك المليئة بالألم والوجع والقسوة. يعولون دائمًا على منبع القصّة الأول، البداية، وكلّ البدايات جميلة.. كلّها.
| رشا حلوة |
لا نعرف لحظة بداياتنا، لا مشاعر حاضرة نتذكرها منها؛ لا متى خرجنا من أرحام أمهاتنا، ولا متى شربنا الحليب من أثدائهن لأول مرة، أو كيف كان صوت بكائنا الأول، ولا نتذكر إحساس خطوة المشي الأولى.. بدايات كثيرة تخصنا ولا نعرف عنها شيئًا. كل ما نعرفه هو أحاديث من كانوا معنا حين حصلت، وحظوا بمشاهدة بدايات لن نعرفها يومًا. لذلك، يتوق الإنسان دومًا إلى أن يعيش بدايات ما، بنسب متفاوتة بين الواحد والآخر، علّنا نصل إلى شعور البداية الحقيقيّ.
ما بين البداية غير المختارة والبدايات التي تأتي إلينا أو نذهب نحن إليها، هنالك عالم واسع ولعبة لا نهائيّة. لا أعرف كثيرًا عن بدايات تفاصيل مني لم أخترها، لكني أعرف عن البدايات التي تصل عند عتبة بيتي وأفتح لها الباب وتلك التي أسافر إليها كأني بحّارة.
البدايات رحلة سريعة، سعادة مؤقتة؛ كلحظات تبدّل دقائق السّاعة من نهاية العام إلى أوله، وأول أيام السّفر، وأول الحبّ، هذا اللقاء الأول بفراشات البطن، الذي يبحث عنه المتيمون بالبدايات، لربما هم أكثر المتعبين على الأرض، لكن لا شيء في العالم يمنع قلبهم من مشوار البداية، كلّ مرة من جديد. هؤلاء، عند كلّ “نهاية”، يصرخون بأعلى صوتهم: “تحيا البدايات”.. وهم أكثر البشر شجاعةً.
البداية مجازفة، مغامرة، حتّى تلك التي لا نختارها نحن بدورنا. لكنا جاهزون دائمًا للذهاب إليها. البداية، فكرة الحياة كلّها، حولها وفيها نكون على أجمل هيئاتنا، هيئتنا الصّادقة والحاضرة لأن تكون شاهدة على كلّ تفصيلة منها، لا يمكن لها أن تفوت لحظة من البداية؛ توثقها، تحتفظ بها، تدوّنها أو تصورها أو ببساطة تضعها في ملفات الذّاكرة، هذه الملفات التي هي أكثر التفاصيل حفظًا في سيرورة حياتنا، والتي لا يصلها غبار الوقت، فتبقى صافيّة، جاهزة لأن تُسرد من جديد، بنفس اللهفة، كأنها حصلت قبل قليل.
عاشقو وعاشقات البدايات، هم ساردي قصص الحياة، الحكواتيّة كما أحبّ أنّ أسميهم. هم القادرون على النبش بالقصص وجعلها جميلة، حتّى تلك المليئة بالألم والوجع والقسوة. يعولون دائمًا على منبع القصّة الأول، البداية، وكلّ البدايات جميلة.. كلّها.
يأتي هذا الملف ليجمع قصصًا عن البدايات، بأقلام وعيون وقلوب متنوعة، ويُنشر مع نهاية عام وتوق إلى بداية عام جديد، إلى بداية تأتي إلينا دون أن يكون لدينا أي سيطرة عليها، تدق بابنا جميعًا، ونتقرب إلى رحلتها القادمة، كشراع تقوده الريح إلى برّ ما، إلى يابسة جديدة.. والمجهول يسكنه الخوف، لكن “قلوبنا كويسة”، لأنّها لا تفصل النهاية عن البداية، وهذا جميل.
(إعداد الملف: رشا حلوة)
بدايات عدّة لامرأة واحدة/ نسرين أكرم خوري
الصورة بعدسة: مروان طحطح
أوَّلُ مضاجعة/ الياس الماجري
الصورة بعدسة: الياس الماجري